«قصص من الجحيم».. قاصرات يكشفن أسرار تجارة الدعارة في بنجلاديش

آخر تحديث: الإثنين 8 يوليه 2019 - 2:14 م بتوقيت القاهرة

بسنت الشرقاوي:

5 سنوات قضتها "لابوني" في بيت دعارة في وسط بنجلاديش، توقفت خلالها عن الحلم بإنقاذها من هذا المستنقع منذ أن بيعت لسيدة عندما كانت في سن 13 عامًا؛ لاستغلالها في مجال الدعارة.

منذ ذلك الحين، لم تستطع "لابوني" أن تتذكر من زارها بالضبط أو عدد الرجال الذين واعدوها: "في بعض الأحيان أستيقظ ولا أفهم لماذا لم أمت بعد؟!".

تقول "لابوني" بعد أن بلغت عامها الـ19 اليوم: "أريد الموت بسبب عيشتي في قرية (ميمينسينج) للدعارة، التي تقع وسط بنجلاديش، حيث أعمل بين 700 أو 1000 امرأة وفتاة في تجارة الجنس"، متابعة: "كثير من الفتيات هناك يعملن في الدعارة ضد إرادتهن ممن تم بيعهن من قبل المُتاجِرين وتم حصارهن لسنوات تعرضن خلالها للاغتصاب عدة مرات في اليوم".

باختصار، هذه هي حياة عشرات الآلاف من الفتيات القاصرات في بنجلاديش، نسمع قصصهن من خلال تحقيق موقع "الجارديان" البريطاني المنشور السبت الماضي.

تحتجز قرية "ميمينسينج" للدعارة فتيات لا تتجاوز أعمارهن 12 عاما، أُجبرن على ممارسة الدعارة؛ حتى يجني التجار من ورائهن 400 كرونة أو 3.66 جنيه إسترليني، مقابل 10 دقائق خلوة.

ومثل غالبية الفتيات في "ميمينسينج"، تم تهريب "لابوني" للعمل في مجال الجنس، لكنها عندما هربت تركت وراءها ابنتها البالغة من العمر 6 أشهر؛ هربا من زوجها المسيء الذي أُجبرت على الزواج منه في العام السابق، لتتذكر قائلة: "لم أكن أعرف إلى أين أنا ذاهبة، اعتقدت أنني ربما أجد عملاً في مصنع للملابس".

ولكن حدث عكس ذلك، فقد شاهدتها امرأة وهي تبكي في محطة سكة حديد دكا، وعرضت عليها طعامها ومكانًا للنوم طوال الليل؛ ليتم بيع المسكينة بعد يومين لبيت دعارة ومنعها من مغادرته.

ذهبت "لابوني" لترى نفسها وسط الفتيات المستعبدات في مجال الجنس، سجينات داخل بيت للدعارة، أما عن موقف الشرطة من بيعها قالت: "السيدة التي اشترتني رشت الشرطة حتى يقولوا إنني كنت في الـ18 من عمري وقتها، وهو السن القانوني لعاملات الجنس، بعد ذلك أخبرتني أنني مدينة لها بأكثر من 914 جنيها إسترلينيا ثمن ما دفعته للشرطة، ثم صادرت هاتفي وحبستني في غرفة نومي وقالت إنها ستؤذيني إذا حاولت الهرب".

وبعد شهرين أو 3 أشهر، تخلت "لابوني" عن محاولة الهرب حيث كانت تقع في قبضتهم في كل مرة، وتبوء محاولاتها بالفشل.

ويوضح توزيع رقمي سري كيف أصبحت الفتيات مثل "لابوني" جزءا حيويا ومربحا للغاية لأصحاب بيوت الدعارة في بنجلاديش على مدى 6 سنوات ماضية، فمنذ أن حوصرت "لابوني" في بيت الدعارة وهي تعمل باستمرار لسداد ديونها الوهمية، ومع ذلك فقد اكتسبت خلال تلك السنوات الست ما يزيد عن 46 ألفا و500 جنيه، لكن ذهب كل شيء حصلت عليه إلى سيدتها، وكل ما تم إعادته إليها كان 37 جنيها إسترلينيا؛ كبدل شهري للطعام والملابس وأدوات النظافة، لتدفع "لابوني" بذلك ديونها الأصلية البالغة 914 جنيها إسترلينيا 50 مرة.

بدت حياة "لابوني" كما لو كانت قصة سينمائية من هوليوود، بعد أن روى "محمد مختل علي" 30 عامًا، أحد الزبائن الدائمين يوميا لديها منذ 4 سنوات: "أنا أحبها، وسأنقذها مما هي عليه في يوم ما"، متابعا: "منذ أن كان عمرها 14 عامًا وأنا آتي إليها. جميع الفتيات هنا بلا حول ولا قوة. لا يمكنك بيع صبي إلى بيت دعارة، لكن يمكنك بيع فتاة لأنها تتمتع بقيمة مالية". ولكن "لابوني" قالت: "لا أصدق أي شيء يقوله لي الرجال.. كلهم يكذبون".

أما فيريدا، إحدى عاملات الدعارة في المنزل التي توجد فيه "لابوني"، قالت إن عدد الفتيات اللائي تم الاتجار بهن قد زاد منذ وصولها إلى بيت الدعارة في عام 1999، فبعد أن ظلت 12 عامًا حبيسة الاستعباد الجنسي، منحها زبون، فتاة؛ كهدية منه، وعندما هربت تلك الفتاة اشترت أخرى تدعى "موني" مقابل 137 جنيها إسترلينيا: "لقد دفعت 27 جنيها إسترلينيا مقابل السجائر للشرطة؛ كرشوة لتسيير عمل الفتيات".

وأضافت فيريدا: "عندما هربت الفتاة الأولى، اشتريت ثانية تدعى (موني) مقابل 137 جنيها إسترلينيا، وقتها دفعت 27 جنيها إسترلينيا مقابل سجائر للشرطة أيضا؛ لإتمام جميع الأوراق التي تنص على وجوب أن تكون الفتاة العاملة في الدعارة في عامها الـ18، أما الآن فالشرطة تطلب على الأقل 450 جنيهًا إسترلينيًا، وهي مكلفة للغاية؛ لذا يتعين على الفتيات سداد أموالي لأنهن يطلبن أموالا أكثر كلما كانت الفتاة صغيرة".

تم إضفاء الشرعية على الدعارة في بنجلاديش في عام 2000، بعد أن أدى اعتقال 100 عاملة بالجنس على أيدى الشرطة إلى احتجاجات تدعو إلى حرية المرأة وحقوقها المتساوية، وتم إطلاق سراح النساء وفقا لإطار قانوني جديد، لكن مع القليل من الحماية.

وتقدر الحكومة البنجلاديشية نحو 100 ألف من النساء والفتيات يعملن في صناعة الجنس في البلاد، فيما تفيد إحدى الدراسات أن أقل من 10% من هؤلاء قد دخلن في الدعارة طواعية، فيما أظهر التحقيق اعتراف إحدى الفتيات بأنها لا تزال في الـ13 من عمرها، ومثلها كثيرات.

ويقول أزهر إسلام، مدير برنامج الحقوق في جيسور، وهي منظمة غير حكومية محلية تعمل على إعادة تأهيل الأطفال المتاجر بهم في تجارة الجنس وإعادتهم إلى أسرهم: "تعرف الشرطة البنجلاديشية كل ما يحدث في بيوت الدعارة. وأصحاب بيوت الدعارة يشاركون في العصابات كما يشارك قادتنا السياسيين في هذه العصابات أيضًا، ويستفيد المسؤولون الحكوميون الفاسدون من عن طريق قبول الرشاوى والمصالح الجنسية مقابل غض البصر عن الانتهاكات".

شهادة أخرى ترويها "شيلبي"، 57 عاما، التي تم بيعها إلى بيت دعارة في عام 1977، وتقول: "هناك حوالي وفاة واحدة في الشهر، والمقابر العامة ليست متاحة لدفننا، فالوصمة التي تحيط بالعاملين في مجال الجنس في بنجلاديش تحظر دفنهم على أرض البلديات. نحن هنا نساء عاريات سيئات. وإذا قتلت الفتاة نفسها فإن الناس تقول إن هذا أمر طيب للغاية، ويعتبرونها مجرد وسيلة أسرع للوصول إلى الجحيم".

وبالنسبة لـ"لابوني"، فقد حاولت قتل نفسها عدة مرات، وكانت تقول وهي جالسة على أرضية الزنزانة الخرسانية: "سأحاول مرة أخرى في يوم من الأيام"، وكانت تقطع شرايينها يوميا، وتضيف: "طوال حياتي يقول لي الناس (مارسي الجنس حتى نجني الأموال)، لكن كم يجب علي أن أحصل من المال كي أتخلص من هذه الحياة؟".

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved