تأسيس الصحف بالإخطار: إلزام دستورى «معطل» فى انتظار قانون الإعلام الجديد

آخر تحديث: الأربعاء 7 يونيو 2017 - 9:59 م بتوقيت القاهرة

كتب ــ محمد بصل:

- المشروع يملأ الفراغ التشريعى بتنظيم بيانات الإخطار.. ومراجعة شروط الإصدار على ضوء حكم «الدستورية» الأخير

- حق إصدار وتملك الصحف أصبح لجميع المصريين دون تمييز على عكس القانون 96 القائم
ثارت تساؤلات خلال الأيام الماضية فى الأوساط الصحفية والإعلامية عن آثار الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا، السبت الماضى، بعدم دستورية اشتراط تأسيس تعاونيات أو شركات مساهمة لإصدار الصحف الخاصة، على النحو المنصوص عليه فى الفقرة الثانية من المادة 52 من قانون الصحافة 96 لسنة 1996، وتأكيده على الاكتفاء بالإخطار لتأسيس الصحف، لا سيما وأن الحكم صدر بالتزامن مع مناقشة نقابة الصحفيين لمشروع قانون تنظيم الصحافة والإعلام الذى أعدته الحكومة العام الماضى.

وتنص الفقرة التى أبطلتها المحكمة الدستورية على أنه «يشترط فى الصحف التى تصدرها الأشخاص الاعتبارية الخاصة فيما عدا الأحزاب السياسية والنقابات والاتحادات أن تتخذ شكل تعاونيات أو شركات مساهمة على أن تكون الأسهم جميعها فى الحالتين اسمية ومملوكة للمصريين وحدهم...».

واستندت المحكمة فى إبطالها لهذا الشرط إلى المادة 70 من الدستور التى تمنح الدستور المصريين من الأشخاص الطبيعيين أو الأشخاص الاعتبارية العامة أو الخاصة الحق فى ملكية وإصدار الصحف، وتجعل إصدار الصحف يتم بمجرد الإخطار، مما يؤكد احتياج المجال الصحفى الآن إلى قانون ينظم مسألة تلقى الإخطارات، بعدما أصبح نظام تأسيس الشركات المساهمة والتقدم للمجلس الأعلى للصحافة لترخيص الصحف منها جزءا من الماضى.

واللافت أن قانون التنظيم المؤسسى للصحافة والإعلام رقم 92 لسنة 2016 الصادر فى 24 ديسمبر الماضى ذكر فى البند 2 من المادة الرابعة أن من اختصاصات المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام (الذى يترأسه حاليا الكاتب الصحفى مكرم محمد أحمد) تلقى الإخطارات بإنشاء الصحف.
(حلقة مفقودة)

لم ينظم القانون الصادر حديثا تقديم الإخطارات، كما لم يلغ صراحة المواد المخالفة للدستور الحالى فى قانون الصحافة، بل تركها كما هى، ومنها المادة التى قضت المحكمة الدستورية ببطلانها، وبعض المواد المرتبطة بها، كالمادة 53 التى تخول المجلس الأعلى للصحافة إعداد نماذج عقود تأسيس الصحف والمجلات التى تأخذ شكل الشركات المساهمة أو التعاونيات أو شركات التوصية بالأسهم.

وبمطالعة حيثيات حكم المحكمة الدستورية الصادر فى 3 ديسمبر الماضى بتأييد إجراءات الإخطار المنصوص عليها فى المادة 8 من قانون التظاهر؛ يتبين وجود فراغ تشريعى فيما يتعلق بإجراءات إخطار تأسيس الصحف، على الرغم من تحديد الجهة التى ستتسلم الإخطارات.

فالمادتان 70 و73 تكفلان تأسيس الصحف وممارسة حق التظاهر بإخطار «على النحو الذى ينظمه القانون» وبناء على ذلك؛ ذكرت المحكمة الدستورية فى حكمها بشأن قانون التظاهر أن «الإخطار كوسيلة من وسائل ممارسة الحق، هو إنباء أو إعلام جهة الإدارة بعزم المخطر ممارسة الحق المخطر به، دون أن يتوقف هذا على موافقة جهة الإدارة أو عدم ممانعتها، وكل ما لها فى تلك الحالة أن تستوثق من توافر البيانات المتطلبة قانونا فى الإخطار، وأن تقديمه تم فى الموعد وللجهة المحددين فى القانون، فإذا اكتملت للإخطار متطلباته واستوفى شرائطه قانونا، نشأ للمخطر الحق فى ممارسة حقه على النحو الوارد فى الإخطار».

ويعنى ذلك أن القانون المنظم للإخطار يجب أن يحدد متطلباته وشروطه، كبياناته ومواعيده فضلا عن الجهة التى تتلقاه.

وأضافت المحكمة فى موضع آخر من الحكم أن «الدستور خول المشرع تنظيم الإخطار بممارسة حق تنظيم الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهر وجميع أشكال الاحتجاجات، وذلك فى إطار سلطته فى هذا التنظيم بما يقدر أنه الأنسب لتحقيق مصلحة الجماعة».

وبتطبيق هذه الحيثيات على مسألة إنشاء الصحف الآن؛ يتبين أن المشرع لم ينظم حتى الآن إجراءات الإخطار بشأنها، إلا تسمية الجهة التى تتلقى الإخطارات.

ويدعم هذه الرؤية ما جاء فى مضابط مناقشات لجنة الخمسين لدى مناقشة هذا النص الدستورى بجلسة 31 أكتوبر 2013؛ حيث شرح نقيب الصحفيين السابق ضياء رشوان النص قائلا: «الفقرة الثانية من المادة 70 تنظيمية، تبدأ بـ«تصدر الصحف» وهنا يقصد بها الصحف المطبوعة «بمجرد الإخطار على النحو الذى ينظمه القانون»، وقد يرى البعض لماذا ينظمه القانون؟ لأن الحق فى الإصدار بمجرد الإخطار قائم، لكن هناك تنظيمات أخرى وهى الشركة وحقوق العاملين وكل ما يتعلق بإنشاء صحيفة لابد أن يكون وفقا للقانون».

(المشروع الجديد يعالج الثغرة)

يأتى المشروع الجديد لقانون تنظيم الصحافة والإعلام ــ الذى تناقشه نقابة الصحفيين حاليا ــ ليسد الفراغ التشريعى الحالى، فينظم بابه الثانى إجراءات تأسيس الصحف بالإخطار والبيانات المطلوبة لذلك، فالمادة 40 تلزم من يرغب فى إصدار صحيفة أن يخطر المجلس الأعلى بكتاب يشمل اسم الصحيفة ومالكها ولقبه وجنسيته ومحل إقامته واللغة التى تنشر بها الصحيفة ونوع محتواها وسياستها التحريرية ونوع نشاطها وهيكلها التحريرى والإدارى وبيان موازنتها وعنوانها واسم رئيس تحريرها وعنوان المطبعة التى تطبع بها.
وتلزم المادة 41 المجلس الأعلى بإعلان مقدم الإخطار خلال 15 يوما من وروده باكتمال بياناته أو استيفاء الناقص منها، على أن تتم موافاة المجلس الأعلى بالبيانات المطلوبة خلال 30 يوما وإلا كان الإخطار كأن لم يكن، على أن يحظر إصدار الصحيفة قبل استيفاء البيانات، أما المادة 43 فتلزم بإصدار الصحيفة خلال الشهور الثلاثة التالية للإخطار.

إلا أن حكم «الدستورية» الأخير يلقى بظلال من الشبهات حول النص المقترح للمادة 34 الخاصة بشكل الصحف التى تصدرها الأشخاص الاعتبارية الخاصة، فالنص يشترط أن «تتخذ هذه الصحف شكل شركة لا يقل رأس مالها المدفوع عن 3 ملايين جنيه إذا كانت الصحيفة يومية ومليون جنيه إذا كانت أسبوعية و500 ألف جنيه إذا كانت شهرية أو إقليمية أو يومية، و200 ألف جنيه إذا كانت إقليمية أسبوعية، و100 ألف جنيه إذا كانت إقليمية شهرية».

بينما قالت المحكمة نصا إن «اشتراط أن تتخذ الصحف التى تصدرها الأشخاص الاعتبارية الخاصة على النحو المبين فى القانون 96 لسنة 1996 شكل التعاونيات أو شركات المساهمة، يعد فى حقيقته قيدا على إصدارها، ويجاوز حدود سلطة المشرع فى تنظيم الإصدار بمجرد الإخطار».

ولذلك؛ قال مصدر حكومى لـ«الشروق» إنه من الوارد إدخال تعديل على هذا النص بعد الاطلاع على الحيثيات الكاملة للحكم توخيا لحدود سلطة تنظيم الإخطار، وحتى لا يتعرض التنظيم الجديد لهزة دستورية فور تدشينه، لا سيما وأن المادة 35 الخاصة بالصحف التى يصدرها المواطنون العاديون لا تشترط أن تتخذ شكل شركات برأس مال محدد، بل تشترط فقط إيداع مبالغ مالية فى أحد البنوك العاملة فى مصر للإنفاق على أعمالها وسداد حقوق العاملين فيها حال توقفها عن الصدور، وهو شرط يتبناه المشروع بالنسبة لجميع أنواع الصحف ضمانا لجديتها واستقرار أوضاعها.

(بين عهدى الترخيص والإخطار)

أفرد تقرير هيئة مفوضى المحكمة الدستورية فى القضية والذى أعده المستشار د.عماد البشرى برئاسة المستشار د.طارق شبل دراسة لماهية الإخطار وتوضيح السمات التى تميزه عن أسلوب الترخيص الذى كانت تنشأ به الصحف فى ظل دستور 1971 وحتى الآن.

فالترخيص باختصار هو استئذان الإدارة بممارسة النشاط ويتوقف بشكل كامل على إرادة جهة الإدارة المانحة، أما الإخطار فهو «مجموعة من البيانات يقدمها الشخص الراغب فى ممارسة نشاط معين لجهة الإدارة المختصة بهدف تنبيهها لعزمه على ممارسة هذا النشاط المذكور وليس طلبا ولا التماسا بممارسة هذا النشاط» أى إن الإرادة فيه هى إرادة الفرد بالكلية، إن شاء مارس النشاط وإن شاء انقطع عنه، ولا يعدو الإخطار أن يكون أداة إدارية لمتابعة الشأن التنظيمى لهذا النشاط، وذلك لأن إباحة ممارسة هذه الحرية نابعة من الوثيقة الدستورية ذاتها.

وأوضح التقرير أن الإخطار يفترض ابتداء أن يتقدم به من هو أهل قانونا لممارسة هذه الحرية، وقد ذكرت الفقرة الأولى من المادة 70 من الدستور أن الجميع مؤهلون لتملك وإصدار الصحف من أشخاص طبيعية واعتبارية عامة وخاصة، دون تمييز بينهم أو مفارقة حكمية، وبدون اشتراطات خاصة بالشكل القانونى لمؤسسة الصحيفة أو مصدرها.

وألقى التقرير الضوء على التناقض بين قانون الصحافة القائم والصادر فى ظل دستور 1971 الملغى وبين فلسفة الدستور الحالى بشأن الأشخاص الذين من حقهم ملكية الصحف.

فذكر أن المادة 45 من القانون شأنها شأن المادة 200 من دستور 71 تباعد بين الأشخاص الاعتبارية العامة والخاصة وبين الأشخاص الطبيعية (المواطنين العاديين) وخصت الأشخاص الاعتبارية العامة والخاصة وحدهم بإمكانية إصدار الصحف، وحرمت المواطنين منها إطلاقا، ثم جاءت المادة 52 لتميز بين الأشخاص الاعتبارية ذاتها، فأفردت وضعا خاصا للأحزاب والنقابات والاتحادات، واشترطت على باقى الأشخاص الاعتبارية إنشاء شركات مساهمة أو تعاونيات.

وأضاف أن «الدستور الحالى يختص ــ ابتداء ــ الإنسان الذى هو الكيان الاجتماعى الأول داخل منظومة الاجتماع البشرى، بحق التعبير عن رأيه قولا وكتابة وتصويرا أو بغير ذلك، ثم عمم الحكم على جميع وسائل التعبير الأخرى، ثم نظم حرية الصحافة بحسبانها من أهم أدوات حق التعبير عن الرأى، كافلا لجميع المصريين ممارسة حرية تملك وإصدار الصحف».

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved