كتاب العرش الذهبي يتناول أجواء البلاط العثماني.. السلطة والمؤامرات ودهاليز القصر الذهبي

آخر تحديث: الجمعة 7 مارس 2025 - 6:54 م بتوقيت القاهرة

منى غنيم

تصدّر كتاب «العرش الذهبى» لمؤلفه الصحفى البريطانى كريستوفر دى بيلايج قائمة أفضل الكتب مبيعًا على موقع أمازون فى فئة الكتب الصادرة حديثًا فى مجال التاريخ الإسلامى، خلال الأسبوع الماضى، وهو كتاب ينقل للقارئ مقارنة تاريخية دسمة لما كان يجرى بالبلاط العثمانى فى ظل حكم السلطان سليمان القانونى - أو «سلطان العالم» كما لُقِّب - الذى كان يوقّع باسمه مذيّلا بلقب «السيد العظيم وغازى العالم بأسره»، والبلاط الرومانى المقدس الذى كان لم يزل يحكم الأراضى الممتدة من نهر الدانوب إلى بحر البلطيق على الجانب الأوروبى من حدود الدولة العثمانية عام 1538.

وعبر صفحات الكتاب الجديد الصادر عن دار نشر «بدلى هيد» التابعة لدار نشر «بنجوين»، يأخذ المؤلف القارئ فى رحلة عبر التاريخ ليعرف المدى الواسع الذى بلغه حكم سليمان القانونى؛ فمنذ تولّيه العرش قبل 18 عامًا، فتح بلجراد ورودس وأجزاء واسعة من المجر، كما ضم بغداد وسيطر على عدد لا يُحصى من الموانئ المتوسطية. ولم يقتصر نفوذه على الشرق، بل امتد إلى معظم شمال إفريقيا. صحيح أنه أخفق فى حصار فيينا عام 1529، إلا أن ذلك لم ينتقص من هيبته، وهو جالس على عرشه الذهبى فى إسطنبول يحكم إمبراطورية مترامية الأطراف. وفى كتابه السابق بعنوان «بيت الأسد»، قدّم المؤلف كريستوفر دى بيلايج صورة غنية ومفصّلة عن صعود سليمان إلى الحكم، أما فى «العرش الذهبى»، فيواصل سرد القصة، متتبعًا مساعى السلطان لتثبيت حكمه واستعادة ما فُقد من أراضٍ خاصة فى المجر، بالإضافة إلى انشغاله بمسألة خلافته، كما ورد عبر صحيفة الجارديان البريطانية. ونتعرف من خلال صفحات الكتاب أنه - على عكس الملك هنرى الثامن فى إنجلترا الذى عانى من عدم إنجاب وريث ذكر - لم يكن سليمان يعانى من نقص فى الأبناء، فقد أنجب خمسة من امرأتين مختلفتين، إلا أن نظام الحكم العثمانى كان قاسيًا؛ فبمجرد اختيار ولى العهد – الذى لا يشترط أن يكون الابن الأكبر – كان يتوجّب عليه قتل جميع إخوته لضمان استقرار الحكم. وقد سبقه والده، السلطان سليم الأول، إلى ذلك عندما قتل خمسة من أبناء إخوته كى يضمن انتقال العرش إلى ابنه بسلاسة، وفى ظل هذا التقليد الدموى، لم يكن غريبًا أن تعيش حاشية السلطان فى توتر دائم، خاصة مع تقدّمه فى العمر ودخوله مرحلة مليئة بالمؤامرات والتحديات. ويعد كتاب «العرش الذهبى» عملًا تاريخيًا قائمًا على مصادر موثوقة، لكنه مكتوب بأسلوب سردى روائى يجعل القارئ يعيش الأحداث لحظة بلحظة؛ حيث يعتمد «دى بيلايج» أسلوب الحاضر فى السرد، مما يضفى على القصة طابعًا ديناميكيًا ويجعل الشخصيات أقرب إلى شخصيات روائية تتحرك فى مشهد درامى. كما أن الكاتب نجح فى تبسيط الوقائع السياسية والعسكرية المعقدة فى هذا الزمن؛ فيحوّل المعارك البحرية الطويلة، والمفاوضات الدبلوماسية المتشابكة، والمؤامرات البابوية إلى مشاهد حية مشوقة. ولمزيد من الإحساس بالحيوية، يقسّم الكتاب إلى خمسة «فصول مسرحية»، ويفتتحه بقائمة تضم «شخصيات الدراما»، مما يجعل القارئ يشعر وكأنه أمام مسرحية تاريخية تُعرض أمامه. ومزج أسلوب «دى بيلايج» بين اللغة العصرية والصور البلاغية الأخاذة؛ فعلى سبيل المثال وصف فخير الدين بربروس، القائد البحرى الذى يرهب سواحل البحر المتوسط، بأنه «وحش أشيب جامح»، والملكة إيزابيلا المجرية ليست «الساذجة كما يظنها البعض»، وأحد رجال البلاط الهابسبورجى (أهم العائلات المالكة فى النمسا) يُشار إليه بأنه «ثرثار محترف». كما تبرز فى الكتاب عبارات حكيمة لافتة مثل: «الحرب مثل الطقس»، و«فى الصيف يكون إرهابيًا، وفى الشتاء موظفًا حكوميًا»، و«الترف لا يمنح الأمان، أما المعلومة فتصنعه». ورغم أن السلطان يجلس على عرش من الذهب الخالص فإن هواجس الفناء والموت لا تغيب عن ذهنه؛ فقد كان يحرص على السرية إلى حدّ أنه لم يستخدم سوى الصمّ والبكم ككتّاب خاصين، حتى لا يتمكن أحد من تسريب أسراره. أما رجاله المقربون فمعظمهم من الخصيان، إذ لا يستطيعون تكوين عائلات تنافسه على الحكم، وكانت عمليات الإخصاء تجرى بوحشية، حيث تُربط أعضاء الأطفال الذكور بحبل مضفور وتُنتزع بالقوة. ولم يكن كبار السن بمنأى عن القسوة، إذ كان يُعتقد أن للصفراء (العصارة المرارية) خصائص علاجية، ولذلك عندما اقتحم جنود السلطان إحدى الكنائس فى جزيرة ليبارى الإيطالية، كان أول ما فعلوه هو استخراج مرارات العجائز المختبئين فيها. وقد ظهر مستشار الملك هنرى الثامن، توماس كرومويل، فى الكتاب بلقطة سريعة، إذ يُنقل عنه قوله إن الملك فرانسوا الأول، العدو اللدود للإمبراطور الرومانى المقدس، قد يرحب بجيوش سليمان فى قلب أوروبا إذا كان ذلك سيمنحه ميلانو فى المقابل. وكما كان «كرومويل» رجلًا عصاميًا صنع نفسه بنفسه، فإن البلاط العثمانى أيضًا يعجّ بشخصيات صعدت من القاع إلى القمة، مثل السلطانة روكسلانا، التى جىء بها جارية من بولندا قبل أن تصبح الزوجة المفضلة للسلطان وتحمل لقب «الحاسيكى» أى «الصديقة الخاصة». أو رستم باشا، الصدر الأعظم، الذى بدأ حياته راعيًا للخنازير قبل أن يصبح أحد أقوى رجال الدولة وزوجًا لابنة السلطان، وهناك أيضًا الحاكم الخصى للجزائر، حسن، الذى كان فى الأصل راعيًا فى سردينيا. وينتمى الكتاب الجديد إلى نوع من الكتابة يُعرف بـ«الرواية غير الخيالية»، وهو ليس تاريخًا روائيًا يتم فيه إعادة ترتيب الأحداث أو اختزال الشخصيات لتناسب الحبكة، بل هو عمل يعتمد على المصادر التاريخية بدقة، لكنه يوظّف أساليب السرد الروائى ليجعل الماضى ينبض بالحياة، وبفضل هذا الأسلوب، لا يقتصر الكتاب على نقل الحقائق، بل يغمر القارئ فى أجواء البلاط العثمانى، حيث السلطة والدماء والمؤامرات تتشابك فى مشهد يكاد يُسمع فيه صليل السيوف وهمسات الخيانة فى دهاليز القصر الذهبى.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved