بين شجاعة وتمرد.. ابتهال أبو سعد التي احتجت لتثير ضجة ضد مايكروسوفت

آخر تحديث: الإثنين 7 أبريل 2025 - 6:18 م بتوقيت القاهرة

أسامة زكريا

بين شجاعة وتمرد، في قاعة مزدحمة بالخبراء والمهندسين وصنّاع القرار، انطلق صوت ابتهال أبو سعد، مهندسة الذكاء الاصطناعي المغربية؛ لتوقف خطاب المدير التنفيذي لقطاع الذكاء الاصطناعي في شركة مايكروسوفت، قائلة: "أنتم من تجّار الحرب! اوقفوا استخدام الذكاء الاصطناعي في الإبادة الجماعية!".

لم يكن مجرد احتجاج، بل لحظة فارقة تعكس جرأة ابتهال في مواجهة استخدام التكنولوجيا لأغراض تهدد الإنسانية. لكن، لفهم هذه اللحظة الاستثنائية، علينا أن نرجع قليلا إلى الوراء: من هي ابتهال أبو سعد؟ وكيف وصلت إلى مقاعد مايكروسوفت قبل أن تصعد إلى منصة الاعتراض؟

 

مسار أكاديمي استثنائي: من ثانوية مولاي يوسف إلى هارفارد

لم تكن التكنولوجيا يوما مجرد شغف عابر في حياة ابتهال أبو سعد، بل كانت أشبه بخيط دقيق ينسج طموحاتها منذ أن كانت مراهقة في الرباط. هناك، في العاصمة المغربية، ولدت عام 1999، ودرست في ثانوية مولاي يوسف، التي تُعد من أعرق المدارس العلمية في البلاد، وتخرجت فيها عام 2017 في تخصص العلوم الرياضية.

لكن الانعطافة الأهم جاءت قبل التخرج بعام، حين نُقِلت ابتهال مؤقتًا من صفوف مدرستها إلى معامل التكنولوجيا في الولايات المتحدة، كان ذلك في صيف عام 2016 ضمن برنامج "تيك جيرلز" (TechGirls) الممول من وزارة الخارجية الأمريكية، الذي يهدف إلى تمكين الفتيات بين 15 و17 عاما في مجالات العلوم والهندسة والرياضيات.

خلال تلك الفترة، وثّقت ابتهال تجربتها عبر فيديو قصير نشرته على يوتيوب: "تجربة غيرت حياتي، ومكنتني من اكتساب خبرات عبر زيارة شركات للتكنولوجيا ومختبرات للهندسة في الولايات المتحدة ولقاء بعض رواد التكنولوجيا في العالم، فقد اكتسبت خلالها مهارات أعمل اليوم على توظيفها لتغيير واقع المعرفة التكنولوجية في بيئتي".

لكن الأثر لم يكن تقنيًا فقط، بل ثقافيًا أيضًا: "استفدت من التبادل الثقافي مع فتيات من جنسيات مختلفة. شعرت لأول مرة أن لدي صوت، وأن التكنولوجيا قد تكون وسيلة للتغيير الحقيقي".

بعد عودتها إلى المغرب، لم تنتظر انتهاء دراستها الثانوية لتبدأ خطواتها العملية، حيث أطلقت رفقة زميلات لها منتدى "IT Weekend"؛ لتعليم الفتيات ذوات الدخل المحدود أساسيات البرمجة. ثم شاركت في "تكنوفيشن تشالنج"، وهو برنامج دولي لتدريب الفتيات على استخدام التكنولوجيا في حل مشكلات مجتمعاتهن عبر تطبيقات الهاتف المحمول.

استمر عملها المجتمعي حتى خلال سنوات دراستها الجامعية في هارفارد، التي التحقت بها بمنحة لدراسة علوم الحاسوب، حيث تخصصت في الذكاء الاصطناعي، وشاركت في برنامج لمحو الأمية الرقمية في ولاية بوسطن، وكانت تُعلم الأطفال أساسيات البرمجة.

وفي مشروع أكثر طموحًا، ساهمت في تأسيس منصة "Resintibus"، وهي منظمة غير ربحية لحفظ وتوثيق السجلات الطبية الرقمية للاجئين.

بعد التخرج، حطت ابتهال أخيرا في مايكروسوفت عام 2022، المحطة التي توجت سنوات من التميز. بين أقسام الذكاء الاصطناعي، وجدت ضالتها في تطوير أدوات المراقبة والتحليل البياني عبر "مايكروسوفت أزور"، حيث أتيحت لها فرصة العمل على مشاريع طموحة كانت تحلم بها منذ أيام الثانوية.

الاحتجاج على مايكروسوفت: لحظة المواجهة

وفي احتفال مايكروسوفت بمناسبة مرور 50 عاما على تأسيس الشركة، كانت الأجواء تسير بشكل احتفالي، إذ كان من المقرر أن تعلن مايكروسوفت تحديثات جديدة في مجال الذكاء الاصطناعي. الحضور كان مميزا، والجميع يترقب خطاب المدير التنفيذي لقطاع الذكاء الاصطناعي في الشركة، مصطفى سليمان. لكن ما حدث في تلك اللحظة كان مفاجئًا تمامًا.

في مقطع مصور انتشر سريعا على مواقع التواصل الاجتماعي، اقتربت ابتهال أبو سعد من منصة الاحتفال وقالت بصوت مرتفع أمام الحضور: "عار عليك"، في إشارة إلى سليمان. ثم تابعت: "تزعم أنك تستخدم الذكاء الاصطناعي من أجل الخير، لكن مايكروسوفت تبيع أسلحة ذكاء اصطناعي للجيش الإسرائيلي. 50 ألف إنسان قُتلوا، ومايكروسوفت تساهم في الإبادة الجماعية في منطقتنا".

حاولت إحدى المنظمات إخراجها من الفعالية، لكنها واصلت اعتراضها، ليردّ سليمان على احتجاجها قائلاً: "شكراً لك على احتجاجك، لقد سمعتك"، لكن أبو سعد استطردت: "أنت وكلّ مايكروسوفت أيديكم ملطخة بالدماء". وفي خطوة رمزية، ألقت الكوفية الفلسطينية على المسرح، لتُعبّر عن دعمها للشعب الفلسطيني، قبل أن يتم إخراجها من الفعالية.

لم أعد قادرة على الصمت: صرخة من داخل مايكروسوفت

لم تكتفِ ابتهال أبو سعد باحتجاجها العلني، ففي صباح اليوم التالي كشفت في رسالة إلكترونية حصل عليها موقع "ذا فيرج" عن الأسباب التي دفعتها إلى الحديث علنًا: "لم أعد قادرة على الصمت بعدما اكتشفت أن تقنيات مايكروسوفت تُستخدم في دعم جيش الاحتلال الإسرائيلي"، هكذا بدأت رسالتها.

وأضافت أنها فوجئت بعقد أبرمته الشركة مع وزارة الدفاع الإسرائيلية بقيمة 133 مليون دولار، نقلا عن تحقيق لوكالة "أسوشييتد برس"، لتخزين بيانات ضخمة عبر خدمة "مايكروسوفت أزور". بالنسبة لها، لم يكن ذلك مجرد تعاون تقني، بل "مساهمة مباشرة في مراقبة الفلسطينيين".

أبو سعد اتهمت مايكروسوفت أيضًا بقمع الأصوات المعارضة داخلها، مشيرة إلى فصل موظفَين بسبب تنظيمهم وقفة احتجاجية حول نفس القضية: "لقد حطّمتني صور الأطفال الأبرياء المغطاة بالرماد والدماء، وبكاء الآباء المفجوعين، وتدمير عائلات وتجمعات بأكملها. وفي الوقت نفسه، يُمكّن عملنا في الذكاء الاصطناعي من هذه المراقبة والقتل".

وتابعت أنها حين انضمت إلى قسم الذكاء الاصطناعي في مايكروسوفت، كانت متحمسة لتطوير التكنولوجيا من أجل الخير، لكن الواقع فاجأها: "لم أُبَلّغ بأن مايكروسوفت ستبيع أعمالي للجيش والحكومة الإسرائيليين؛ للتجسس على الصحفيين والأطباء وعمال الإغاثة، وقتل عائلات مدنية بأكملها. لو كنتُ أعلم أن عملي سيساعد في التجسس على المكالمات الهاتفية ونسخها لاستهداف الفلسطينيين، لما انضممتُ إلى هذه المنظمة وساهمتُ في الإبادة الجماعية".

في نهاية رسالتها، سلطت الضوء على تصاعد استخدام هذه التقنيات، مشيرة إلى أن جيش الاحتلال زاد اعتماده على أدوات الذكاء الاصطناعي من مايكروسوفت و"أوبن إيه آي" بـ200 ضعف خلال مارس 2025 مقارنة بما قبل السابع من أكتوبر 2023، مؤكدة أن هذه الأدوات "تشغّل أكثر المشاريع حساسية وسرية لدى الجيش، بما في ذلك بنك الأهداف وسجل السكان الفلسطيني".

واختتمت بأسئلة وجهتها لموظفي الشركة: "بغض النظر عن مواقفكم السياسية، هل هذا هو الإرث الذي نريد أن نتركه وراءنا؟ هل العمل على أسلحة الذكاء الاصطناعي الفتاكة أمرٌ يمكنكم إخبار أطفالكم عنه؟ هل نريد أن نكون على الجانب الخطأ من التاريخ؟".

تعطيل حسابات ابتهال أبو سعد: هل هو بداية لفصلها من مايكروسوفت؟

رغم أن شركة مايكروسوفت لم تُصدر حتى الآن بيانًا رسميًا حول الواقعة، إلا أن ابتهال أبو سعد صرحت لوكالة "أسوشيتد برس" بأنها لم تتلق أي تواصل من إدارة الشركة منذ الواقعة.

ومع ذلك، أكدت أنها وزميلتها "فانيا أجروال"، التي شاركتها الاحتجاج، فقدا الوصول إلى حساباتهما الوظيفية، ولم يتمكنا من تسجيل الدخول مجددًا. هذا الأمر يثير التكهنات حول احتمال اتخاذ الشركة خطوات غير معلنة قد تؤدي إلى فصلهما أو تجميد وضعهما الوظيفي.

حماس تثمّن شجاعة أبو سعد

خرجت حركة حماس، في بيان أصدرته تضامنًا معها، لتثمن موقف أبو سعد الذي وصفته بـ"الشجاع"، واعتبرت أنه "يُمثّل نموذجًا للأصالة الإنسانية والمبدأ الأخلاقي الذي يرفض المشاركة في الجرائم التي ترتكب بحق الفلسطينيين".

وقالت الحركة إن تصرف أبو سعد كان "بطوليًا"، وأنها كشفت "تواطؤ كبرى شركات التكنولوجيا مع آلة الحرب الإسرائيلية". ودعت أيضًا جميع العاملين في الشركات الداعمة للاحتلال إلى اتباع مثال أبو سعد في رفض هذه الشركات.

حماس لم تكتفِ بالتعبير عن دعمها للموقف فقط، بل دعت الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية إلى اتخاذ خطوات جادة لمحاسبة هذه الشركات على مشاركتها في الانتهاكات ضد الشعب الفلسطيني.

ردود فعل مؤيدة لموقف أبو سعد

انتشر فيديو احتجاج ابتهال أبو سعد على منصات التواصل الاجتماعي بسرعة كبيرة، ليحظى بتفاعل غير مسبوق من المستخدمين، في وقت شهد استئناف إسرائيل عدوانها على قطاع غزة.

وعلى صعيد الدعم الفلسطيني المؤسسي، لاقى احتجاج أبو سعد دعمًا من حساب "صدى سوشال" المتخصص في حماية المحتوى الفلسطيني عبر منصات التواصل الاجتماعي. حيث أكد في تغريدة على "إكس" أن "موقف أبو سعد يُسلّط الضوء على شراكة شركات التكنولوجيا الكبرى - وعلى رأسها مايكروسوفت وجوجل وأمازون- في توفير أدوات وتقنيات تُستخدم في العدوان المستمر على غزة، وهو ما قد يرقى إلى مستوى التواطؤ في ارتكاب جرائم حرب".

وامتد الحديث عن هذه الواقعة إلى شبكة "لينكد إن"، المنصة المخصصة بشكل خاص للأعمال والتوظيف. ففي الساعات التي تلت الواقعة، لاحظ المستخدمون اختفاء حساب ابتهال أبو سعد فجأة من على المنصة، مما أثار تساؤلات حول المسئول عن هذا الإجراء، حيث طالب العديد منهم، شركة "لينكد إن" المملوكة بالكامل لمايكروسوفت منذ 2016، بالتحلي بالشفافية وتوضيح أسباب حذف الحساب.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved