عام من الحرب على غزة.. صحفيون تحت الإبادة

آخر تحديث: الإثنين 7 أكتوبر 2024 - 7:08 م بتوقيت القاهرة

عامٌ مرٌ مرَّ، وما زال قطاع غزة تحت وطأة آلة الحرب والقتل والتجويع والنزوح، دأب خلاله الاحتلال الإسرائيلي جاهداً لإسكات الصوت الفلسطيني وإبادة الرواية الفلسطينية، عبر اغتيال الصحفيين أو عائلاتهم أو كليهما معا، واستهداف مقراتهم الصحفية، ومنع وسائل الإعلام الأجنبية من الدخول للقطاع.

وعلى مدار عام كامل من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، قتلت إسرائيل وفق نقابة الصحفيين الفلسطينيين 167 صحفيا وعاملا في قطاع الإعلام، معظمهم في استهدافات مباشرة، في إحصائية تفوق عدد الصحفيين الذين قتلوا في الحروب العالمية خلال العصر الحديث.

وتشير نقابة الصحفيين إلى أنه منذ السابع من أكتوبر 2023، نفذ الاحتلال الإسرائيلي أكبر حملة اغتيالات ضد الصحفيين عبر تاريخ الصحافة في العالم، كما دمرت صواريخه مقرات المؤسسات الصحفية، وأصبح غالبية الصحفيين الفلسطينيين في القطاع نازحين من بيوتهم بعدما دمرها الاحتلال وقتل المئات من عائلاتهم.

وأفاد تقرير الحريات الخاص باعتداءات الاحتلال والصادر عن نقابة الصحفيين الفلسطينيين، إلى أنه من أكتوبر 2023 إلى أكتوبر 2024، سجلت 1600 جريمة واعتداء بحق الصحفيين الفلسطينيين، فيما اعتقل الاحتلال 124 صحفيا وصحفية، واستشهد 514 من عائلات الصحفيين.

وطوال الحرب على قطاع غزة، كان الصحفيون الفلسطينيون عيون وآذان العالم لما يجري في القطاع بعدما منع الاحتلال الإسرائيلي وسائل الإعلام الأجنبية من الدخول للقطاع بشكل كامل، عملوا خلالها على تقديم شهادات حول جرائم حرب ارتكبت بحق المدنيين وتفاصيل مجاعة حلت بشمال القطاع.

التغطية الصحفية وسط المجاعة

ولعل تجربة الصحفي عبد الهادي عوكل، مراسل صحيفة الحياة الجديدة وصوت فلسطين في شمال قطاع غزة، والذي بقي بشمال القطاع طوال الحرب، تلخص جانبا من أبشع الجرائم بحق الصحفيين خلال الحرب.

ويقول عوكل لمراسل "وفا"، إن ظروف التغطية الصحفية خلال الحرب كانت كارثية؛ كون إطلاق النار غير مسبوق، خاصة مع الأحزمة النارية التي أسقطت أبراج سكنية.

ويؤكد أنه كان واضحا أن الاحتلال يضع الصحفيين هدفا إلى جانب الإبادة التي يرتكبها، تجاه الغزيين العُزل والقطاع الصحي والتعليم وكل القطاعات الحيوية؛ التي يفترض أنها محمية بموجب القانون الدولي واتفاقيات جنيف.

"التغطية الصحفية كانت قاسية والكل حياته مهددة، كثير من الزملاء الصحفيين في إطار التغطية نجوا من الموت إلى جانب أكثر من 160 صحفيا ارتقوا خلال استهدافهم في الميدان أو في منازلهم" يتابع عوكل.

ويضيف أن هناك صحفيين ناجين من الاستهداف، وهو واحد منهم حيث تعرض منزله لقصف بصاروخ برميل يزن طن ضمن حزام ناري في المنطقة، وكثير من الزملاء تعرضوا لظروف مشابهة.

وتابع: عندما تمت عملية النزوح في بداية الحرب خلال الشهر الأول كانت التغطية الصحفية شاملة من بداية الحرب حتى نزوح أغلب المواطنين من شمال قطاع غزة، بما فيها الكوادر الصحفية والطبية بمجمع الشفاء الطبي؛ الذي كان مركزا رئيسيا لتواجد الصحفيين في محافظة غزة، غالبيتهم اضطروا للنزوح جنوب القطاع.

ويضيف: ما تبقى في الشمال عدد قليل من الصحفيين، وظهر صحفيون جدد في الميدان أثبتوا وجودهم ونقلوا الحقيقة، وكنت المراسل الوحيد لصوت فلسطين شمال قطاع غزة وننقل صورة الواقع الذي يعيشه الشمال في بدايات الحرب لثلاثة أشهر متتالية عانى فيها الشمال من ظروف قاسية من حرب ومجاعة ونزوح.

ويؤكد عوكل أن أخطر الظروف التي يتعرض لها الصحفي، الاستهداف المباشر من الطيران أو المدفعية، أو قصف الأهل والصحفيين أنفسهم بمنازلهم، كما حدث مع الصحفي عصام اللولو وعائلة الصحفيين أنس الشريف ومؤمن الشرافي واستشهاد عدد من أفراد أسرهم.

وطوال الحرب على القطاع، بقي الصراع النفسي والضغط مرافقا الصحفيين خلال تغطياتهم وفق عوكل، بين الخشية على مصير عائلاتهم وتوفير لقمة العيش وسط المجاعة في الشمال، ونقل الحقيقة والرواية الفلسطينية.

ويوضح أن عائلته مكونة من 7 أطفال أكبرهم 14 عاما، وكان الواقع مريرا ما بين العمل وتوفير لقمة العيش بصعوبة بالغة جدا لهم: "كنت أخرج إلى العمل للهروب من واقع البيت، كان أطفالي يطلبون الطعام وأنا غير قادر على توفيره، كنت أخرج وذهني مع الأهل في البيت".

ويتابع: كان المتوفر من طعام قليل في البيت، ونحاول تناول وجبة طعام واحدة في اليوم، وكنت أتقطع ألما عندما اسمع طفلتي (عامين) تستيقظ في الثانية فجرا من نومها وتوقظ أمها وتطلب الخبز، فأشعر بخناجر تغرس في قلبي من شدة الألم كوني غير قادر على توفير أبسط مقومات الحياة لها وهو الخبز، أبنائي كلهم عانوا وأوزاننا انخفضت بشكل كبير جدا وأبنائي جميعهم أصيبوا بمرض اليرقان الناتج عن سوء التغذية.

ويضيف: الذهن كان منشغل بين العمل والأسرة التي هي أساس كل شيء، كثير من التغطيات الصحفية توقفت عنها وأنا ابحث عن الطحين هنا أو هناك، واقطع مسافات بعيدة وانتظر ساعات طويلة للحصول على رطل من دقيق الذرة أو القمح، أمضي من الرابعة فجرا حتى الثانية ظهرا لاشتري رطلا من الدقيق لأطفالي وكان هذا يأخذ جل وقتي.

ويؤكد عوكل أنه اضطر للنزوح عن منزله عدة مرات لأماكن عدة بعد قصف المنزل الذي يسكنه مع عائلته، ونجوا من الموت أكثر من مرة خلال عام من الحرب.

وبشكل لافت، يتم استهداف الصحفيين أكثر من أي قطاع آخر من المجتمع الفلسطيني في غزة، حيث بلغت نسبة الشهداء بـ12% من الصحفيين الفلسطينيين العاملين في قطاع غزة.

نزوح متكرر..

ويتحدث مراسل وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية "وفا" في قطاع غزة سامي أبو سالم، عن ظروف التغطية الصحفية بأن الصحفيين معرضون بأي لحظة للموت أو الإعاقة أو فقدان أحد أفراد العائلة.

ويقول أبو سالم: "استهداف عشوائي في الشارع، نجوت أكثر من مرة من الموت حيث كانت القذائف تتطاير حول رأسي، الخوف أن يفقد الصحفي حياته أو أحد أقاربه أول خطر يعانيه ويقيد حركته، عندما يحل المساء يحاول الصحفيون البقاء بمكان الإقامة خوفا من الاستهداف".

ويعاني الصحفيون في قطاع غزة من انقطاع الاتصالات وتعطل الأجهزة كالكاميرات أو الجوالات في ظل عدم توفر بدائل أو توفر بدائل بأثمان باهظة، الأمر الذي يشل عمل الصحفيين، وفق أبو سالم.

ويتابع: الخوف والقتل والجري وراء مكان آمن والبحث عن الطعام والشراب لتأمينه للعائلة، وشح الانترنت تشل الإنسان، وتشل عطاءنا كصحفيين، أشعر أنني مقصر ولكن ما باليد حيلة، عند الاستيقاظ صباحا بدلا من أن أبحث عن الأخبار أبدأ بالبحث عن الطعام في السوق، ولا يتوفر أحيانا، ويجب أن أسجل بالمساعدات وأشعر بالإهانة والذل إذا أردت أن أسجل بأي مؤسسة إنسانية لكي أتسول كوبون غذائي لكن اضطر أن أذهب لأطعم أولادي.

ويضيف أبو سالم: صار العمل من أماكن محددة لعدم توفر الانترنت والكهرباء، نأتي للمستشفيات لتوفرها فيها نتيجة توفر المولد، خارج المستشفى لا أستطيع تتبع الأخبار، وقبل حوالي شهر تم قصف خيمة بجانبي واستشهد زميل صحفي.

وينوه إلى أنه للتغلب على انقطاع التيار الكهربائي كان يمكن شراء لوحة طاقة شمسية إلا أن ثمنها ارتفع من 100 دولار قبل الحرب إلى قرابة ألفي دولار، كذلك بطاريات الشحن ارتفعت أثمانها من 200 دولار إلى أكثر من 1500 دولار.

وحول ظروف النزوح، يقول أبو سالم: نزحت أكثر من 10 مرات، وفي كل مرة أفقد من مقتنيات وأدوات العمل والسكن، والنزوح ضغط ذهني ومالي وبدني، وفي النزوح تحتاج لمكان أين تذهب؟ إلى دير البلح؟ خان يونس؟ النصيرات؟، السؤال إلى أين تنزح معقد ولا يوجد له جواب، لا يوجد مكان يحتويك، إذا أردت أن تحمل خيمة معك ستحتاج لأرض تضعها عليها.

ويضيف أبو سالم: كصحفي لا أحد يؤجرك لأنه لدى الناس اعتقاد بأن الصحفيين مستهدفين، حتى قطعة أرض لتضع عليها الخيمة، النزوح ليس سهلا، من رفح إلى دير البلح 15-20 كيلو تحتاج إلى 300-400 دولار للمركبة التي ستقلك، أموالي في البنك ولا يوجد بنوك، الموضوع معقد، كل التفاصيل ترهق ذهنيا.

الاعتقالات والاختفاء القسري

ووفق إحصاءات نقابة الصحفيين الفلسطينيين، فقد اعتقلت سلطات الاحتلال الإسرائيلي 97 صحفيا فلسطينيا منذ السابع من تشرين أول/أكتوبر 2023 بقي منهم حتى تاريخه 50 أسيرا صحفيا من بينهم 5 صحفيات، منهن الزميلة في وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية "وفا" رشا حرز الله، إضافة إلى 9 صحفيين معتقلين قبل حرب الإبادة على غزة، ومعظم الأسرى الصحفيين معتقلين على ذمة قوانين الاعتقال الإداري الجائرة والبعض الآخر لا زال موقوفا في انتظار محاكم عسكرية، بحسب وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية "وفا".

كما اختطف الاحتلال الإسرائيلي 16 صحفيا من قطاع غزة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، ويرفض الكشف عن مصيرهم أو أية معلومات حول حياتهم، لعل أبرزهم الزميلان الصحفيان نضال الوحيدي وهيثم عبد الواحد، اللذان اختطفهما الاحتلال في السابع من تشرين الأول/أكتوبر خلال أدائهما عملهما الصحفي وتغطيتهما للأحداث الميدانية، ولم يفصح الاحتلال عن أية معلومات حول مصيرهما حتى تاريخه.

ويؤكد نقيب الصحفيين الفلسطينيين ناصر أبو بكر أن ما جرى خلال العدوان على قطاع غزة يشكّل حرب إبادة شاملة ضد الصحفيين الفلسطينيين؛ عبر قتلهم وقتل عائلاتهم وتدمير منازلهم والمؤسسات الصحفية، فهناك حرب شاملة ينفذها الاحتلال ضد الصحفيين.

ويشير إلى أن الاحتلال يستهدف الصحفيين الفلسطينيين لمنعهم من القيام بدورهم بنقل رواية الشعب الفلسطيني ونقل جرائم الاحتلال الإسرائيلي، وأن هناك معركة على الرواية يريد الاحتلال أن يستفرد بها ونشر رواية الكذب والتزوير، إلا أن الإعلام الفلسطيني سيستمر بنقل رواية الحق والحقيقة بكل مهنية ودقة وموضوعية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved