السفير عمرو حلمى يكتب: فوز ترامب ومستقبل الشرق الأوسط

آخر تحديث: الأربعاء 6 نوفمبر 2024 - 7:18 م بتوقيت القاهرة

لم يكن نتنياهو يخفى تفضيله لفوز دونالد ترامب فى الانتخابات الرئاسية؛ حيث وصفه بأنه «أفضل صديق لإسرائيل فى البيت الأبيض على الإطلاق». وهو ليس وحده فى ذلك فوفقا لاستطلاعات أخيرة للرأى فإن الغالبية العظمى من الإسرائيليين كانوا يفضلون فوز ترامب مرة أخرى فى انتخابات الرئاسة الأمريكية، إذ أظهر استطلاع للرأى أجرته القناة ١٢ الإسرائيلية، أن ٦٦٪ قالوا إنه مرشحهم المفضل، مقابل ١٧% فقط لهاريس وذلك استنادا إلى ما قام به ترامب خلال فترة رئاسته الأولى دعما لإسرائيل، ويدخل فى إطار ذلك العديد من التطورات التى يدخل فى إطارها:
١- إنه فى ٦ ديسمبر ٢٠١٧ اعترفت إدارة الرئيس ترامب رسميا بالقدس عاصمة لإسرائيل وقد شكَّل ذلك تحولاً جذريًّا فى الموقف الأمريكى بعد أن تجنب كل الرؤساء الأمريكيين لأكثر من سبعة عقود الإقدام على ذلك، كما امتنعوا أيضا عن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس.
٢- كما اعترفت إدارة الرئيس ترامب فى ٢٥ مارس ٢٠١٩ بسيادة إسرائيل على الجولان السورية واعتبارها جزءا لا يتجزأ من دولة إسرائيل، فى تطور لم يسبق للإدارات الأمريكية السابقة أن أقدمت عليه إذ بقيت تعتبر هضبة الجولان السورية ضمن الأراضى التى استولت عليها إسرائيل عن طريق الحرب عام ١٩٦٧.
٣- قيام إدارة الرئيس ترامب فى ٨ مايو ٢٠١٨ باتخاذ قرار يقضى بخروج الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووى مع إيران لعام ٢٠١٥ المعروف باسم Joint Comprehensive Plan of Action (JCPOA) الذى سبق التوصل إليه بين الدول الدائمة العضوية فى مجلس الأمن وألمانيا مع إيران أو P5+1 وهو الاتفاق الذى كانت تعارضه إسرائيل.
٤- يضاف إلى العوامل السابقة، ما يعرف بدور إدارة الرئيس ترامب فيما يعرف «باتفاق أبراهام» Abraham Accord والذى تم التوصل إليه فى ١٣ أغسطس ٢٠٢٠ والذى بتوقيعه أصبحت الإمارات العربية المتحدة ثالث دولة عربية توقع اتفاقية سلام مع إسرائيل بعد مصر عام ١٩٧٩ والأردن عام ١٩٩٤ وهو الأمر الذى مهد للتوصل إلى اتفاقات مشابهة مع البحرين فى ١١ سبتمبر ٢٠٢٠ والسودان فى ١٠ ديسمبر ٢٠٢٠ والمغرب فى ١٠ ديسمبر ٢٠٢٠
فى إطار حملته الانتخابية، فعلى الرغم من أن عرض ترامب احتوى على مزيج مختلط وغامض من المواقف تجاه إسرائيل فيما يتعلق بالقضايا الأكثر إلحاحًا التى تواجهها، وهى حماس فى غزة، وحزب الله فى لبنان، وإيران، إلا أن الاتصالات التى اأجراها نتنياهو معه أظهرت أنه يفضل «إنهاء الحرب» و«إنجازها بسرعة» قبل أن يدخل مجددا إلى البيت الأبيض فى يناير ٢٠٢٥ فى حال فوزه فى الانتخابات.
وفى مناظرة سبتمبر مع هاريس، قال: «سوف أسوى هذا الأمر وبسرعة». وفى الآونة الأخيرة، ذكر لنتنياهو فى مكالمة تليفونية: «افعل ما يتعين عليك القيام به»، وفى مقابلة مع مجلة تايم فى أبريل الماضى، ألقى ترامب باللوم على نتنياهو فى الإخفاقات التى مكنت حماس من هجوم السابع من أكتوبر ولقد كان ذلك بمثابة انتقاد حاد لزعيم إسرائيلى رفض قبول أى مسئولية عن الفشل الأمنى ثم نجح نتنياهو بعد ذلك فى كسر الجليد فى يوليو الماضى فى زيارة إلى مارالاجو. ومنذ ذلك الحين، ورد أن الاثنين تحدثا عبر الهاتف عدة مرات، ومهما كان رأى الرجلين فى بعضهما البعض، فإنهما يجدان أنه من المفيد سياسيا أن يُنظر إليهما كأصدقاء وحلفاء، وبصفة عامة يشعر نتنياهو دائما بأنه فى بيته مع الجمهوريين أكثر من الديمقراطيين خاصة وأن ترامب فى حالة فوزه سيتجه إلى تعيين شخصيات موالية لإسرائيل فى مناصب بالغة الأهمية.
فلم تكن الدوائر الإسرائيلية تنظر بارتياح إلى كامالا هاريس وقد اتضح ذلك من ردود الأفعال الإسرائيلية من عدم حضور هاريس لخطاب نتنياهو أمام الكونجرس يوم ٢٤ يوليو الماضى وهو الأمر الذى وصفته الدوائر الإسرائيلية بأنه مؤشر على أنها لا تميز بين الخير والشر، واصفين تناول هاريس بغير الجيد فى معاملة حليف مثل إسرائيل، فضلا عن قيام عدد من المسئولين الإسرائيليين بالتصريح بأن القرار الذى اتخذته بعدم الحضور ليس بالإيجابى فى ظل خوض إسرائيل حربا صعبة ضد إيران، مؤكدين أن رفضها حضور الخطاب يعد مؤشرا على موقفها ضد إسرائيل. فعلى الرغم من اتخاذ إدارة الرئيس بايدن وهاريس فى إطارها منذ البداية موقفا داعما لإسرائيل فى حربها فى غزة وفى لبنان على أساس بأنها تأتى فى إطار حق إسرائيل فى الدفاع عن النفس Israel 'has right to defend itself، وحتى مع إحجام إدارة الرئيس بايدن عن فرض حظر على تصدير الأسلحة لإسرائيل وذلك رغم الشواهد التى تؤكد استخدام تلك الأسلحة فى جرائم الإبادة الجماعية genocide التى أدت إلى سقوط هذا العدد الهائل من القتلى من المدنيين الفلسطينيين الذى يفوق الـ ٤٥ ألف قتيل غالبيتهم من النساء والأطفال وما يقرب من إصابة ١٠٠ ألف من المدنيين الفلسطينيين فضلاً عن تدمير البنية التحتية وأنظمة الإسكان والرعاية الصحية فى غزة وقيام إسرائيل بتدمير كل جامعة من جامعات غزة الـ ١٢ ومنع المساعدات الإنسانية، مما تسبب فى سوء التغذية على نطاق واسع بين الأطفال، وفى الواقع، المجاعة.
ومن قيام حملة هاريس بتأكيد أنها لا تتفق مع المتظاهرين الذين يتهمون إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية، بالإضافة إلى ذلك موقف إدارة بايدن الداعم لإسرائيل سواء فى إطار مجلس الأمن أو حيال محكمة العدل الدولية أو المحكمة الجنائية الدولية خاصة وأن إدارة الرئيس بايدن قامت بمواصلة صادراتها من الأسلحة لإسرائيل فى انتهاك واضح للقوانين الأمريكية ذاتها ومنها ما يعرف بـ Leahy Laws التى تقضى بحظر تقديم المساعدة الأمريكية للدول الأخرى عندما تكون هناك معلومات موثوقة تفيد بأنها ترتكب «انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان GVHR وعلى الرغم من كل ذلك وتأكيدها الاستمرار فى دعم إسرائيل كحليف استراتيجى والتعهد بالالتزام بضمان أمن إسرائيل، إلا أن إقدامها على وصف ما حدث فى غزة خلال الأشهر الماضية بالمدمر حيث فقدت الكثير من الأرواح البريئة وأن «حجم المعاناة يفطر القلب»، «وأن الشعب الفلسطينى يستطيع أن يحصل على حقه فى الكرامة والأمن، وأنها لن تسكت عن القضايا الإنسانية فى غزة، قد أثار حفيظة إسرائيل واللوبى اليهودى؛ حيث اعتبروا تصريحاتها بأنها تأتى فى إطار حرصها على كسب أصوات العرب والمسلمين الذين يعتبرونها جزءًا من إدارة باركت ودعمت حرب الإبادة ضد الفلسطينيين وهى بذلك خسرت أصوات كثيرة من الطرفين سواء من اليهود أو من العرب والمسلمين.
وفى النهاية يجب الانتظار والتريث لحين اتضاح موقف الرئيس ترامب وتقييم قدرته على ممارسة الضغط على إسرائيل من أجل وقف الحرب فى غزة ورفع القيود التى تفرضها إسرائيل على نفاذ المساعدات الإنسانية للفلسطينيين ووقف اعتداءات المستوطنين اليهود على الفلسطينيين فى الضفة الغربية، وذلك بالتوازى مع قدرته على التحرك من أجل تنفيذ قرار مجلس الأمن ١٧٠١ فى لبنان أخذا فى الاعتبار أن القرار الذى سبق وأن اتخذه الرئيس ترامب بالخروج من الاتفاق النووى مع إيران لعام ٢٠١٥ سيوفر أرضية مشتركة مع إسرائيل للتحرك نحو الحيلولة دون تحول إيران إلى دولة نووية، كما أنه ليس من الواضح استعداد الإدارة الأمريكية الجديدة للدفع نحو تفعيل التوصل إلى تسوية على أساس حل الدولتين وإن كان فكرة «الوطن البديل» لهم ستكون حاضرة بأكثر من أى وقت مضى.
ومن المتوقع أن تستأثر قضية توسيع نطاق «اتفاق أبراهام» خاصة التطبيع بين السعودية وإسرائيل وبين دول عربية أخرى وإسرائيل بأولوية كبيرة فى نسيج السياسة الأمريكية حيال منطقتنا، فنحن قد نكون على مقربة من أن نشهد شرقا أوسط جديدا دون إيران بإمكانيات نووية وبتصدعات خطيرة بالنسبة لمستقبل الفلسطينيين ولإمكانية إقامة دولة مستقلة لهم حتى لو كانت منزوعة السلاح.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved