آية ومحمد: قررنا مساعدة أطفال الشوارع فقرر آخرون أن يكرهونا فى البلد
آخر تحديث: الأربعاء 10 فبراير 2016 - 10:18 ص بتوقيت القاهرة
كتبت ــ ليلى عبدالباسط:
• والدة آية: بنتى تعلمت الفرنسية والإسبانية وقررت محو أمية السجينات بالقناطر ورفضت التنازل عن جنسيتها المصرية
• شقيقة محمد: أول حاجة يسألنا عليها فى الزيارة هى أطفال المؤسسة الذين يحبهم كأبنائه
أرسلت آية حجازى مؤسسة منظمة «بلادى.. جزيرة الانسانية» لرعاية الأطفال بلا مأوى، والمحبوسة منذ 1 مايو 2014 بسجن القناطر رسالة شفهية عبر والدتها تؤكد فيها براءتها من تهمة الاتجار بالبشر التى تواجهها حاليا، بعدما منعت إدارة السجن دخول الأوراق والخطابات لها، لاسيما عقب إرسالها رسالة لزوجها محمد حسانين المحبوس بنفس القضية فى سجن طرة، مع 6 آخرين.
التقت «الشروق» مع والدة آية وشقيقة محمد، الذى وجه رسالة شفهية هو أيضا عبر شقيقته، قال فيها: «قررنا نساعد أولاد شوارعنا، فقرروا يكرهونا فى بلدنا، فقررنا نحبها اكتر».
بدأت حكاية آية ومحمد أواخر عام 2011 بعد أن جمعتهم مبادرات مثل تنظيف الشوارع، ومناهضة التحرش، تقول بوسى شقيقة محمد: «محمد وهو صغير كان بيحب يعلم الاطفال وبيعمل نشاطات ليهم بقصر ثقافة روض الفرج، لما كان قاعد مع جدتنا بيراعيها»، تلتقط والدة آية طرف الحديث قائلة: «بنتى كمان كانت بين السفر لمصر وأمريكا علشان تراعى جدتها المسنة، والاثنان بينهما صفات مشتركة فى حب الخير ومساعدة الانسان».
عندما قرر آية ومحمد الزواج لم يهتما كأى عروسين بتفاصيل الجهاز والفرح والشبكة والمهر والصينى والنجف، حيث استثمرا نقود الزواج فى «بلادى»، واستأجرا بيتا مفروشا للعيش فيه، ولتوفير النفقات لمقر «جزيرة الانسانية» بشارع محمد محمود بالتحرير، «كانوا شايفين إن مؤسسة بلادى طريقة مختلفة تتقدم بيها عن الانقسام والكراهية والمظاهرات، من خلال تأهيل وتنمية أطفال الشوارع»، تقول والدة آية.
تحكى بوسى عن فرحة محمد أثناء تدشين المؤسسة وبدء النشاطات فى فترة يناير وحتى مايو 2014: «مكناش بنشوفه بس كنا عارفين انه مبسوط وبيحقق حلمه، ولما كانت ماما تقوله عايزينك تخلف ونشوف عيالك، يقولها انه عنده 20 طفل زى ولاده»، فى إشارة لأطفال المؤسسة.
كأى أم كانت والدة آية تخشى عليها من خطورة التعامل مع هؤلاء الأطفال، لكن آية كانت تطمئنها: «الأطفال جواها طيبة مش عند حد، وظروفهم هى اللى خلتهم كده، ومحمد معايا وبنقدر نخليهم يعبروا عن العنف اللى جواهم بسبب المجتمع، بطرق ايجابية زى الرسم والحوار».
تتابع والدة آية: «فى عيد 2013 خرجنا فى زيارة لدار للأطفال من ذوى الاحتياجات الخاصة، وكان محمد بيعرف يتفاهم ويلعب مع الأطفال، بنتى الكبيرة طبيبة نفسية قالت وقتها، محمد أشطر منى فى التعامل مع الاطفال».
تؤكد الأم أنهم كانوا سعداء بما يقدموه للأطفال واعتبروا أن مؤسسة بلادى هى التطبيق العملى لدراسة الحقوق.
آية في ملابس الحبس الاحتياطي
لم يعرف الزوجان أن الحلم سيتحول لكابوس، وستوجه المحكمة للزوجين و6 آخرين من المتطوعين بالمؤسسة، تهم هتك عرض أطفال، واستعمال القوة والعنف والتهديد والاختطاف والاستغلال الجنسى لتصوير مواد إباحية، فضلا عن احتجاز الأطفال فى مكان «قصى عن الأعين» وتعذيب بعضهم بدنيا، والتعدى عليهم بالضرب لإجبارهم على ممارسة الفجور والجنس والمشاركة فى التظاهرات.
بدأ الكابوس عندما قام شخص يدعى جودة أبوضياء باقتحام مقر المؤسسة بشارع محمد محمود بالتحرير، للبحث عن ابنه المختفى، ورغم نفى الموجودين بالمؤسسة وقتها وجود الطفل لديهم، قام الشخص بتكسير المقر بمعاونة مجهولين معه، والتوجه لقسم شرطة عابدين لتحرير محضر ضد القائمين على المؤسسة واتهامهم بخطف ولده.
كان ذلك فى الوقت الذى توجه شريف طلعت أحد المتطوعين بالمؤسسة لنفس القسم، لتحرير محضر بالاعتداء، ورغم أن المؤسسة حصلت على الاوراق الرسمية من وزارة التضامن منذ ديسمبر 2013، تفيد تسجيلها ويقف الأمر على رقم الاشهار، إلا أن ضابط المباحث توجه للمقر لمعاينة الحادث وقبض على الموجودين والاطفال وأغلق المقر بالشمع الأحمر.
ورغم كل ذلك لم ييأس محمد أثناء وجوده بالسجن، وما زال يصر على تحقيق حلمه، وتوسيع مشروعه ليكون كيانا كبيرا يعمل على تأهيل الأطفال دون مأوى، فبحسب شقيقته: «أول حاجة يسألنا عليها فى الزيارة أطفال المؤسسة، لأنه كان بيحبهم كأب».
تشير بوسى إلى زيارة أحد أطفال المؤسسة لمحمد فى قسم الشرطة، وبكائه له بسبب حبه الشديد لشقيقها، قائلة نقلا عنه: «مافيش حاجة أثرت فيا من حبس وبهدلة غير دموع الطفل»، كما تشير والدة آية إلى أن ابنتها عندما حاصرها اليأس ذات مرة طلبت فى إحدى الزيارات صورا لأطفال المؤسسة فى أثناء الرحلات لتذكر شكل ابتسامتهم.
تؤكد الأم أن برنامج المؤسسة يعتمد على التواصل مع أهالى الأطفال قبل توجههم للمؤسسة، واخضاعهم لبرنامج تأهيلى، لافتة إلى أن المؤسسة نجحت فى إعادة أطفال لبيوت ذويهم بعد اصلاح سلوكهم العدوانى، فضلا عن ظهور تلك النماذج الناجحة ببرامج تليفزيونية ومحاضرة بالجامعة الامريكية.
السجن لم يمنع آية محمد من استكمال مسيرتهم وتحقيق أفكارهم التنموية، فقامت آية بمحو أمية السجينات، فضلا عن تعلمها اللغتين الفرنسية والاسبانية من سجينتين جزائرية وبوليفية، فضلا عن تعلمها الرسم والكورشيه لتصمم لزوجها شالا من الصوف لحمايته من برد الزنازين، حسبما قالت الأم.
ووفقا لشقيقة محمد، فإنه يقضى السجن بتعلم الرسم من أحد المتهمين معه بالقضية يدعى شريف، ويستمر فى التفكير فى مشروعه وكيفية تنميته ليصبح مؤسسة ترعى، ليس فقط أطفال الشوارع بمصر، بينما الأطفال اللاجئين، لإيمانه أن الحروب بالمنطقة العربية هى من أهدرت براءة أطفالنا.
تنفى والدة آية رغبة ابنتها بالتنازل عن الجنسية المصرية والاكتفاء بالجنسية الامريكية للخروج من القضية، مثلما حدث فى قضية خلية الماريوت لصحفى الجزيرة محمد فهمى، قائلة: «عندما طرح هذا الاقتراح رفضت آية أن تنجو بنفسها دون زوجها وأصحابهم الستة والتنازل عن حلمهم، لاسيما تأكدهم من برائتهم».
تكمل والدة آية فى آخر حديثها للشروق جزءا من رسالة ابنتها بنبرة خانقة ودموع تأبى السقوط: «آية اختارت تبتدى حياتها بتنضيف الزبالة، ولمت ولادنا اللى فى الشوارع منسية، مش ممكن بعد ده كله تبقى خاينة وعميلة امريكية».
أقرأ أيضاً :
تقرير الطب الشرعى لأطفال «جزيرة الإنسانية»: لم يتعرضوا لعنف أو اعتداء جنسى فى المؤسسة