إبراهيم المعلم: مصر لديها إمكانيات تجعلها قوة ثقافية عظمى.. وينقصنا الوعي والإرادة المطلوبة

آخر تحديث: السبت 9 مارس 2024 - 6:21 م بتوقيت القاهرة

كتبت- أسماء سعد:

المعلم: استعادة ريادة الكتاب المصري في المنطقة العربية يتطلب القضاء علي ظاهرة تزوير الكتب وحماية حقوق الملكية الفكرية
المعلم: ثقافة الطفل تبدأ مع الكتاب المدرسي ليكون عاملا مساعدا على تنمية مخيلة الطفل وتشجيعه على القراءة والتعليم
المعلم: الصناعات الابداعية تساعد في تقدم الأمم وبناء الإنسان.. والذكاء الاصطناعي سيحدث ثورة في عالم النشر
المعلم: تقدم الصناعات الثقافية مرهون بحرية الإبداع وحماية الملكية الفكرية
ممدوح عباس: للاسف أصبحنا قلعة لعمليات تزوير وقرصنة الكتب.. ويجب زيادة ميزانيات الثقافة والتعليم
مصطفى الفقي: نحتاج للتدخل التشريعي والمتابعة المستمرة لمواجهة تزوير الكتب
إبراهيم عوض: النشر يدفع الثقافة إلى إحداث التنمية المطلوبة بالبلاد التي تريد الارتقاء
طارق الخولي: لا يجب التفريط في ثقافتنا لأنها القوى الناعمة للدولة المصرية

 

نظمت مؤسسة "كيميت بطرس غالى" للسلام والمعرفة، ندوة بعنوان "واقع ومستقبل صناعة الكتابة والنشر في مصر"، بمقر النادي الدبلوماسي بالتحرير، مساء الأربعاء الماضي، حيث افتتحتها الدكتورة ليلى بهاء الدين وقدمها ممدوح عباس، رئیس مجلس أمناء المؤسسة، وتحدث فيها المهندس إبراهيم المعلم رئيس مجلس إدارة مؤسسة الشروق، وحاوره إبراهيم عوض أستاذ السياسات العامة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، وسط حضور وحشد كبير من الشخصيات العامة والكتّاب والمثقفين والاعلاميين والأكاديميين.

وحرص على حضور الندوة عماد أبو غازي وزير الثقافة الأسبق، مصطفى الفقي مدير مكتبة الإسكندرية السابق، السفير يوسف مصطفى مساعد وزير الخارجية الأسبق، السفيرة سعاد شلبى مساعد وزير الخارجية الأسبق، السفير رؤوف سعد، سفير مصر لدي روسيا الأسبق، الدكتورة نهى المكاوي، عميد كلية الشؤون العالمية والسياسة العامة، صانع المحتوى أحمد الغندو"الدحيح"، ومن الكتاب والادباء والنقاد محمد عفيفي، عاطف معتمد أستاذ الجغرافيا بجامعة القاهرة، محمد المنسي قنديل، جمال فهمي، هشام أصلان، حسام السكري، ليلي الراعي، مصطفى حجازي، محمد زهران وأيمن الصياد، طاهر المعتز بالله، طارق الخولي وكيل لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب عن التنسيقية، وأميرة أبو المجد العضو المنتدب بدار الشروق، وأحمد بدير مدير عام دار الشروق،والناشران شريف بكروالتوزيع، وكرم يوسف ومحمد بصل مدير تحرير الشروق وعماد الدين حسين رئيس تحرير الشروق.

استهل الحديث ممدوح عباس رئيس مجلس أمناء مؤسسة "كيميت بطرس غالي" للسلام والمعرفة، حيث أشار إلى أن مصر عرفت الثقافة والنشر منذ زمن بعيد، وأن الدولة ورغم انها سيطرت على صناعة الكتاب في فترات الستينيات والسبعينيات،إلا أن دور النشر الخاصة كان لها دور محوري بعد ذلك، ويأتي من أبرزها دار الشروق والتي أسسها الأستاذ محمد المعلم، في العام 1968، ولا تزال حتى اليوم من أهم دور النشر في مصر والعالم العربي، ويشرفنا استضافة رئيس مجلس إدارتها إبراهيم المعلم. وأضاف عباس: إن وجود المعلم ضروري للكشف عن التغيرات في كل ما يتعلق بالنشر وتحدياته، والكيفية التي أثر بها التقدم التكنولوجي وثورة المعلومات على صناعة النشر، اضافة لمشكلات القرصنة والتزوير وأثرها، وكيفية حماية حقوق الملكية الفكرية وتأثير الأزمة الاقتصادية على صناعة الكتب، وأن هذا اللقاء فرصة للبحث عن أمل في إحياء صناعة النشر وعودتها إلى المستوى المطلوب.

بعدها قال الدكتور إبراهيم عوض أستاذ السياسات العامة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، إنه يلمس اهتماما من جانب الحضور في الندوة، سعيا لحل مشكلات النشر القائمة حاليا، وهناك تحديات تواجهها تلك الصناعة وأيضا الفرص المتوفرة أمامها، وماهي هي الإمكانيات الكامنة التي تستطيع أن تسهم في عملية التنمية الضرورية في بلدان مصر وباقي بلدان منطقتنا العربية اعتمادا على النشر ودفع الثقافة؟.

واستهل المهندس إبراهيم المعلم رئيس مجلس إدارة دار الشروق، حديثه بشكر الصديق القديم والعزيز ممدوح عباس، وإنه حينما كان رئيسا مجلس إدارة الزمالك كانت هناك روحا ودية ملموسة مع الأهلي، ليرد عباس بأنها كانت من أسعد فترات الرياضة في مصر نظرا للتقارب والود الذي غلف العلاقات تجاه نادي الزمالك من أقطاب النادي الأهلي أمثال إبراهيم المعلم وحسن حمدي، فكانوا من أبطال التقارب والود بين قطبي الكرة المصرية، واستطاعوا حماية الأهلي والزمالك من تفكك العلاقات، وكادت تلك العلاقات أن تتخذ شكل التحالف، وهو توصيف مستحق.وإن التقارب الذي يحدث حاليا بشكل مجدد عقب زيارة مجلس إدارة النادي الأهلي الحالي لمقر نادي الزمالك سيحد من التعصب الكروي، لأن قضية الرياضة في مصر باتت تعاني من "التأزم"، محذرا ممن يثيرون الفتن والتعصب الكروي.

• الصناعات الإبداعية الثقافية الأكثر تأثيرا للمتلقي

وفي موضوع الندوة قال المعلم، إن "النشر" جزء من الثقافة بشكل حقيقي، وأن الثقافة في العالم كله تضم ثقافات إبداعية أو ما يسمى "اقتصاد إبداعي"، وتلك الصناعات في العالم يصل حجمها حاليا لـ 3000 مليار دولار، ومنذ ست سنوات فقط كانت 1500 مليار دولار بمعنى أنها تضاعفت في تلك الفترة، وتضم 13 بندا مختلفا منها النشر، ويحوي مايقارب الـ 500 مليار، بما يشمل المجلات والدوريات والكتب المدرسية، وأن هناك حوالي 10% من القوى العاملة في عدد من البلدان يعملون في نطاق الصناعات الثقافية، وتلك الصناعات الأكثر تأثيرا في بناء الإنسان، والصناعات الإبداعية الثقافية تعد الأكثر تأثيرا على الصعيد الإيجابي، بخلاف أنها الأكثر قبولا وإمتاعا للمتلقي.

وأضاف: حينما نتحدث عن أي نوع من أنواع التنمية، سنجد أن أساسه في النهاية هو الإنسان، الذي يعد أساس وهدف في حد ذاته، وأهم شيء في تكوين هذا الإنسان غرس الصناعات الإبداعية بداخله، بداية من المناهج الدراسية والمقررات الجامعية والدراما والتليفزيون، مؤكدا أن مصر لديها ميزة نسبية في منتهى الأهمية فيما يخص الصناعات الإبداعية، وميزة خرافية في النشر على وجه الخصوص، فلطالما كانت سباقة منذ قديم التاريخ نحو تصدير الكتابة والمخطوطات والعديد من الأوراق المهمة للعالم، وهو ما استمر معنا حتى الآن كميزة امتدت إلى مختلف أشكال التعبير الإبداعي.

وشدد المعلم على ضرورة حماية الصناعات الإبداعية، في المقام الأول ، وثانيا أن نطلق عنانها بالحرية ونمنع الاعتداء على الملكية الفكرية، ويجب مراعاة تطور أشكال النشر مع إعطاء كامل الأهمية لقيمة وأثر الكتاب الورقي، دون أن نجهل أشكال التطور الحديثة للنشر الإلكتروني والكتاب السمعي والبودكاست وغيره، فعالم النشر يتغير بشكل هائل، والعالم حاليا به آفاق جديدة للكتب علينا أن ننظر ونبحث في سرعة التطور وألا نتأخر لقرون طويلة مقارنة بحركة النشر في العالم.

وأردف: هناك دول عربية كتابها الجامعي يمثل 95% من حركة النشر، وأكبر عدد من الكتب التي تصدر في مصر ليست الأدبية ولا الثقافية ولا المدرسية، وإنما المفارقة الكتب الجامعية في الجامعات الحكومية والخاصة، وعلينا أن ندرك أن الكتاب هو مفتاح الثقافة وأنه الأساس طوال الوقت، وأن تعريف الثقافة يجب وضعه بدقة، وانحاز لتعريف الثقافة التي يصفها بمجموعة من العلوم والمعارف والمهارات المرتبطة بالقيم. وأنه في العام 2001 اتفق اتحاد الناشرين الدولي على أن تكون أول عاصمة كتاب في العالم هي مدريد، لأنه قد صدر فيها الكتاب الذي يعد ضمن أوائل كتب الاكثر مبيعا أو "البيست سيلر" في العالم، وهو كتاب "دون كيشوت"، وهو أكثر الكتب التي تمت ترجمتها منذ القرن الـ 15 وحتى الآن، وكانت الأسكندرية بعد ذلك ثاني عواصم الكتاب في العالم، افتخرنا بذلك وكان هناك برنامجا كاملا يضم عددا من الشخصيات العامة ومحافظ الأسكندرية ولجنة متكاملة دعت الاتحاد الدولي للناشرين أن يزور مكتبة الأسكندرية، واقترحنا أن تكون مكتبة الإسكندرية هي مركز الإيداع المركزي لدول العالم كله تقديرا للدور العظيم للاسكندرية، وبعد كل تلك الاقتراحات تم إلغاء الاحتفالات ولم تكتمل تلك الأفكار، وهذا يبين لنا الفارق بين ما يمكن أن نكونه في الثقافة وما لا يمكننا في أحيان أخرى.

وذكر رئيس مجلس إدارة الشروق، أن اتحاد الناشرين المصريين بالغ الأهمية ونسعى لتغيير قانونه الصادر في العام 1965، ويتكون مجلس الإدارة من 19 عضوا، 10 منتخبين و9 معينين، ومن ضمن المعينين منصب ممثل عن جهة لم تعد موجودة وهي قطاع الإرشاد القومي، بخلاف ممثلين عن وزارة الخزانة والاقتصاد ولم يعد هناك مسميات بهذا الشكل، ذهبت حينها لفاروق حسني وزير الثقافة لتغيير المسميات وتحديث أسماء الوزارات وهو ماتم بالفعل، ولكن لايزال القانون في حاجة إلى تعديل.

• حرية النشر وحقوق الملكية الفكرية

وبخصوص اتحاد الناشرين الدولي فقد انضممنا له بالعام ١٩٩٩، ولكي ننضم كانت هناك مشكلات متمثلة في أن الاتحاد يشترط بندين "حرية النشر وحقوق الملكية الفكرية"، بالنسبة لهم حرية النشر هي حرية إصدار الكتب، وحرية استيرادها وتصديرها عبر الحدود، وحرية البحث والوصول الي المعلومات، بخلاف ضمان سلامة المؤلف والباحث والناشر والقارئ.

أما البند الثاني فكان ينص على احترام حقوق الملكية الفكرية، وألا يقتصر دور الناشر على النشر فقط فيما يتعلق بالكتاب حصريا على سبيل المثال، وإنما نشر الكتب والمجلات والدوريات والموسيقي، وكل محتوي يصل إلى الجمهور لن يتطور ويتقدم إلا باحترام حقوق الملكية الفكرية، وعندما حاولنا الدخول للاتحاد الناشرين رفضوا في البداية بسبب مشكلات حقوق الملكية، ومعظم الاتحادات غير مستقلة.

وأشار المعلم إلى أنه ضمن المزايا النسبية التي تملكها مصر في عالم النشر أنه كان في وقت من الأوقات الكتب المدرسية التي تدرس في ثلاثة أرباع الدول والبلاد العربية منشورة في مصر لمؤلف وناشر مصري، وهناك مشكلة بدأت منذ أيام الكاتب الكبير الراحل طه حسين، حيث إنه في كتابه "مستقبل الثقافة في مصر" كان يتحدث بخصوص الكتاب المدرسي ودور الوزارة ودور الناشرين والمؤلفين المطلوب لكي يكون هذا الكتاب بالشكل المطلوب، وللأسف لازلنا متوقفين عند تلك الجزئيات من حينها وحتى الآن، في حين أن المناهج الدراسية في كثير من الدول العربية بدأت تصبح أكثر تقدما وحرية واتصالا بالعالم.

وأضاف المعلم إن الميزانية المخصصة للكتاب المدرسي ٤ دولار لكل طالب في بعض دول المنطقة، بينما في بلاد أخرى تصل لـ ٤٠٠ دولار، والميزانية المخصصة للكتاب المدرسي لدينا في مصر قليلة بالنسبة لبلد لها دور ثقافي وتثقيفي، مشددا على ضرورة أن يكون هناك لجنة عليا أو هيئة لدعم الصناعات الإبداعية، ورعايتها، وتحديث كل مايتعلق بها، وأن كافة أشكال الإبداع المكتوب والموسيقي وعلى سبيل التأليف والنشر وما إلى ذلك، يحتاج لدور حكومي قوي لحمايته وتطويره.

وتطرق المعلم إلى أن النشر الإلكتروني به مخاطر ويحتاج أيضا إلى حماية لحقوقه وتطويره، ويجب أن يكون به ناشرين معروفين لأن الناشر الالكتروني إذا لم يجد ناشرين وقوانين وتنظيم حقيقي، سنجد هناك صدور مرجعيات لكتب لا تخص المؤلف أو ترجمات غير دقيقة ونصوص غير حقيقية، قبل أن يشدد على أن الصناعات الابداعية تساعد في تقدم الأمم وبناء الإنسان. وذكر المعلم الحضور بأن العالم الكبير أحمد زويل كان يقول "لا إبداع ولا ابتكار مع الخوف"، وختم المعلم كلمته بأن الكاتب الكبير عباس محمود العقاد كان يقول إن الفن والفكر هي الحرية.

• مصر الدولة الاولى في النشر بالوطن العربي

وقال إبراهيم عوض إن المهندس إبراهيم المعلم طاف بنا في رحلة بعوالم صناعة النشر والتحديات التي تواجهها، ليتسائل عن كون الصناعات الثقافية الإبداعية من أهم الصناعات في أي بلد يريد أن يرتقي، ولدينا نموذجا على الاهتمام بالصناعات الثقافية في فرنسا، حيث حمت بشتى الطرق الغزو من الصناعات الأمريكية الثقافية بشكل كبير، والصناعات ليست مسألة تصدير فقط، ،والثقافة تشكل عقل الأمم، وبالتالي، فإن مصر لديها فرصة في أن تشكل عقل القراءة العربية، وهذا كان يحدث في الثلاثينات والأربعينات، ليوجه سؤالا إلى المهندس إبراهيم المعلم عن رأيه في ذلك؟

رد المعلم بأنه في وقت من الأوقات كان الكتاب العربي الصادر من مصر يشكل 70% من الموجود في الدول العربية، ولكن مع مرور الوقت بدأت تلك الدول تكبر وتتطور بطريقتها ، وأديب نوبل العالمي نجيب محفوظ كان له رأي أنه يجب الدفاع عن اللغة العربية وتقليل العامية في العالم العربي، ومن أهم المشكلات التي واجهتها مسألة تصدير الكتاب المصري الآن للدول العربية، أن اللغة العربية باتت ضعيفة، لدرجة أن بعض الكتاب يصرون ويتمسكون بالكتابة بالعامية، ثم أن مناخ النشر في الوطن العربي بات مختلفا، كان هناك وقت بالسابق جميع الناشرين العرب تشعر أنهم أسرة واحدة، ولكن الأمور اختلفت قليلا الآن، ورغم ذلك لازالت مصر حتى الآن هي الدولة الاولى في النشر بالوطن العربي، رغم أنه يمكننا تحسين ذلك والزيادة عليه.

وواصل: مهما كان الجو الاقتصادي العام أو الصعوبات التي قد يواجهها الشباب على القراءة في مصر، نجد أن معرض القاهرة للكتاب هو الأهم في الوطن العربي، ولذلك لمجرد كونه بالقاهرة، وعدد القراء والشباب في القاهرة يضيف له زخما يفاجئنا كل عام، مع الاعتراف بأن هناك دول عربية لديها برامج طموحة للغاية لتشجيع أبنائها على القراءة، وتمنح ناشريها دعما أيضا لضمان قدرته على المنافسة دوليا، وفي المقابل قدرة الناشر المصري على المنافسة دوليا أمام دول الخليج تتلاشى تقريبا، لذا نعترف بوجود مشكلة.

وشدد المعلم على أن استعادة ريادة الكتاب المصري في المنطقة العربية يتطلب أيضا القضاء على الظاهرة الخاصة بتزوير الكتب، والتي جعلت من مصر أحد مراكز التزوير التي تضر المؤلف المصري والناشر أكثر مما تضر أحدا آخر.

وبخصوص المنافسة بين دور النشر في البلد الواحدة ومايخلقه ذلك من مناخ لتشجيع القراءة، قال المعلم إن تلك المنافسة مسألة إيجابية للغاية، ولكن المهم أن تقوم كل بلد برعاية هذا المناخ وحماية حريته وكفالة الإبداع، وأن يكون هناك نشاطات لابد من تدخل الحكومة فيها لحماية حقوق الملكية الفكرية، فمثلا هناك جزئية في القانون أن أي كتاب أجنبي إذا مضى 3 سنوات على إصداره، فمن حق الناشر أن يترجمه دون الرجوع للمؤلف، وحينما صدر القانون لم نتمكن من مناقشة وذهبنا لرئيس مجلس الشعب حينها أحمد فتحي سرور لتغيير الأمر وإلى الآن لم يحدث، علما بأننا لانستفيد من ذلك وإنما ناشرون من دول أخرى يدعون طباعتهم لمثل تلك الكتب في مصر.

وأوضح المعلم بعدها أننا بدأنا نتلمس طريقنا للاستعانة بالذكاء الاصطناعي، وأؤمن بأن الذكاء الاصطناعي سيسبب ثورة في عالم النشر وسيكون له دور في التأليف والبحث وغيره، وبخصوص الوسائل الفعلية لحماية الملكية الفكرية، فالبند الأول الهام فيها هو الوعي، أن يعرف الناس بأن الإقدام على هذا التصرف وتشجيعه "جريمة"، وأنها جريمة جماعية منظمة مع سبق الإصرار والترصد، تهدم حياة الناشر والمؤلف، فالأخير قد يقضي عمره كله لكي يؤلف كتاب، ثم يقوم أحدهم بالسطو عليه بسهولة، وكان أحد أهم أهداف اتحاد الناشرين العرب هو حماية حقوق الملكية الفكرية، والآن مطلوب وعي مجتمعي كما قلنا، كما أن الإرادة الحقيقية لحماية الملكية الفكرية بالتشريعات المناسبة وإنفاذ القانون مطلوب للغاية.

• لا يزال الكتاب الجيد الصادر عن مصر مطلوب ومحبوب في كل الوطن العربي

وسرد المعلم واقعة حول تواجده في أحد المرات لزيارة مكتبة الكونجرس، ومكتب حقوق الملكية الفكرية به اقترح لي عمل مؤتمر دولي للدول المصدرة للثقافة وفاجأني بأن مصر تأتي في مراكز متقدمة على دول كألمانيا واليابان والصين، وفسر لي ذلك بأنه يصدرون كتب علمية وتكنولوجية ولكن على مستوى الإنتاج الثقافي فأنتم أقوى وأكثر كما وتأثيركم في كل أفريقيا وآسيا والعالم العربي والإسلامي كبير جدا.

الإيمان بأهمية الثقافة والصناعات الإبداعية مرتبط بالإنسان الذي يجب النظر إليه كالأساس المنوط رعايته بالثقافة والصحة، كجزئين يشجعوا مناخ الإبداع وبرامج التعليم، ومن أكثر الدول تقدما في التعليم سنغافورة واليابان وفنلندا وكوريا الجنوبية، والأخيرة منذ 3 سنوات فقط عقدوا لجنة ثلاثية للتشاور حول خطة مستقبلية استعدادا لتغيير العالم قبل العام 2050 ويبدأوا البحث من الآن لاستباق أية تغييرات مستقبلية في الثقافة والتعليم، وكوريا على وجه الخصوص لديها مدينة متكاملة خاصة بالنشر،وتقوم بالاستيراد والتصدير للكتب بكم رهيب، ودعما مفتوحا للترجمة، وقد امتد تأثيرهم للموسيقى والفرق الغنائية والفنية في العالم.

لازالت لدى مصر إمكانيات كبرى، ولا يزال الكتاب الجيد الصادر عن مصر مطلوب ومحبوب في كل الوطن العربي، وكتابنا الجامعي كان يدرس في العالم العربي لم يعد الأمر كذلك الآن، ولكن الطريق معروف والكوادر والمواهب موجودة حال كان هناك اهتمام صحيح وحقيقي بها، وعلينا الاعتراف بأنه رغم أية صعوبات ذكرناها، إلا أن هناك عددا كبيرا من الشباب يقرؤون أكثر من أي وقت مضى، والشباب المصري جاد في مساعيه لتعميق القراءة ويحتاج إلى تشجيع حقيقي.

وسأل الناشر شريف بكر عضو اتحاد الناشرين الدولي، عن كيفية تبرير عدم وجود حركة شراء بالحجم المماثل لإقبال حوالي 5 ملايين زائر على معرض القاهرة للكتاب، رغم مكانته وأهميته، ليرد إبراهيم المعلم بأن معرض القاهرة للكتاب هو الأكبر والأهم، ولكنه من واقع خبراته حينما كان مسؤولا عن رئاسة لجنة المعارض في اتحاد الناشرين الدولي، فللمعارض تعريفات محددة، فالمعرض يكون مهني يكون هناك أيام لا وجود فيها للجمهور، ثم يتم فتحه للجهور، وطالما أنك أطلقت عليه كلمة "دولي"، يجب أن يضم 4 لغات مختلفة، والأرقام الخاصة بمعرض القاهرة لا تزال ضخمة وكبيرة، وأرقامه مشجعة من حيث عناوين الكتب وعدد الناشرين وبيع التذاكر، ولكن بعض الأرقام تحتاج إلى تدقيق ومراجعة بطبيعة الحال.

وحول كيفية نشر ثقافة الطفل، قال إبراهيم المعلم أن أهم شئ في ثقافة الطفل هو الكتاب المدرسي، فلا يوجد طفل لا يتعرض للكتاب المدرسي في سنواته الأولى، وهناك معارض خاصة بالكتب المدرسية في العالم تتسابق في أن يكون الكتاب عاملا مساعدا على تنمية مخيلة الطفل وتشجيعه على القراءة والتعليم.

وحول تعرض نظام القيم الثقافي المصري لهجمة شرسة من عدمه، ومايتطلبه ذلك من تحركات وتشريعات لمواجهة الأمر، قال المعلم إنه قد تقدم بالكثير من الأطروحات والمقترحات والقوانين، ولكن الأمور والأوضاع على أرض الواقع ليست بهذا السوء أيضا، فهناك إنتاج وإبداع وكتب وأبحاث، ومصر لديها إمكانيات تجعلها قوة ثقافية عظمى، وهذا يتطلب وعي وإرادة حقيقية.

• المعركة بين الكتاب الإلكتروني والورقي "وهمية"

وسأل لسفير عمرو حلمي عضو مجلس الشيوخ عن كيفية مجاراة الأشكال الجديدة من القراءة والتأليف في عصور التطبيقات الخاصة بالذكاء الاصطناعي، ليرد إبراهيم المعلم بان المستقبل هام للغاية بالنسبة للكتاب الإلكتروني وكل مايتعلق بالكتب المسموعة والإصدارات الجديدة منها، خاصة أننا أمام تجارب جديدة لصناع المحتوى، أمثال أحمد الغندور "الدحيح"، حيث تحظى حلقه لديه بـ 18 مليون مشاهدة، فما هو الكتاب الذي سيباع 18 مليون مرة، وهنا نحن أمام واقع نعترف به ونؤمن بالتغييرات فيه، ولكن هناك مخاطر تحيط بالكتب الإلكترونية لمنع قرصنتها وتدقيق محتواها أيضا، وأرى أن المعركة بين الكتاب الإلكتروني والورقي "وهمية" ولا تصح أن تكون موجودة من الأساس.

وقال طارق الخولي عضو مجلس أمناء مؤسسة كيميت وعضو مجلس النواب، إن لديه تساؤلات تتعلق بالجيل الحالي من الكتاب وتبني الشروق لمجموعة من الكتاب أمثال الكاتب أحمد مراد، وكانت تجربة رائعة، وأن بداخله أسئلة حول ما إذا كنا مطمئنين إلى أن الجيل الحالي وهل لديه ذات الموهبة التي توافرت للكتاب السابقين في عصور مضت، معربا عن أمله في أن تقوم باقي دور النشر بدورها في رعاية تلك المواهب للكتاب الجدد، وأن تقدم الدولة الدعم الكافي لدور النشر لكي تضطلع بمهامها على نحو سليم، لأنه لا يجب التفريط في ثقافتنا لأنها القوى الناعمة للدولة المصرية.

وختم مصطفى الفقي المفكر السياسي الكبير، بالقول إن هناك عددا كبيرا من الناشرين باستثناء إبراهيم المعلم الذي يملك مرجعيات أخلاقية ومهنية على درجة عالية جدا، لكن هناك آخرون لا يطلعون كتّابهم على نسب وأرقام بيع الكتب الحقيقية، فنحن نحتاج وسائل لكي يقوم الناشرين بعملهم على أكمل وجه وسط الظروف الاقتصادية الحالية.

وأضاف: نعاني جميعا من تزوير الكتب، وهدم وضياع لحقوق المؤلفين والناشرين، والأمر يحتاج للتدخل التشريعي والمتابعة المستمرة لمكافحة ظواهر التزوير وقرصنة الكتب.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved