في ذكرى استشهاده.. ماهي قصة آخر معركة خاضها عبدالقادر الحسيني ضد العصابات الصهيونية؟
آخر تحديث: الثلاثاء 8 أبريل 2025 - 12:57 م بتوقيت القاهرة
محمد حسين
تحل ذكرى استشهاد القائد الفلسطيني عبدالقادر الحسيني اليوم 8 أبريل، فقد لقي مصرعه في معركة سميت بـ"القسطل "ضد العصابات الصهيونية قبل أسابيع قليلة من النكبة العربية وإعلان دولة الاحتلال الإسرائيلي في مايو 1948.
-طريق القدس.. القسطل وذكرى القائد الذي لم ينسحب
في مطلع أبريل عام 1948، كانت قرية القسطل الواقعة على الطريق الواصل بين يافا والقدس في قلب العاصفة، فقد باتت هذه القرية الصغيرة مسرحًا لمعركة حاسمة في إطار سعي القوات الصهيونية لعزل القدس عن امتدادها العربي، وقطع شريان الإمدادات عنها تمهيدًا لإخضاعها قبيل الإعلان عن قيام "الدولة" بعد أسابيع قليلة، ووفقًا لتقارير معهد الدراسات الفلسطينية، فإن خطة "هاجاناه" كانت واضحة: السيطرة على القرى المحيطة بالقدس، وتحويل المدينة إلى جيب معزول يسهل إخضاعه، موسوعة التفاعلية للقضية الفلسطينية.
وفي أثناء ذلك كانت القيادة الفلسطينية تعاني من انقسام وتردد، ورغم تحذيرات عبدالقادر الحسيني، القائد الميداني البارز في منطقة القدس، من خطورة الوضع، فإن مطالبه بالتسليح والدعم قوبلت بالتجاهل.
وبينما كانت اللجنة العسكرية التابعة للجامعة العربية تجتمع في دمشق، كان الحسيني يتنقل بين الجبهات، يرسل نداءات الاستغاثة، ولا يتلقى سوى وعود لا تُنفّذ، وعندما قوبل طلبه بتزويد قواته بالسلاح بالرفض القاطع، عاد إلى دمشق غاضبًا، ليطلق عبارته الشهيرة في وجه أعضاء اللجنة: "أنتم خونة، سيكتب التاريخ أنكم أضعتم فلسطين".
-الرصاصة القاتلة
تلك الكلمات لم تكن نبوءة بقدر ما كانت صرخة رجل يعرف تمامًا حجم الخطر الذي يقترب، عاد الحسيني إلى الميدان على الفور، وفي فجر السابع من أبريل قرر أن يواجه بواقعه لا بأحلام الدبلوماسية، ورغم قلة الرجال والذخيرة، قرر إطلاق هجوم مضاد لتحرير القسطل، مؤمنًا بأن النصر لا يُقاس بالأعداد بل بالإرادة، وبحسب مذكرات عدد من المقاتلين الذين شاركوا في المعركة، فقد نجح الحسيني في تنظيم هجوم مباغت مكّن القوات الفلسطينية من اقتحام القرية وفرض حصار على القوات الصهيونية المتمركزة فيها.
لكن صباح اليوم التالي حمل الفاجعة، ففي أثناء تقدّمه لاستطلاع خطوط العدو، أصيب الحسيني برصاصة قاتلة في صدره، ليسقط شهيدًا على مشارف القسطل، التي كانت على وشك التحرير.
وتقول روايات شهود عيان إن استشهاده وقع قبل ساعات فقط من إعلان استعادة السيطرة على القرية، وهو ما ألقى بظلاله على معنويات المقاتلين، رغم أنهم أصرّوا على استكمال المعركة وفاءً لقائدهم.
في الثامن من أبريل، أُعلن تحرير القسطل وسط فرحة منقوصة، لكن سرعان ما انقلبت الموازين مجددًا، فغياب الحسيني، الذي كان يتمتع بكاريزما قيادية ومهارة ميدانية نادرة، أحدث فراغًا كبيرًا في صفوف المقاومة.
وفي التاسع من أبريل، شنت قوات "هاجاناه" هجومًا مضادًا استطاعت من خلاله استعادة السيطرة على القرية، لتصبح القسطل رمزًا للنصر المؤقت والخسارة الاستراتيجية.
-جنازة مهيبة في باحات القدس
نُقل جثمان الحسيني إلى المسجد الأقصى، حيث صُلّي عليه في جنازة شعبية مهيبة، شارك فيها الآلاف من أهالي القدس والقرى المجاورة، ودُفن في باحات الأقصى، في دلالة رمزية على ارتباط نضاله بالمدينة المقدسة.
لم تكن القسطل مجرد قرية، بل كانت مفتاحًا لطريق القدس، وساحة اختبر فيها الفلسطينيون قسوة المعركة، وخذلان الحلفاء، وشجاعة القيادة الميدانية التي تمثّلت في الحسيني، وبينما مضت الأحداث سريعًا نحو نكبة كبرى، بقيت تلك المعركة محفورة في الذاكرة الجماعية كشاهد على رجل قرر أن يقاتل حتى النهاية، ولو وحيدًا.