طه حسين: كتاب جديد يوثق تفاصيل جديدة عن عميد الأدب العربي.. ما القصة؟

آخر تحديث: الأربعاء 9 أكتوبر 2024 - 11:34 ص بتوقيت القاهرة

بسنت الشرقاوي

أصدر مجمع اللغة العربية بالقاهرة (مجمع الخالدين)، كتابا بعنوان "الدكتور طه حسين".ضمن سلسلة "من تراث المجمعيين".

وهذا العمل قام على إعداده وتصنيفه وترتيبه فريق عمل دءوب بداية من الاستاذ الدكتور صلاح فضل، رئيس المجمع السابق المشرف العام، والأستاذ الدكتور أحمد زكريا الشلق، وأ.د.حافظ شمس الدين عبدالوهاب، عضوي المجمع رئيسي التحرير، والأساتذة كبيري محرري المجمع حسين خاطر، وجمال عبد الحي، وخالد مصطفى، وإلهام رمضان علي.

واستغرق العمل الذي أطلق عليه المجمع لقب "رفيع" عدة سنوات، واختارته الهيئة المسؤولة عن إصدار "سلسلة تراث أعضاء المجمع"، ليكون عن عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، الذي شغل منصب رئيس مجمع اللغة العربية، ورئيس المجمع العلمي المصري.


* كتاب يكشف تفاصيل جديدة

بالرغم من أن هناك مؤلفات كثيرة عن طه حسين؛ الا إنه لم يصدر كتاب يتناول جهوده ونشاطه في مجمع الخالدين.

ويتناوب هذا الكتاب عناصر رئيسة، أولها ملامح عن سيرة الدكتور طه حسين، وثانيها جمع للبحوث التي قدمها طه حسين إلى المجمع في مناسبات مختلفة، وكذلك لآرائه المجمعية والعلمية التي عبَّر عنها الراحل الكريم في جلسات المجمع المختلفة، وفي مناقشات اجتماعات المجمع، وبرزت هذه الآراء في عضوية المجمع ونشاطه ولجانه، وفي المصطلحات العلمية وألفاظ الحضارة، وفي الأدب والقصص الجاهلي، وفي تيسير الكتابة العربية.

وفي القسم الرابع من هذا الكتاب سُجِّلت كلمات طه حسين في استقبال أعضاء مجمعيين وفي توديع بعضهم، وهي كلمات تنطوي على حياة مَن كتب عنهم، وعلى أفكارهم وآرائهم العلمية، ومن هذه الكوكبة عبد الحميد بدوي، وتوفيق الحكيم، ومحمود تيمور، وعبد العزيز فهمي، وتوفيق دياب، وأحمد حسن الباقوري، ومحمد حسين هيكل، وإينو ليتمان، وعبد الوهاب عزام، وأحمد لطفي السيد.

وبعد ذلك تناول الكتاب مقالات وكلمات المجمعيين عن طه حسين وفكره، كتبها تلاميذه وأصدقاؤه وزملاؤه، أبرزها كلمات الدكتور إبراهيم مدكور الذي خلفه في رئاسة المجمع، والدكتور شوقي ضيف الذي رأس المجمع بعد الدكتور مدكور، وكذلك الأستاذ محمد خلف الله أحمد، والدكتور عبد الحليم منتصر، والدكتور محمود الربيعي، والدكتور محمد يوسف حسن. وتنتهي مادة الكتاب بالكلمات التي ألقيت في وداع طه حسين وتأبينه".

* مسيرة حياة عن عميد الأدب العربي بعين مجمع اللغة العربية

وُلد عميد الأدب العربي، الناقد والمفكر والمبدع الكبير طه حسين في قرية عزبة الكيلو عام 1889م بمحافظة المنيا.

كان أبوه حسين علي سلامة عاملًا بسيطًا يعول أسرة كبيرة العدد، وقد أصيب طه في طفولته بمرض في عينيه أدى إلى فقدانه البصر نتيجة الجهل والإهمال، وكان لذلك تأثير خطير في حياته، فتزايدت حساسيته وفرضت عليه نوعًا من العزلة والحياء، ولكنه نجح في تجاوز ذلك واستقرت في نفسه إرادة قوية جعلته يتحدى هذا الواقع الذي لم يكن جحيمًا كله.

نعم حسين بمشاعر الأمن في أسرته التي تمتع بينها بثقافة شفوية وفولكلورية، كما كان يستمع في طفولته إلى أحاديث أبيه مع أصحابه إلى قصص الغزوات والفتوح وأخبار الأنبياء والصالحين، والواقع أن والده كان على شيء من الثقافة، متفتحًا طموحًا؛ فقد أرسل أبناءه الى المدارس المدنية وإلى الأزهر، فلم يقنع بتحفيظه القرآن ليصبح فقيها في القرية، وإنما صمم على إرساله إلى الأزهر راجيًا أن يكون عالمًا من علمائه.

وبعد أن حفظ طه القرآن بدأ دراسته بالأزهر عام 1902م حيث أقام بالقاهرة مع أخيه الأكبر. وكان الأزهر بداية التحدي الذي كان عليه مواجهته، ولما كان يعتبره مهد العلم المطلق، فقد شعر بالخذلان مما يدرس به ومن أسلوب التدريس فيه، كما كان يشتبك في نقاشات مع شيوخه الذين ضاقوا به، حتى لقد طرده بعضهم من دروسه، وازداد ضيقا بالأزهر أكثر عندما رأى شيوخ الأزهر يبعدون الإمام محمد عبده عنه. وفي سنته الرابعة بالأزهر اتجه إلى الأدب الذي كان أحد الموضوعات الجديدة التي يدرسها الشيخ حسين المرصفي، فدرس مؤلفات الزمخشري والمبرد وأبو تمام وغيرهم.

وعندما أنشئت الجامعة المصرية (الأهلية) عام 1908م سجل طه اسمه بها، وإن ظل مقيدًا بالأزهر الذي بدأ ينفصل عنه نفسيًّا، وفي هذه الفترة تعرف على لطفي السيد، ومن خلاله تعرف على بيئية "المطربشين" الذين تعلموا تعليمًا مدنيًّا مثل محمد حسين هيكل ومحمود عزمي وغيرهما ممن كانوا يكتبون مقالات في صحيفة "الجريدة" الناطقة بلسان حزب الأمة.

وعن طريق لطفي السيد تعرف طه حسين على الفلسفة اليونانية وانفتح أمامه مجال الصحافة والنشر. وفي الفترة نفسها تعرف على الشيخ عبد العزيز جاويش الذي لعب دورًا مهمًّا في تشكيل اتجاهات طه حسين، فساعده في نشر كتاباته الأولى في صحف الحزب الوطني خلال عامي 1909 – 1910م، كما أنه ألقى في روعه فكرة السفر إلى أوربا، وأوحى إليه بضرورة تعلم اللغة الفرنسية في مدرسة مسائية كان جاويش من مؤسسيها.

وكان طه حسين الشاب ينشر مقالاته الأدبية والإصلاحية وقصائده في صحافة الحزبين الكبيرين آنذاك، وهما حزب الأمة والحزب الوطني، دون أن ينضم إلى أحدهما، لأنه كان يرى نفسه أدبيًا مفكرًا وليس سياسيًّا محترفًا، وإن أبدى ميلًا إلى حزب الأمة بحكم المناخ الفكري والثقافي الذي خلقه لطفي السيد وصحيفته.

والمعروف أنه لم يهجر الأزهر تمامًا خلال هذه السنوات، ولذلك تقدم لامتحان العالمية به عام 1912م لكنه وجد عنتًا شديدًا من لجنة الممتحنين؛ ومع ذلك تقدم بعد عامين لامتحانٍ آخر برسالة عن أبي العلاء المعري ليحصل على شهادة العالمية، التي نوقشت مناقشة علنية بدار الجامعة، وألحقها بالامتحان في مقررين آخرين، وبعد انتهاء المناقشة والامتحان فاز طه حسين "بالعالمية" التي أطلق على حاملها لقب "الدكتوراه" في مايو 1914م، وكانت أول رسالة يمتحن فيها طالب بالجامعة المصرية، ولذا أثارت اهتمامًا كبيرًا في الصحافة وسهلت له السفر في بعثة دراسية إلى فرنسا التي سافر إليها بالفعل في نوفمبر عام 1914م.

حددت له سلطات الجامعة موضوع دراسته هناك، وهو "دراسة العلوم التاريخية" في جامعة مونبلييه، التي التقى فيها بالفتاة التي قدر لها أن تصبح زوجه فيما بعد.

ولكن طه لم يمكث كثيرًا، فلم تلبث ظروف الجامعة التي أوفدته أن تعثرت ماليًّا بسبب ظروف الحرب، فعاد إلى مصر ليقيم فيها ثلاثة أشهر، حتى أقال السلطان حسين كامل عثرات الجامعة المالية، مما يسر عودة طه ورفاقه إلى فرنسا عام 1915م. وكان عليه أن يدرس ليحصل على درجة الليسانس ليتأهل للدراسة في جامعة السوربون، فشرع في ذلك مع البدء في إعداد رسالة الدكتوراه التي كان موضوعها عن فلسفة ابن خلدون الاجتماعية، تحت إشراف الفليسوف "دوركايم" والمستشرق "كازانوفا".

ولما كان طه قد أتم دراسة مرحلة الليسانس في أغسطس 1918م وكان عليه العودة إلى مصر، فإن مجلس الجامعة سمح له بالبقاء حتى النصف الثاني من عام 1919م لإكمال دراسة الدكتوراه.

وعندما عاد إلى مصر عمل أستاذًا للتاريخ اليوناني والروماني بالجامعة، وبقي في وظيفته هذه حتى عام 1925م حين اندمجت الجامعة (الأهلية) في الجامعة المصرية (الحكومية). وخلال هذه الفترة استأثرت الثقافة الكلاسيكية بنشاطه، فصدر له كتاب بعنوان آلهة اليونان ضم ملخصًا لمحاضراته عن الظاهرة الدينية عن الإغريق، كما نشر صحفًا مختارة من الشعر التمثيلي عن اليونان (1920م) ثم ترجم كتاب نظام الاثنيين لأرسطوطاليس في العام التالي، وألَّف كتابه عن قادة الفكر عام 1925م.

وخلال هذه المرحلة أبدى اهتمامًا بدراسة اللغات القديمة التي لم تكن هدفًا في ذاتها، وإنما كانت دراسة الحضارات القديمة هي الهدف، فكان يؤمن بأن الحضارة العربية الإسلامية في أزهى عصورها نقلت عن اليونان، وأن ذلك من أبرز تقاليد الفكر الإسلامي المتحضر. وبالرغم من أن طه حسين لم تنقطع صلته بالحياة الثقافية في مصر خلال دراسته في باريس، حيث كان يكتب بين الحين والآخر كتابات تتسم بالبساطة في الصحف المعاصرة، إلا أن إسهامه الأساسي بدأ بعد عام 1919م، عندما عاد متفرغًا للتدريس والكتابة أستاذًا وكاتبًا، صاحب فكر ورأي وكلمة.

وفي عام 1922م بدأ يكتب مقالات منتظمة في صحيفة "السياسة" الناطقة بلسان "حزب الأحرار الدستورين" اليومية ورفيقتها "السياسة الأسبوعية" دون أن يرتبط تنظيميًّا بالحزب الذي كان يضم صفوة من أصدقائه المثقفين من تلاميذ لطفي السيد مثل الدكتور هيكل، ومحمود عزمي، ومنصور فهمي، وعلي عبد الرازق، ومصطفى عبد الرازق. فبدأ طه حسين يتناول الأدبين العربي والغربي في سلاسل شبه منتظمة في الصحيفتين، وبينما كان الشيخ علي عبد الرازق ينادي بفصل الدين عن الدولة، برز طه حسين يدعو للفصل بين الدين والعلم.

وبالرغم من أن مجال عمله الأساسي كان التاريخ وفلسفة الاجتماع، إلا أن صلته بالأدب العربي وتراثه لم تنقطع، وقد نشر ثمرة كتاباته فيه بكتاب حديث الأربعاء. بينما نشر مقالاته عن الأدب الغربي في كتابيه لحظات وصوت باريس.

كما اهتم ببث أفكاره التنويرية، وبتطبيق مناهج العلم والفلسفة الأوربية برؤى جديدة في دراسته للتراث العربي، وعبر عن ذلك في شكل رسائل جمعها في كتابه المهم من بعيد الذي كتبه بين عامي 1923 و1926م. ويلاحظ أنه عندما كان يكتب مقالات "حديث الأربعاء" أبدى تشككه في الشعر القديم، وأثار مسألة انتحاله، وكان ذلك مقدمة لكتابه الخطير فى الشعر الجاهلي، حيث جعل يهتم به اهتمامًا خاصًّا عند تدريسه للأدب العربي وتاريخه بالجامعة المصرية التي انتقل إليها عام 1925م.

وفي الجامعة الجديدة انصرف عن تدريس التاريخ وبدأ تدريس الأدب العربي الذي أحبه وقيض له أن يكون عميده بغير منازع. وعندما شرع الأستاذ الشاب يلقي محاضراته على طلابه في بداية عام 1926م في موضوع الشعر الجاهلي، بعد أن أخضعه لتأمل طويل وجعل يلقي نتائج دراسته على الطلاب أولًا بأول، بعد أن رأى ضرورة دراسة آداب وتاريخ العرب استنادًا إلى منهج علمي مستفيدًا من مذهب "ديكارت" الذي يتخذ من الشك طريقًا إلى اليقين، ووصل إلى نتيجة مؤداها أن ما أضيف إلى العرب قبل الإسلام من شعر، لم يكن لهم، وإنما نسب إليهم، فكان منتحلًا.

وبالرغم من أن قضية الانتحال في الشعر لم تكن جديدة تمامًا، فقد طرقها الأقدمون كما طرقها المستشرقون. لذلك لم يلفت الموضوع نظر أحد، ولكن لم يكد طه حسين ينشر خلاصة دراسته في كتاب عنوانه فى الشعر الجاهلي في أبريل عام 1926م حتى قامت الدنيا ولم تقعد. فأحدث نشر الكتاب عاصفة من النقد، فثارت ثائرة المحافظين وهاجمه شيوخ الأزهر واتهموه بأنه يُكذِّب القرآن الكريم وأنه يطعن على النبى- صلى الله عليه وسلم- ونسبه الشريف، وطالبوا بمصادرة الكتاب ومحاكمة المؤلف.

بعدها جُمعت نسخ الكتاب وحفظت في مخازن الجامعة، كما أثيرت المشكلة في البرلمان وطالب بعض النواب برفع دعوى عمومية ضد طه حسين وفصله من الجامعة، ومال المؤلف للعاصفة حتى تمر، عندما اتخذت المسألة بعدًا سياسيًّا بين قطبي الوزارة: الوفديين وعلى رأسهم سعد زغلول ومعه الأغلبية الوفدية، والدستوريين وعلى رأسهم عدلي يكن وعبد الخالق ثروت وهم الذين ساندوا طه حسين ووقفوا إلى جانبه.

وقد أجرت النيابة تحقيقًا مع المؤلف في مارس 1927م وأصدر النائب العام قراره بأن المؤلف لم يهدف إلى الطعن في الدين، وأن العبارات الماسة بالدين التي وردت في بعض المواضع من الكتاب، وردت في سبيل البحث العلمي، وأن القصد الجنائي غير متوفر في القضية؛ ومن ثم حفظت أوراق القضية إداريًّا، وكان حكمًا تاريخيًّا انتصر لحرية البحث العلمي، مما يشهد بأمانة وثقافة النظام القضائي في مصر. وبعد نشر هذا التقرير عرض طه حسين استقالته من الجامعة ولكنها لم تقبل. وعلى المستوى الفكري والثقافي في العام نفسه فقد ألفت كتب لتفنيد آراء طه حسين والرد عليها، كما شغلت القضية الصحافة والرأي العام زمنًا، واستمرت تثار بين الحين والآخر حتى عام 1932م.

والمعروف أن طه حسين أعاد طبع كتابه تحت عنوان فى الأدب الجاهلي عام 1927م، بعد أن حذف منه الفصول الأولى التي أثارت نقد المعارضين. كما يلاحَظ أنه بالرغم من ذلك كله لم يفقد طه حسين وظيفته بالجامعة، وإنما اختير عميدًا لكلية الآداب عام 1928م، وكان أول مصري يشغل هذا المنصب، وحين عارضت بعض السفارات الأجنبية أن يحل مصري محل العميد الفرنسى (الأوربي) وتدخل رجالها لدى وزير المعارف للحيلولة دون تولِّي طه حسين المنصب، طلب الوزير من طه حسين، الذي كان محبًّا له مقدرًا إياه، أن يعتذر عن تولي المنصب، لكن طه حسين أصرَّ على أن يعين رسميًّا أولًا ثم يستقيل بعد ذلك، فتسلم المنصب بوصفه عميدًا في الصباح واستقال منه بعد الظهر. ولكنه انتخب عميدًا للمرة الثانية بعد انتهاء فترة العميد الفرنسي في نوفمبر عام 1930م.

والمعروف أنه خلال هذه الفترة 1926 – 1932م تركزت كتاباته في الأدب، ويبدو أنه راح يستعيد سيرة حياته فأخرج لنا تحت وطأة هذه الحالة سيرته الفذة الأيام التي أملى جزءها الأول سنة 1926م واستكمل جزءها الثاني عام 1927م، كما كتب سلسلة مقالات عن رحلاته وأصدرها عام 1928م بعنوان رحلة الصيف، وكذلك أضاف فصولًا جديدة لكتاب في الشعر الجاهلي تدعم المنهج الذي طبقه، وأصدره عام 1927م بعنوان فى الأدب الجاهلي.

انتخب طه حسين عميدًا لكلية الأداب في عهد وزارة إسماعيل صدقي الأولى (يونيو 1930 – يناير 1933م)، ثم بعد ذلك تدرج في مناصب عدة كان بينها رئيسا لمجمع اللغة العربية بالقاهرة "مجمع الخالدين" الذي يكرمه اليوم بإصدار كتاب يوثق مسيرته اللغوية التي لم تر النور بعد.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved