حرب الإنسان ضد الطبيعة ومخاطر قطع الأشجار التي تهدد الكوكب وحياتنا على الأرض في كتاب جديد

آخر تحديث: الجمعة 9 أغسطس 2024 - 6:44 م بتوقيت القاهرة

منى غنيم

- المؤلف: "في البداية كنا نحب الأشجار ونحترم أقدميتها على الأرض..أما الآن فهي ليست سوى مصدرًا للأخشاب والمطاط والوقود"
- تأريخ الكربون أثبت أن إحدى أشجار الزيتون في لبنان عمرها أكثر من 1000 عام

لا شك أن كوكبنا يخوض حربًا - وإن كانت غير معلنة - على الطبيعة على يد الإنسان، أوالرأسمالية والربح المادي على وجه الدقة، وتأتي الأشجار على قائمة المستهدفات لتلك الحرب، ومن منطلق تلك القضية الهامة، أصدر كبير أمناء قسم تاريخ العلوم والتكنولوجيا بمكتبة هنتنجتون في كاليفورنيا الأمريكية ، دانييل لويس ، كتابًا جديدًا بعنوان "اثنتا عشر شجرة" تناول فيه تفاصيل وأعمار العديد من الأشجار على كوكب الأرض وأبرز الأخطار التي تترصدها.

وفي البداية، تحدث "لويس" عن غابة أشجار "السرو" المغمورة بالمياه والتي تنبت فيها شقائق النعمان البحرية وهي تقع تحت خليج المكسيك وعلى بعد عدة أميال من ساحل ألاباما، ويبلغ عمر أشجار "السرو" أكثر من 60 ألف عام، وقد دُفنت في الرواسب لآلاف السنين قبل أن تنكشف عام 2004 عندما جرفت الأمواج التي دفعها إعصار "إيفان" قاع البحر.

وقال "لويس" إن عينات "السرو" التي تم جلبها إلى السطح كان يمكن أن تقدم أدلة على تأثيرات المناخ على الخشب من تلك الحقبة القديمة، ولكن بعد فترة وجيزة من اكتشاف الغابة المائية، سعت شركات الإنقاذ إلى الحصول على تصاريح لحفر جذوع الأشجار القديمة وتحويلها إلى أثاث.

ويعد كتاب دانييل لويس الجديد بمثابة رحلة تثقيفية عن عالم الأشجار؛ فالأشجار جزء لا يتجزأ من تاريخ البشرية، وفي الماضي كانت الأشجار تُنظر إليها على أنها كائنات عجيبة، كنا نعجب بها ونحترم أقدميتها على الأرض وننسج الأساطير حولها، أما بالنسبة للعالم الرأسمالي الحالي، فالأشجار ليست سوى سلع أساسية كونها مصدرًا للأخشاب والمطاط والوقود وورق التواليت والوبر الممتص الموجود داخل الحفاضات، هذا بالإضافة لوظيفتها الطبيعية بكونها مصدرًا من مصادر الغذاء والدواء والظل، وتوفر مسكنً طبيعيًا للعديد من الطيور والحشرات والثدييات الصغيرة، فضلاً عن الأشنة والطحالب والسراخس.

والأهم من ذلك، فإن الغابات العالمية تمتص حوالي 7.6 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون سنويًا، وتخزنه في جذورها وأوراقها وأغصانها وجذوعها، وأشارت دراسة حديثة في مجلة Nature البريطانية أن حماية الغابات قد يؤدي بمرور الوقت إلى إزالة 226 جيجا طن إضافية من الكربون الذي يسخن الكوكب (830 جيجا طن من ثاني أكسيد الكربون) من الغلاف الجوي، ومع ذلك، فإن الغابات تحترق بمعدل 2000 متر مربع في الدقيقة في منطقة الأمازون، بينما تختفي 10 ملايين فدان من الأشجار كل عام في وسط أفريقيا مما قد يعرض حياتنا للأرض على كارثة حقيقية إن لم نبدأ في اتخاء الاحتياطات اللازمة.

وعدد "لويس" عبر الكتاب دوافعنا للحفاظ على البيئة واستهلاكها من خلال أخذ القارىء عبر رحلة حول العالم للتأمل في جمال 12 نوعاً من الأشجار، والكثير منها أصبح الآن عرضة للخطر بسبب الإنسان، بما في ذلك خشب السكويا وخشب الصندل والباوباب والأبنوس.

وتحدث "لويس" عن خشب الأبنوس في الغابات في وسط أفريقيا، والذي يأتي من شجرة Diospyros crassiflora، وقال إن خشب قلبه الأسود الداكن ذو قيمة عالية، ويستخدم في صناعة مفاتيح البيانو والقيثارات ومقابض الأبواب وعصي البلياردو. ويواجه خشب الأبنوس تهديدات عدة ومن بينها قطع الأشجار بشكل غير قانوني وتحويل الغابات إلى أرض للرعي أو لزراعة المحاصيل، كما سلط "لويس" الضوء على مبادرة للاهتمام بزراعة الأشجار وحصاد خشب الأبنوس في الكاميرون في إفريقيا بقيادة شركة "تايلور جيتارز" الموردة للمغنية الأمريكية تايلور سويفت.

ونعلم من خلال صفحات الكتاب أن أحد مؤسسي شركة "تايلور جيتارز" وهو بوب تايلور اشترى طاحونة متهالكة خاصة بجمع خشب الأبنوس في عاصمة الكاميرون، ياوندي، عام 2011 وقام بتجديدها لتزويد آلاته بالخشب، وبعد خمس سنوات، دخلت الشركة في شراكة مع معهد حوض الكونغو في ياوندي لتطوير مشاتل أشجار الأبنوس، كما أعادت الشركة زراعة الأبنوس وأشجار الفاكهة التي تشكل حاجزًا بين محمية دجا في الكاميرون، وهي أحد مواقع التراث العالمي لليونسكو، وفي عام 2022، أفاد "لويس" أن تلك الشراكة تمكنت بنجاح من زرع 27810 شجرة .

ويعلمنا الكتاب أن الأشجار لا تعيش في عزلة عن باقي سكان الكوكب؛ فهي موطن مهم لعدد لا يحصى من النباتات والحيوانات، فعلى سبيل المثال يمكن أن يصل ارتفاع شجرة السيكويا السمبرفيرينس، وهي شجرة خشب السكويا التي تنمو في شريط على طول ساحل المحيط الهادئ في أمريكا الشمالية، إلى أكثر من 100 متر، وفي الجزء العلوي منها توجد جيوب تربة تدعم حياة الصراصير والخنافس والرخويات وديدان الأرض والبرمائيات.

ويمكن أن تعيش أشجار السكويا الساحلية لمدة 2000 عام، كما يمكن لشجرة الزيتون أن تعيش طويلًا، وقد تم ​​مؤخرًا تأريخ شجرة في بستان زيتون "نوح" في بشعلة (شمال لبنان) بالكربون ليظهر أن عمرها يمتد إلى أكثر من 1000 عام.

وقال "لويس" إن الأشجار تجسد عالمًا كاملًا من النقاء لا ندري عنه شيئًا إلا إذا أمعنا النظر، وحكي موقفًا حين
صادف شجرة سيبا بنتاندرا العملاقة في منتزه مانو الوطني، الذي يصفه بكونه "ملاذ التنوع البيولوجي الأرضي في جنوب غرب بيرو "؛ حيث قال إنها أضخم شجرة رأها على الإطلاق؛ بجذورها الداعمة الضخمة التي تشع في كل الاتجاهات، وأضاف أنه شعر حين لمس الشجرة أنه يتواصل معها ويتسلق أغصانها محاولاً أن يجعل عالمها أكثر اكتمالاً في عالمه.

وفي الختام، نوّهت صحيفة الجارديان البريطانية التي قدمت مراجعة نقدية حديثة للكتاب عن أننا في أمس الحاجة في وجود المزيد من الأشجار في عالمنا؛ فهي تمثل الاستقرار والاستمرارية، كما تغذي الغابات الكوكب من خلال وفرة من الفواكه والخضروات والمكسرات والتوابل وغيرها من الأطعمة، وهي أيضًا تسكب علينا نعمة
البرودة والظلال، وقد اختتم "لويس" كتابه بقوله إن الأشجار كيانات و"إنها بحاجة إلى أن يكون لها حقوقها الخاصة، وأن تُمنح كرامتها الخاصة".

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved