سيد درويش.. نغمة موسيقية أرخّت لقضايا وهموم المصريين

آخر تحديث: الخميس 10 سبتمبر 2020 - 5:25 م بتوقيت القاهرة

محمد حسين

تمر اليوم 10 سبتمبر، ذكرى رحيل الفنان الكبير سيد درويش، والذي رحل في عمر صغير فلم يكن تخطى 32 عاما؛ لكنه برغم تلك الرحلة القصيرة استطاع أن يخلد اسمه كواحد من أبرز رموز الموسيقى العربية.

ولد درويش بالإسكندرية بعد عشر سنوات من قدوم الاحتلال الإنجليزي لمصر، ورأى في طفولته مشاهد قاسية لجرائم الاحتلال ضد المصريين؛ لذا مع احترافه للموسيقى أبدع في تلحين وغناء روائع وطنية، كانت تلهب المشاعر الوطنية، وتشد من أزر المقاومة المصرية ضد الاحتلال الإنجليزي.

ومن المعروف، أن اللحن الجميل في حاجة لكلمات بديعة ومعبرة؛ لذا كان تاريخ سيد درويش مشتملا على محطات تعاون هامة مع كبار مبدعي تلك الفترة الزمنية.

بديع خيري

مع بداية القرن العشرين، بدأ اسم سيد درويش يلمع في الإسكندرية بغنائه مع الفرق الموسيقية بالمقاهي الشعبية، لكن وصلته عديد من النصائح بأن يرتحل للقاهرة؛ حيث تتاح له فرصة أكبر لتقديم موهبته الكبيرة لجمهور أوسع.

وبالفعل مع استقراره بالقاهرة، بدأ الطريق يضيء له، وذلك بتعرفه على جورج أبيض الذي يتفق معه على تلحين مسرحية "فيروز شاه"، ومن تلك المرحلة يقوم القدر بدور كبير؛ حينما تصادف وجود الكاتب الكبير بديع خيري في صالة عرض المسرحية في أحد الليالي، ويسأل عن صاحب الموسيقى وتعرف على سيد درويش واحتضنه في أول لقاء وكأنه وجد ضالته.

ويتعاقد سيد درويش مع نجيب الريحاني الذي كانت تربطه شراكة وصداقة مع بديع خيري ويتفقان على أن يتولى درويش تلحين كافة مسرحيات فرقة الريحاني، وذلك كما جاء في مذكرات بديع خيري، التي نشرها" المجلس الأعلى للثقافة" في 1996.

وكان هذا التعاون متميزا وسابقا لزمانه؛ حيث قدمت أغنية "بنت مصر" في أحد المسرحيات تنادي بحقوق المرأة، والتي جاء في بعض كلماتها: "البنت تفضل محبوسة.. قال جوه بيتها يكون أظبط.. لحد ما تبقى عروسة بدال ما تفضل تتنطط ..العفو العفو يا سلام يا سلام يا إخوانا.. دي العبرة ماهيش في جوة و لا برّة".

وتزامنا مع القضايا المجتمعية الأخرى في تشابكها مع السياسة، قدّم سيد درويش وبديع خيرى واحدة من أنجح أغنياتها وهي أغنية «سالمة يا سلامة» التي كتُبت للجنود المصريين الذين عادوا من «الجهادية» بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، وتقول كلماتها: «سالمة يا سلامة آه يا سالمة يا سلامة سالمة يا سلامة روحنا وجينا بالسلامة».

وتصل ذروة الإبداع، تزامنا مع الغضب الشعبي في ثورة 19، بكلمات لا زالت تستخدم حتى يومنا هذا ، والتي تقول «قوم يا مصري، مصر دايما بتناديك خد بنصري، نصري دين واجب عليك يوم ما سعدي (إشارة لسعد زغلول) راح هدر قدام عينيك عد لي مجدي اللي ضيعته بأيديك».

يونس القاضي.. مشاكسة الإنجليز وتعاون أثمر النشيد الوطني لمصر

لم يكن المظهر بـ«العمامة الأزهرية» هو القاسم المشترك الوحيد بين سيد درويش والشاعر يونس القاضي، بل جمعهم شعور وطني واحد تجاه قضية الاستقلال الوطني، ودعم كبير لرموز الحركة الوطنية وعلى رأسهم سعد زغلول.

ومع اندلاع ثورة 19، وحسبما ذكرت الدكتورة إيمان مهران في كتابها "يونس القاضي مؤلف النشيد الوطني المصري وعصر من التنوير" الصادر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة في 2012، أصدرت السلطات الإنجليزية قرارا بالحبس ستة أشهر والجلد عشرين جلدة لمَن يكتب أو يذكر اسم "سعد زغلول". في تلك الظروف، قام يونس القاضي بالتحايل على الرقابة، فاستعمل اسم "سعد زغلول" ضمن مسرحياته وأغنياته بشكل فكاهي الفلكلوري مثل "يا بلح زغلولي يا حليوة يا بلح..يا زرع بلدي عليك يا وعدي.. يا بخت سعدي"، التي غنتها نعيمة المصرية ولحنها سيد درويش.

وتمثل مرحلة التعاون بين الشيخين نقلة هامة في تاريخ الموسيقى العربية، وذلك كما أكدت الدكتورة سمحة الخولي في كتابها «رحلتي مع الموسيقى» ؛ فقل درويش والقاضي كانت الأغنية تعتمد بشكل أساسي على الحب والشجن، لكن من أشد مظاهر التجديد ظهرت في التقاط القاضي لعبارة الزعيم مصطفى كامل «بلادي بلادي لك حبي وفؤادي» ليستكملها وتتحول إلى واحد من أهم ألحان سيد درويش، والذي صار نشيدا وطنيا لمصر منذ 1979 بعد أن قام الموسيقار محمد عبد الوهاب بإعادة توزيع اللحن.

وتأكيدا على عبور الكلمات الألحان الصادقة للأجيال، ما زال جميعنا يطرب وجدانه حينما يستمع لـ "أهو ده اللي صار وآدي اللي كان.. مالكش حق تلوم عليّ" فلحن درويش صار خالدا مناسبا أن يغنيه مطربي كل الأجيال وأثره لدى مستمعيه لم يتغير.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved