التراث والإنسانية قضيته.. محمد عبلة يرفض أعلى وسام في ألمانيا لدعمها إسرائيل

آخر تحديث: الأحد 10 مارس 2024 - 2:35 م بتوقيت القاهرة

الشيماء أحمد فاروق

تصدر اسم الفنان التشكيلي المصري محمد عبلة عناوين الصحف، بعد أن أعلن عن تسليم وسام جوتة الذي حصل عليه قبل عامين إلى الحكومة الألمانية، احتجاجاً على الموقف الرسمي الألماني من الحرب على غزة، التي وصفها بالمذبحة والمأساة الإنسانية المروعة.

- ترحيب واستحسان.. ردود فعل على موقف عبلة

أعلن عبلة عن موقفه في بيان نشره عبر صفحته على فيسبوك، وأدان فيه الموقف الرسمي للحكومة الألمانية تجاه المذابح والإبادة التي يتعرّض لها الشعب الفلسطيني، من خلال دعمها المطلق وغير المشروط لمن يمارسون القتل والتطهير العِرقي تجاه مدنيين عُزل، وغالبيتهم من الأطفال والنساء.

وقال: "لا يستقيم أن أظلَّ محتفظاً بهذا الوسام رغم قيمته الأدبية، وبات لزاماً عليّ التبرؤ منه، متخيلاً أن الشاعر العظيم جوته لو كان بيننا الآن لأيّد موقفي هذا ودعمه، بل تبرأ من موقف حكومته لأن كل ما أنجزه من إحياء لقيم الكرامة الإنسانية يذهب الآن هباءً".

أحدث بيان عبلة ردود فعل متتالية قوية، مرحبين بهذا القرار، ومن بينهم الأديب المصري إبراهيم عبدالمجيد الذي كتب واصفا عبلة بـ"الفنان العظيم صاحب المواقف النبيلة" على صفحته الشخصية عبر منصة X، وعلّق المُترجم المصري سمير جريس، وكتب عبر فيسبوك: "أتفق معك".

كما علق الكاتب الصحفي حمدي رزق في مقال خاص بعنوان ضمير عبلة، وقال: "عبلة يعبر بصدق عن الضمير الثقافي المصري والعربي والعالمي -الإنساني بوجه عام- الضمير المصدوم في مواقف دول متحضرة، تُحدثك عن مستقبل أكثر إنسانية، وهي تدهس الأرواح البريئة تحت أحذية سياسييها اللامعة، دون أن تجفل أو تحفل بأي معانٍ إنسانية كالتي تتحدث عنها أوسمتها وعناوينها الثقافية البراقة"، متابعا، "الفنان الكبير محمد عبلة لم ينم على ضيم، ولم يخاتل، ولم يوالس، لا يكذب ولا يتجمل، الصدق عنوانه، لم يحتمل ضميره فجاجة الازدواجية الغربية، الألمانية نموذجًا، يعلنها صريحة، احتجاجًا على عدم المساواة والكيل بمكيالين".

- متى حصل عبلة على هذا الوسام

في 28 أغسطس 2022، خلال احتفالية كبرى في مدينة فايمار الألمانية، وفي حضور أنالينا بيربوم، وزيرة الخارجية الألمانية، وبنيامين إيمانويل هوف، وزير الشئون الثقافية والمحلية والأوروبية، كرمت رئيسة معهد جوته كارولا لينتز الفنان التشكيلي المصري محمد عبلة، كأول فنان عربي يحصل على وسام جوته.

وقالت لينتز فى حفل تكريم عبلة، في إشارة إلى المبدعين الملهمين الذين حصلوا على التكريم: "إنهم يدعمون الأمل بأن يسهم التبادل الثقافي الدولي خلال الأوقات الصعبة في خلق مستقبل أكثر إنسانية، وأتمنى أن يكون حصولهم اليوم على وسام جوته دافعًا لهم لمواصلة عملهم".

كما كان للكاتب والمترجم الألماني شتيفان فايدنر كلمة منشورة على المنصة الرسمية لمعهد جوتة، عن الفنون محمد عبلة، قال في جزء منها: "من أكون أنا حتى أجرؤ على الوقوف هنا والتحدث عن محمد عبلة في 5 أو 6 دقائق -هذا هو كل الوقت المُتاح لي- وأتصوّر بجدية، أنني قد أشدتُ به بما يكفي؟، تخيلوا لو أن شخصاً وقف، على سبيل المثال في عام 1960، أمام بيكاسو، وكان لديه 5 دقائق لتقديم هذا الفنان إلى جمهور يجهله تمامًا، كيف يمكن لهذا الشخص أن يُنصف بيكاسو".

واحتفت الأوساط الفنية المصرية بحصول عبلة على هذا الوسام حينها، بوصفه أول فنان تشكيلي عربي يحصل عليه، ووسام جوتة هو أرفع وسام تمنحه ألمانيا للشخصيات المؤثرة في مجالها، وقد حاز الوسام من قبل الشاعر أدونيس، وكذلك الدكتور عبدالغفار مكاوي من مصر.

- محمد عبلة.. تاريخ من الفن والحفاظ على التراث

ولد محمد عبلة في بلقاس بمدينة المنصورة عام 1953، وتخرج في كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية عام 1973، وحصل على دبلوم كلية الفنون الجميلة عام 1978، ودرس في كلية الفنون بزيورخ في سويسرا وتخرج منها عام 1981، وعمل أستاذاً زائراً للفنون ا في مدرسة أوربرو بالسويد، وأقام عدداً من المعارض الخاصة وحصل على جوائز عن أعماله المشاركة في بينالي الكويت وبينالي الإسكندرية "1996-1997"، وفي ترينالي الجرافيك بالقاهرة عام 2000 كما فاز تمثاله سيزيف في مسابقة ألمانية، والجائزة الشرفية في ترينالي مصرالدولي الثالث لفن الجرافيك 1999.

شغل عبلة مناصب كثيرة، منها مدير قاعة الفنون التشكيلية بدار الأوبرا المصرية، وأستاذ زائر للفنون بمدرسة أوربو في السويد، ورئيس مجلس أتيليه القاهرة.

ولعبلة إسهامات فنية مهمة ليست فقط على مستوى الفن التشكيلي، ولكن أيضاً في إثراء الثقافة والحفاظ على التاريخ الفني المصري، من خلال المتحف الذي أسسه في قرية تونس بمحافظة الفيوم، وهو متحف خاص بفناني الكاريكاتير المصريين على مدار التاريخ الحديث، وينقسم المتحف إلى عدة غرف، غرفة تحكي عن تاريخ المتحف نفسه وتأسيسه والذي أنشأ بجهود ذاتية تماما من عبلة، وأخرى تضم مجموعة من رسوم الكاريكاتير السياسية، بينما خصصت غرفة لتضم رسومات مصر عبر العصور بدءا من القرن الماضي.

نشاط عبلة مازال مستمرا، ويشارك في أنشطة فنية مع أجيال مختلفة من الفنانين التشكليين، ومن بين أبرز النشطة التي تحاول الحفاظ على التراث وتوثيق المناطق المصرية الغنية بالتاريخ، مشاركة عبلة مجموعة من الفنانين في مرسم مفتوح داخل شوارع منطقة الدحديرة، في الحطابة، للتوثيق البصري التشكيلي للمنطقة المُهددة بالإزالة.

وقال في تصريحات عن المشروع لـ"الشروق"، في يونيو الماضي: "في مجموعة من البشر يحاولون التأكيد أن لديهم انتماء، يعبرون عن رغبة بداخلهم من خلال محاولات التسجيل، نحن نحاول أن ننقل إلى الناس هذه الحالة الاجتماعية المتمثلة في تراث له طابعه، لأننا لا نملك غير ذلك في مواجهة الهدم واختفاء الأماكن، على الأقل نحاول حفظها من خلال الرسم لأنه يتسرب إلى النفوس، واتمنى وأدعوا إلى مزيد من المشاركة والاهتمام بالتوثيق لأننا سوف نندم فيما بعد، نندم على أشياء كانت قائمة وتلاشت ولم نعيرها اهتماماً، ولذلك يمكن اعتبار ما نقوم به محاولة لإبراء الذات، على الأقل شاهدنا أماكن قبل إزالتها، واعتقد أن هذا دوري".

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved