هدى نجيب محفوظ لـ«الشروق»: التسامح والحلم أهم صفات والدي

آخر تحديث: الخميس 10 ديسمبر 2020 - 10:08 م بتوقيت القاهرة

حوار ــ شيماء شناوي:

♦ واجه الشائعات التى كادت تودى بحياته بحكمة.. وتتويجه بنوبل ورفضه لفتوى إهدار دم صاحب «آيات شيطانية» أجج نيران الغضب ضده
♦ كان عاشقًا لكتب التراث وأشعار العرب القدامى.. وأحب مؤلفات سارتر وهمنجواى وتولستوى وديستويفسكي
♦ اعتاد قراءة عدة كتب فى مجالات مختلفة بنفس الوقت
♦ ذكرياتى مع والدى تحتاج مجلدات.. ومشهد خروجه لإطعام الحيوانات بالشارع لا يمكن نسيانه
♦ غير صحيح أن والدى كان يحلم بإنجاب ولد فالتفرقة ليست من شيمه.. والحمل الأول لوالدتى كان ذكرا لكن الله استرده
♦ العدالة الاجتماعية هى الحلم المفقود فى أحلام والدى

بين صفات كثيرة تمتع بها الأديب نجيب محفوظ، وعرف بها تبقى صفة «العطاء» هى الأكثر قربًا بمسيرته الإبداعية الممتدة والثرية بما قدمه من مؤلفات تعددت الـ 56 نصًا سرديًا، قفز بها صاحب نوبل من الكتابة عن طابع الحارة المصرية بمحليتها إلى الكتابة عن النفس البشرية بعالميتها.

إذًا تبقى الكتابة عن سحر حكايا «محفوظ» وعبقرية إبداعه، وفرادة إنتاجه الأدبى الذى شكل الوجدان المصرى، ورسم خريطة الإبداع العربى، واكتملت بعوالم مؤلفاته لوحة الأدب العالمى، دربًا من غير الممكن الوصول إلى نهايته. ولذا وفى الذكرى الـ 109 لميلاد الأديب الفريد ومع هذه المساحة المخصصة بمناسبة إحياء ذكراه؛ تلقى «الشروق»، الضوء على الجانب الإنسانى فى حياة الأستاذ مسترشدة فى رحلتها تلك بـ«هدى» ابنته والقنديل المضيء فى رحلة استكشاف ملامح حياة النجيب، فليس ما هو أهلًا منها وأصدق قولًا فى الحديث عن الإنسان نجيب محفوظ.

♦ ما الموقف أو المشهد الذى تتذكرينه دومًا لوالدك ولا يفارق ذاكرتك؟
♦♦ ذكرياتى مع والدى كثيرة وتحتاج مجلدات لاحتوائها.. لكن ربما يبقى مشهد عطفه على الحيوانات الأكثر تأثيرًا فى ذاكرتى، إذ كان يحرص دائمًا وبصورة يومية على الخروج بطعام من أجلهم.

♦ برأيك ما القيم الإنسانية التى كان يتمسك بها ولا يمكن التعايش بدونها؟
♦♦ التسامح.. إذا كيف لرجل لا يتمتع بتلك الصفة أن يقبل أن يستضيف فى مجلسه رجل آخر أساء له بصورة وصلت إلى حد الشتيمة فى الصحافة. وبمجرد أن طلب حضور المجلس بعد فوزه بالجائزة وافق على الفور. وهى الشهادة التى قصها علينا الروائى الراحل جمال الغيطانى. وبالإضافة إلى قيمة التسامح فإنه كان يتمتع بصفة الحلم كانت من أهم صفات والدى، ولهذا أجد صعوبة فى الإمساك بلحظة خرج فيها عن شعوره أو ثار غضبه إزاء أمر ما.

♦ وإلى أى مدى تتعاملين بعد رحيله بنفس صفات التسامح والحكمة؟
♦♦ فى حياة والدى لم يكن هناك مبرر للظهور أو الرد، فهو حر فى نمط حياته واختياراته إنما بعد وفاته ومع تزايد الحكايات التى وجدت أن مدعى الصداقة الذين يتكسبون من وراء اسمه يختلقونها وتصريحاتهم البعيدة تمامًا عن الصحة، أصبحت مضطرة للظهور لتصحيح المعلومات الخاطئة المتعمدة بهدف الإساءة، إنما أصدقاؤه الحقيقيون كانوا إما من «الحرافيش» أمثال «أحمد مظهر، صلاح جاهين، مصطفى محمود، بهجت عثمان، محمد عفيفى، توفيق صالح، عادل كامل، أو من رفاق تجربة الكتابة فى الأهرام أمثال توفيق الحكيم، وثروت أباظة، وغيرهم من الذين لم يستغلوا اسمه، وكان هناك من يسميهم والدى أصدقاء الندوة، ويبقى من بين هؤلاء جمال الغيطانى، ورجاء النقاش، وهم أكثر من كتب عنه بأمانة وراعوا دقة الكلمة.

♦ إن كنا بصدد مشاهدة فيلم سينمائى يصف يومًا فى حياة نجيب محفوظ.. كيف ستكون مشاهده؟
♦♦ يوم فى حياة والدى سيختلف بحسب مراحله العمرية. ووفقُا لحالته الصحية؛ المؤشر الرئيسى لمدى نشاطه، وإن كان نشاطا بدنيا أو عقليا، خاصة بعد إصابته بمرض السكر، ثم معاناته نتيجة ضعف البصر والسمع. لكن مع ذلك فهناك الكثير من العادات التى فشل المرض فى جعل والدى يتنازل عنها كروتين يومى منها الاستيقاظ المبكر وتناول الإفطار فى المنزل، والذهاب إلى عمله بمؤسسة الأهرام والعودة منها سيرًا على الأقدام، والرفض القاطع لكل نقاش يقوده إلى فكرة امتلاك سيارة.
كذلك حرصه على تخصيص مواعيد منتظمة «مقدسة» لتناول الغداء و«القيلولة» بين الثانية والرابعة ظهرًا، لمتابعة مهامه ومتعته فى ممارسة الكتابة وشغف القراءة، حتى الثامنة والنصف مساءً. قبل أن تتغير هاتان العادتان نتيجة ضعف النظر؛ إذ أصبح يكتب فى الصباح، ويخرج أثناء الظهيرة للجلوس فى أماكن مفتوحة كبديل عن ممارسة فعل القراءة التى أصبح من العسير عليه ممارستها. ففى السنوات العشر الأخيرة أوقفه ضعف النظر عن القراءة بصورة كاملة.

♦ «أكبر هزيمة فى حياتى هى حرمانى من متعة القراءة بعد ضعف نظري».. هذه عبارته وربما اعترافه.. كيف تجاوز عمليًا ونفسيًا هذا الحرمان من الكتابة والقراءة؟
♦♦ العزيمة هى الوصف الأدق لمواجهة ما حدث له؛ إذ استمع إلى نصيحة طبيبه المعالج بعد حادثة الاغتيال فى التدريب على الكتابة من جديد وبالفعل فعلها وهو بعمر أربعة وثمانين عامًا، وظل يكتب فى دفتر وراء آخر، وفى تلك الدفاتر خرجت للنور «أحلام فترة النقاهة»، وهى دفاتره التى أهديتُها للمتحف الخاص به فى تكية أبوالدهب.

أما فيما يخص القراءة وكان بصره ونظره بدأ فى الضعف قبل الحادثة، فكان يستعين عليها بالصوت الجهورى لـ«الحاج صبرى»، سكرتير الكاتب الكبير ثروت أباظة؛ إذ كان يأتى كل صباح لمدة ساعتين يقرأ له الصحف أو ما يشاء من مؤلفات، وقد استعان به لكتابة أجزاء من «أحلام فترة النقاهة» واستمر الحاج صبرى فى مهمته بعد الحادثة فى 1995. كما كان يستعين ببعض أصدقائه خلال الندوات التى تجمعهم.

♦ محاولة الاغتيال كانت حدثا جللا لقرائه ومحبيه.. كيف تعاطيتم كأسرة معها؟
♦♦ لهذه قصة أخرى، ربما يجوز تسميتها بـ«رب ضارة نافعة»؛ ففى الوقت القصير اللاحق لوقوع الحادثة زار منزلنا صحفى أجنبى، وأثناء حواره مع أبى تطرق إلى موضوع الحادثة، وإذ بأبى يثور لمجرد تطرق الصحفى إلى ذكرها، حتى إننا فى المنزل اندهشنا من ردة فعله، كانت المرة الأولى التى نشهده فيها على هذه الحالة من الغضب. وتعاملنا مع ما حدث كأنه إشارة فلم نأتِ على ذكرها وكأن بيننا وبينه اتفاقا غير مكتوب بنسيانها كأنها لم تكن. وبرأى أن والدى نفسه لم يكن يريد تذكرها، بدليل أنه رفض الحراسة التى عرضتها الدولة المصرية لحمايته بعد جائزة نوبل ومحاولة الاغتيال.

♦ كيف كان يتعامل مع الشائعات التى كاد بعضها تودى بحياته؟
♦♦ هو أجاب على هذا السؤال بنفسه عندما قال: «تدربت على قراءة النقد الموجه له كأنه نقد لغيرى وهذا جعلنى لا أشعر بالغضب من النقد بل أتقبله»؛ فضلًا عن أنه كان رجلا متسامحا إلى أقصى درجة، والضجة الأولى التى أثارها نشر «أولاد حارتنا» هدأت ونُسيت بمرور الوقت خاصة مع تعهده بعدم نشرها داخل مصر، إلا أن إعلان اسمه كفائز بجائزة «نوبل» وما أشيع من كون الرواية السبب فى تتويجه بالجائزة، أجج نيران الغضب لدى المتعصبين، خاصة مع ظهور كتابات أخرى كـ«آيات شيطانية» لسليمان رشدى، وفتوى «الخميني» بإهدار دم «رشدي»، والموقف الرافض لوالدى لفتوى القتل وقوله: «محاربة الفكر لا تكون إلا بالفكر»، ومزاعم عمر عبدالرحمن، بأن والدى يهاجم الإسلام فى كتبه ولذا يستحل دمه وأنه لا إثم شرعيا يقع بقتله!. كل ذلك شائعات كادت تودى لكنه تخطاها بحكمة.

♦ ما الأسماء التى حرص نجيب محفوظ على قراءة ومتابعة مؤلفاتهم؟
♦♦ مكتبة والدى كانت عامرة بالكتب فى شتى فروع المعرفة، كان يحب قراءة واقتناء مؤلفات الأدب العالمى من أعمال جان بول سارتر، همنجواى، تولستوى، ديستويفسكى، وكان تستهويه كتب التراث وأشعار العرب القدامى، كذلك كتب التاريخ والفلسفة والمنطق وعلم النفس وموسوعات الفنون والمعرفة، وغير ذلك. وكان يحرص على قراءة أكثر من كتاب فى الوقت نفسه.

♦ ترددت شائعة أن محفوظ كان يحلم بإنجاب ولد.. ما صحة ذلك من عدمه؟
ــ غير صحيح على الاطلاق. وأول حمل لوالدتى كان ذكرا، قبل أن أن يسترده الله وهو جنين فى الرحم، ووالدى لم يذكر لمرة واحدة أنه كان يريد ولدًا، والتفرقة بين الولد والبنت ليس من شيمه.

♦ وماذا عن الانطباع السائد فى مخيلة البعض من أن نموذج «سى السيد» هو الأقرب لشخصية نجيب محفوظ؟
♦♦ على الإطلاق، بل كان رجلًا ديموقراطيًا إلى حد بعيد، ونجاحه فى كتابة الشخصية يعود لاحترافيته، وعمق قراءاته فى علم النفس وفهمه للنفس البشرية وتعقيداتها.

♦ ما الحلم المفقود فى حياة محفوظ؟
ــ من الصعب التكهن بحلم مفقود فى حياة والدى، بل أجد أن الله أكرمه كثيرًا وأعطاه الكثير من النجاح ومحبة الناس والتكريمات والشهرة التى يتمناها كل شخص. وربما إن كان لديه حلم مفقود فهو ليس حلم لنفسه بل حلم للإنسانية وأمنية أن فى أن يسودها العدل الاجتماعى الذى طالما تحدث عنه وتناوله فى مؤلفاته كالحرافيش وغيرها.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved