«الشروق» تسأل نشطاء ومثقفين عن مخاوف لحظة انتقال السلطة (1ــــ 4)
آخر تحديث: الأحد 10 يونيو 2012 - 1:14 م بتوقيت القاهرة
دينا عزت
إيناس مكاوى.. هى إحدى مؤسسات حركة «بهية يا مصر»، المنظمة النسوية التى جاءت نشأتها بعد ثورة 25 يناير من قبل مجموعة من المشاركات فى الثورة.
وهدف الحركة لم يكن فقط السعى نحو تحصين ما لدى المرأة من قليل من الحقوق والسعى لتعظيمها، ولكن بالأساس هو تأكيد أن مشاركة المرأة فى ثورة يناير كانت تعبيرا عن خيار أوسع للمرأة بالتواجد على ساحة الفعل السياسى والاجتماعى وعلى عزمها الاستمرار فى هذا النهج.
وأيضا لضمان أن تأتى إعادة صياغة مفردات واقع ومستقبل مصر ما بعد الثورة متوافقة مع رؤى وآمال النساء اللائى شاركن فى تحويل التغيير من حلم لواقع يتحقق.
● فيما يتعلق بحقوق المواطنة بصفة عامة وحقوق المرأة بصفة خاصة، فإن اللحظة الحالية هى لحظة شائكة ومريبة، حيث كرست الفترة الانتقالية، بصفتها الفترة «الانتقامية» من المرأة المصرية وحقوقها المنقوصة أصلا، فكرة السعى للنيل من هذه الحقوق التى جاءت بعد عمل شاق عبر عقود متتالية، ولم ترق بحال ليس فقط لما تستحقه المرأة المصرية صاحبة التاريخ النضالى الممتد، بل حتى لما تعهدت به مصر كدولة فاعلة فى المجتمع الدولى من خلال مواثيق وتعهدات.
● المرحلة الانتقالية كان لابد وأن تدار فى إطار يهدف لتحقيق متطلبات أساسية للمواطنين المصريين بصفة عامة وللمرأة بصفة خاصة، بعد أن تحملت المرأة عبر عقود غبنا زائدا بوصفها الكيان الذى يقع عليه دوما عجز الدولة عن تلبية متطلبات أساسية لمواطنيها، بما فى ذلك الخدمات الاساسية والحيوية مثل الصحة، خاصة فى المناطق الريفية والمهمشة.
لكن هذا لم يحدث، وخاصة فيما يتعلق بالمرأة، لأن المرحلة الانتقالية لم تسهم كما كان ينبغى لها ان تسهم فى التصدى للانتكاسات والسلبيات التى عاشها المواطنون والمواطنات لأن من أدار المرحلة الانتقالية سعى، لأسبابه ومقاصده، أن يبقى الدولة فى ثوبها القديم، بينما سعى البعض، أيضا لمقاصده، ان يلبس الدولة ثوبا مختلفا، وليس بالضرورة جديدا.
كما لو أن هناك توافقا مجتمعيا قد تحقق من خلال دستور جديد يسمح لمن يسعى لإدخال مصر فى هذا الثوب المختلف، الذى ينفض عن مصر ومكتسباتها، وما حققته النساء اللائى شاركن فى الثورة بشكل أساسى كجزء من السعى للتغيير نحو الافضل، فجاءت الثورة حاملة فى ذاتها لبصمة هذه النساء.
● بدلا من تمجيد مستحق للمرأة جاء الانقضاض على حقوقها جزءا من الثورة المضادة التى تسعى، من خلالها اطراف متعددة، للنيل من الحقوق، ومما أسهم فى ذلك عسكرة الوضع وكذلك البرلمان بشكله الحالى الذى يعبر عن مفهوم الغلبة وليس الأغلبية.
● نحن نعلم ان الفقه متعدد وأن المذاهب والرؤى تتوافق وتتفق وتختلف، وانه ليس هناك من يتكلم باسم الله، وأن الشريعة الإسلامية عاشت عقود تنوير، وعاشت أيضا وتم استغلالها خلال عقود ظلامية ارتفعت فيها منظومات قيمية مرتبطة بمجتمعات بعينها ليس من بينها المجتمع المصرى، ولا تعبر بالأساس عن وضع المرأة المسلمة الرفيع فى ايام الرسول، ولا عن الصورة الحضارية التى طرحها الإسلام لشكل المجتمع والمرأة فيه.
● إن استمرار هذا التوجه فيما بعد المرحلة الانتقالية سيتسبب بالتأكيد فى خلخلة بالغة فى منظومة الحقوق المجتمعية كما أنه يمكن أن يضع مصر فى إطار الدول التى تخل بتعهداتها الدولية، وما يعنيه ذلك هو ضرر بالغ لصورة الدولة بل، وربما ما هو أكثر من ذلك، بصورة تراكمية، من حيث التحرك فى اتجاه العزلة عن المجتمعات المتقدمة التى تؤسس لحقوق مواطنيها الكاملة، بما فى ذلك النساء بالتأكيد.
● المأمول أن يأتى انتهاء المرحلة الانتقالية ــ الانتقامية ــ بنهاية هذه الموجة من الهجمة على حقوق النساء التى بدأت بمحاولة اسقاط الحق الشرعى المكتسب قانونا للنساء فى اطار الخلع، وهى المحاولة التى سقطت فى اللجنة التشريعية من خلال الدور الثابت والمستنير لممثل الأزهر، وما تلى ذلك من محاولات رفع التجريم المفروض على بتر الأعضاء التناسلية للنساء (الختان) وحرمان النساء من مكتسبات قانونية لحق الحضانة، بل ومحاولة تزويج الفتيات الطفلات فى سن 12 عاما، بما يفتح الباب للإتجار بالفتيات الطفلات من خلال عقود تزويج وهمية، وهى المحاولة التى نفاها من أعلم أنه بادر بالتحدث عنها فيما يدل على أن الانقضاض على المرأة لن يكون بالأمر السهل مهما تكاثرت القوى.
● إن هذه الحقوق لم تكن منحة من حاكم أو نظام، بل جاءت نزولا على سعى النساء المستمر وإصرارهن للحصول على هذه الحقوق وجاءت فى الأطر التشريعية والدستورية المعمول بها.
● إن طرح هذه الأفكار الرجعية والصادمة جاء فى أعقاب ثورة دعت للحرية والانصاف والعدالة، ولذا فهو فى رأى جزء من الثورة المضادة، ولقد كانت هناك محاولات مماثلة لإضفاء الرجعية والظلامية على المجتمع المصرى من خلال قهر النساء فى أعقاب ثورة 1919 وهى المحاولة التى وأدها المجتمع، وليس النساء فقط، فى تعبير عن ادراك ان المرأة المصرية لا يمكن ان تقهر، خاصة اننا نتكلم عن مجتمع تعيل فيه النساء بمفردهن تماما ما يزيد على ثلثه وتشارك النساء فى اعالة نحو ثلث آخر فى وقت تتمركز فيه اغلبية العمالة النسائية فى القطاع غير المنظم مما يجعلهن بعيدا عن أى شكل من أشكال الضمان أو الرعاية وعرضة لمختلف أشكال الغبن.
● أشعر بقلق بالغ إزاء أمرين أن تكون الدولة القادمة ــ والتى ليس لها بعد من دستور ولا نعلم متى سيكون لها هذا الدستور ــ ستدار تحت مظلة عسكرية ــ دينية مشتركة او احداهما، لأن كلتيهما تمثل تهديدا على حقوق المواطنين، خاصة حقوق النساء فى المجتمع.
● الحل الأوحد من وجهة نظرى، أن تسير مصر فى اتجاه بناء الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة الناهضة، التى لا تعزل مجتمعها بنسائه كما برجاله عن التطور الحداثى للعصر، والتى تحسن قراءة النص الدينى بوصفه نصا مؤسسا للحقوق وليس متعديا عليها، وتدرك أن النيل من حقوق المواطنين تحت أى مسمى هو تأسيس لدولة الطغيان التى يخبو فيها المجتمع وتتراجع فيها مكانة الدولة وإمكاناتها بما فى ذلك السياسية والاقتصادية، فى حين أن مطالب الثورة الأساسية كانت العدالة.
أريد يوما وأتمنى ألا يكون بعيدا بسنوات كثيرة، أرى فيه خالد على، ذلك المحامى الحقوقى الذى وهب نفسه للدفاع عن ابناء وطنه، والذى ثار معنا يدا بيد وكتفا بكتف فى المظاهرات، رئيسا لمصر.