مقام اللغة.. تأملات في عذوبة الحروف وتفاصيل الحياة اليومية
آخر تحديث: الجمعة 8 نوفمبر 2024 - 5:57 م بتوقيت القاهرة
عبدالله محمد إسماعيل
إنَّ اللغة العربية، بتعقيداتها وجمالياتها اللامتناهية، لطالما كانت موضع إشكال وجدال، يتراوح ما بين الاحتفاء بثروتها اللغوية وبين النقد لشدة تعقيداتها. إلا أنَّها، رغم هذا الجدل، تظل وسيلة سامية تُعبِّر عن أفكارنا، وتحمل بين طياتها إرثًا ثقافيًا يتجاوز حدود الزمان والمكان.
إن الكتابة عن اللغة ليس أمرًا هيِّنًا؛ بل يتطلب تأملًا عميقًا ورؤية نقدية تجعله أكثر من مجرد توظيف للألفاظ. إنه سعىٌ لاستكشاف الروابط المخفية بين اللغة والمجتمع، بين الكلمة والواقع.
ومن هذا المنطلق، تأتى قراءة كتاب «مقام الكلام» للكاتبة بسمة عبد العزيز كنافذة تطل على أعماق اللغة، وتفتح بابًا نحو استكشاف المفاهيم غير المطروقة والكلمات التى تزين حياتنا اليومية.
يأتى كتاب «مقام الكلام» للكاتبة بسمة عبد العزيز، الصادر عن دار الشروق كإطلالة فريدة على اللغة العربية وما تحمله من مصطلحات وجماليات.
الكتاب عبارة عن مجموعة مقالات استغرقت الكاتبة فى كتابتها ثلاث سنوات، تطرقت خلالها إلى استخدامات مختلفة للغة العربية من خلال عمود أسبوعى كانت تكتبه.
جدير بالذكر أن عبد العزيز لم تكن تضع اللغة العربية فى مقدمة أولوياتها الكتابية من قبل، إلا أن الشغف باللغة والتأمل فى مفرداتها دفعاها إلى تخصيص مقالات تناقش جمالياتها وتعقيداتها. يُعد هذا الكتاب محاولة من الكاتبة لإعادة النظر فى لغة الحياة اليومية؛ كيف نستخدمها وما تحمله من معانٍ أعمق قد لا ندركها فى أحاديثنا اليومية.
ففى مقدمة الكتاب، تعترف الكاتبة بأنها لم تتوقع أن تستمر فى كتابة مقالات عن اللغة لفترة طويلة، لكنها وجدت فى هذا المسار نوعًا من التحدى الممتع والشغف الذى جعلها تواصل البحث والتنقيب فى الكلمات ومعانيها.
تفاعل مع المفردات والمفاهيم: يتميز الكتاب بتناول عبد العزيز للكلمات والمفردات بطريقة نقدية وتحليلية، حيث تتعمق فى استخداماتها فى مجالات مختلفة مثل السياسة، والفن، والمجتمع. الكاتبة هنا لا تتعامل مع الكلمات كأداة للتواصل فقط، بل تسعى لفهم كيف تؤثر فى حياتنا اليومية وتعيد تشكيلها.
فهى تعبر عن قلقها من الاستخدام العشوائى للغة دون التفكير العميق فى معناها، ما يعكس قلة الوعى والتعمق فى التفكير رغم الوفرة المعلوماتية التى يعيشها العالم اليوم.
كما تسلط عبد العزيز الضوء على الخطر الذى قد يُهدد اللغة نتيجة المعلومات المغلوطة المتزايدة التى تُنشر دون تدقيق، مؤكدةً على أهمية المعرفة الحقيقية والتعمق فى استخدام اللغة وقواعدها. إنها تحذر من السقوط فى فخ الاستهلاك السريع للمعرفة دون تحليل وفهم عميق. النقد والتجديد فى لغة الكتابة: من النقاط التى يبرزها الكتاب هو النقد الذى تواجهه اللغة العربية باعتبارها لغة معقدة وصعبة.
عبد العزيز تدافع عن ثراء اللغة وغناها، وترى أن ما يُعتبر عائقًا بالنسبة للبعض هو فى الحقيقة مصدر قوة.
الكتاب يطرح سؤالًا مهمًا حول كيفية تحسين صورة اللغة العربية وجعلها أكثر جاذبية للأجيال الحديثة، خاصةً فى ظل الموجات السخرية التى قد تواجهها بعض الأحيان.
وفى هذه النقطة، يُظهر الكتاب قدرته على تقديم قراءة جديدة لألفاظ وتعبيرات قد تبدو تقليدية أو مألوفة للجميع، لكنها تحمل أبعادًا عميقة تلامس واقعنا المعاصر.
فعنوان الكتاب «مقام الكلام.. فى نكش المألوف من ألفاظ وأحوال» يعكس رغبة الكاتبة فى «نكش» أو تحفيز التفكير فى ما نستخدمه من كلمات بشكل يومى دون أن نلتفت إلى عمق معانيها.
تأثير اللغة فى الحياة اليومية: الكتاب لا يكتفى بتقديم مقالات عن اللغة بشكل نظرى؛ بل يسعى لربط اللغة بالحياة اليومية والتفاعلات المجتمعية. فهو يبرز كيف يمكن للكلمات أن تعكس حالات من الغضب، أو السعادة، أو الحزن، وكيف تتحول إلى أدوات تعبير عن مشاعرنا وأفكارنا.
من خلال هذا الربط، تقدم عبد العزيز رؤية فريدة لكيفية إعادة استخدام اللغة فى التعبير عن التجارب الشخصية والاجتماعية.
كما يشير الكتاب إلى العلاقة الوثيقة بين اللغة والهوية، وكيف يمكن للغة أن تكون مرآة للثقافة والمجتمع. فهى ليست فقط وسيلة للتواصل، بل هى تعبير عن ثقافة بأكملها. ومن هذا المنطلق، تسعى الكاتبة إلى تقريب هذه المعانى للقراء وجعلهم يعيدون النظر فى طريقة استخدامهم للغة فى حياتهم اليومية.
تشير الكاتبة إلى أن الكلمات ليست مجرد وسيلة للتعبير عن الأفكار، بل هى جزء من هوية الفرد والمجتمع. من خلال هذا الفهم العميق للكلمات، تدعو عبد العزيز القارئ إلى التفكير فى كيفية استخدام اللغة وتأثيرها على الحياة اليومية.
إنها ترى أن الكلمات تحمل فى طياتها أسرارًا لا نكتشفها إلا من خلال التأمل والتفكير العميق. «مقام الكلام» ليس مجرد كتاب عن اللغة، بل هو دعوة إلى التأمل فى الكلمات التى نستخدمها يوميًا وكيف تعكس هذه الكلمات حياتنا وثقافتنا. من خلال مقالاتها، تقدم الكاتبة قراءة جديدة للكلمات المألوفة، وتعيد اكتشاف معانيها وتأثيراتها على حياتنا.
هذا الكتاب ليس مجرد تحليل لغوى، بل هو رحلة تأملية تعيد للغة رونقها وجمالها، وتدعونا إلى التفكير فى كيفية استخدامنا للكلمات وتأثيرها على فهمنا للعالم والهوية.