«طرة»: 5 ساعات من أجل زيارة 10 دقائق
آخر تحديث: الإثنين 7 أكتوبر 2013 - 11:55 م بتوقيت القاهرة
بوابة الشروق - محمد أبو الغيط
رافقت "بوابة الشروق" أهالي المساجين الجنائيين والسياسيين في طرة، خلال زيارة استثنائية بمناسبة ذكرى نصر أكتوبر، حيث سمحت وزارة الداخلية بها لأهالي المساجين، رصدنا شكواهم، وما يتمنونه لتحسين ظروف الزيارة.
حين قرر مصطفى باشا النحاس، وزير للداخلية عام 1928، أن يبني سجن مزرعة طرة، لم يكن يعرف أنه يوقع قرار إنشاء أشهر وأكبر السجون المصرية والذي سيرتبط اسمه عند المصريين بـ«أعتى» الجنائيين، وكذلك رموز النظامين السياسيين السابقين.
عبر السنوات توسع مجمع سجون طرة، وشمل 4 سجون بالإضافة للمزرعة، هي استقبال طرة، وليمان طرة، ومحكوم طرة، وسجن طرة شديد الحراسة المعروف باسم العقرب.
على بوابة السجن
"أمال يقرفونا إزاي؟" نطقت السيدة أم أحمد بهذا السؤال الاستنكاري، ردًا على تساؤل ابنتها عن سبب تخصيص بوابة واحدة فقط، واثنتين من سيدات الشرطة فقط للتفتيش، مما عطل طابوراً طويلاً من مئات السيدات الواقفات على باب سجن طرة.
طابور الرجال يضم العشرات فقط ويدخل بسرعة، بينما يتعطل طابور السيدات من زوجات وأمهات المحكومين، أغلبهن يرتدين السواد، ويحملن على رؤوسهن أو في أيديهن أحمالاً ثقيلة من الأطعمة والملابس لذويهم.
زوج "أم أحمد" طبيب ينتمي للإخوان المسلمين، وقد تم اعتقاله من منزله منذ أسبوع واحد، ووجهت له النيابة اتهامات التحريض على العنف في مظاهرات نظمتها الجماعة، لذلك هذه هي المرة الأولى التي تجرب فيها دخول سجن طرة.
انتظرت في الطابور أكثر من ساعة، حتى تمكنت من الدخول بعد تفتيشها مع ابنتها، لاحظت أن الشرطية أسرعت بالتفتيش، بينما أبطأته مع سيدات أخريات يبدو عليهن انخفاض المستوى الاجتماعي.
"لسه من شوية لاقيين صباعين حشيش جوا لبس واحدة داخلة لجوزها"، تقول الشرطية لأم أحمد.
وفي عربة المترو
بعد تجاوز البوابة الرئيسية لطرة، يدخل الزوار حجرة ضيقة بها "دكك"، حيث ينتظرون قدوم "الطفطف" الذي سيحملهم إلى مباني السجون، والتي تبعد مسافة كبيرة. "الطفطف" عبارة عن جرار يجر خلفه عربتان أشبه بعربات مترو مفتوحة.
وصل «الطفطف» بعد نصف ساعة من الانتظار، وفورًا هجم عليه الأهالي وسط تدافع وزحام وشجار بين بعض السيدات، وانتهى الأمر به مكدسًا بالزوار وبقى كثيرون دون أن يستقلوه.
مرة أخرى، تتساءل أم أحمد "ليه مافيش أتوبيسات تنقلنا، أو حتى يزودوا عربيات الطفطف؟"، فترد عليها سيدة تجاورها "احمدي ربنا، ده كده الزيارة رايقة".
مر أحد الموظفين وقطع لكل راكب بـ«الطفطف» تذكرة بجنيه قبل أن يتحرك، مما استغرق فترة طويلة أخرى.
أخيراً تحرك "الطفطف" ليمر أولاً بسجن الاستقبال فينزل بعض ركابه حاملين أمتعتهم، وبعدها سجن المزرعة، ثم سجن طرة شديد الحراس، المعروف باسم العقرب، حيث نزلت أم أحمد.
تعرفت على عدد من أهالي معتقلي الإخوان الآخرين، أشهرهم كان البنات الثلاث لخيرت الشاطر، وأسرة القيادي محسن راضي.
حسب تقرير أصدرته جبهة الدفاع عن متظاهري مصر، والتي تمثل تجمعاً لمنظمات حقوقية تخصصت في تنظيم تطوع محامين للدفاع عن المعتقلين، فقد تم القبض على 3059 شخصاً منذ فض اعتصامي رابعة والنهضة في 14 أغسطس، تم إخلاء سبيل 685 منهم. باقي المسجونين يبلغ عددهم 2373 مسجوناً، موزعين على سجون طرة وأبو زعبل ووادي النطرون.
على الرصيف تحت الشمس
تزاحم الأهالي على شرطي واحد يقوم بتسجيل أسماء القادمين، ويشترط دخول أربعة أشخاص فقط من درجة القرابة الأولى لكل مسجون. أخبر الضابط أم أحمد أنها لن يمكنها زيارة زوجها لأن القانون لا يسمح بالزيارة إلا بعد مرور 11 يوما، لكن مرور مأمور السجن بالصدفة دفعها لتطلب منه، فوافق قائلاً للضابط "دخلها ضمن الاستثناء".
إنه الانتظار مرة أخرى، وهذه المرة لساعتين كاملتين، حيث إن دخول العائلات لمعتقليها بطيء للغاية، فتدخل 12 عائلة في كل دفعة وينتظر الباقون.
بعض العائلات جلسوا على «كراسي» فوقها مظلة، وبعضهم على الرصيف تحت الشمس.
تجلس أم أحمد على الرصيف، وتتعرف على من بجوارها، "جوزي اتزنق في فلوس وسرق، وأهو بياخد عقابه" تقول أم سيد، "إيه ذنبنا إحنا نتعاقب معاه ونتبهدل البهدلة دي كل مرة، وياما دفعنا فلوس للعساكر عشان يساعدونا نخلص".
لا يوجد إعلان رسمي من وزارة الداخلية بعدد المسجونين في مصر، لكن حسب تقرير أصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عام 2007 فإن عدد المساجين في مصر هو 61845 مسجونا، وهو ما يقارب تقدير مؤسسة «ماعت» للتنمية وحقوق الإنسان في تقريرها المشترك مع مؤسسة دروسيس السويسرية الصادر في يونيو 2012، حيث قدرت المسجونين في مصر بحوالي 50 – 70 ألف مسجون. أشار التقرير إلى أنه بإضافة عدد من أنهوا فترة عقوبتهم وخرجوا، ومن تم احتجازهم على ذمة التحقيق، فإن عدد من مروا بتجربة السجن في مصر يصل إلى 180 ألف شخص.
أوضح التقرير أن 28% من السجناء عليهم أحكام تتعلق بعدم الوفاء بالتزامات مادية، و28,8% منهم عليهم أحكام مخدرات ما بين اتجار وتعاطي 4,7% اعتقال سياسي12,7% مقاومة سلطات وبلطجة وشروع في قتل 4,5% تزوير ونصب وسرقة 9,5% قتل 5% حيازة سلاح 6% تهم أخرى.
العودة مشيا على الأقدام
"يا فرج الله"، تقولها أم أحمد حين تسمع اسم زوجها أخيراً، فتدخل بسرعة، بعد أن تسلم بطاقتها للضابط حامل الكشف. باب السجن ينفتح إلى طرقة ضيقة بها باب إلكتروني آخر، ويتم المرور بدورة أخرى من التفتيش الذي يشمل هذه المرة تفتيش الأطعمة والملابس.
تنتهي الطرقة بحجرة ضيقة، بها منضدتان طويلتان بجوارهما دكك، يجلس الأهالي عليها ثم لا يجد بعضهم مكاناً فيجلسون على حصير على الأرض.
بعد قليل يأتي المسجونون من باب آخر، ويستقبلهم أهلهم بالدموع والأحضان، والاطمئنان على الحال. لم تكد تمضي 10 دقائق حتى أتى الضباط ليعلنوا نهاية الوقت المسموح.
"يعني استنينا 4 ساعات، عشان نشوف الراجل 10 دقايق؟ يرضي مين ده؟" تتساءل أم أحمد، دون أن تعرف أن أمامها المزيد من الانتظار.
خارج السجن ينتظر الأهالي "الطفطف" لكنه لا يأتي، وبعد مرور نصف ساعة يفضل بعضهم الذهاب إلى البوابة الخارجية مشيًا على الأقدام، بينما حاول آخرون أن يركبوا سيارة مخصصة لنقل الأمن المركزي، لكن العساكر منعوهم.
"ده العادي هنا، وأنا ركبت عربية الأمن المركزي دي قبل كده"، تقول أم سيد.
أخيراً أتى "الطفطف" بعد نصف ساعة أخرى، لتختتم أم أحمد زيارتها بإلقاء نظرة مودعة على باب السجن الرئيسي قائلة، "ربنا ما يعيد البهدلة دي على حد يا رب".