توماس فريدمان فى ضيافة (الشروق): عصر التعامل الأمريكى مع مصر بـ(الجملة) انتهى

آخر تحديث: الأربعاء 11 يناير 2012 - 10:30 ص بتوقيت القاهرة
دينا عزت

«الانطلاقة الأكبر لثورة (25 يناير) أوشكت أن تبدأ الآن»، هكذا قدر توماس فريدمان الكاتب الصحفى والمحلل السياسى بجريدة النيويورك تايمز الأمريكية.

 

فريدمان أضاف أن النقلة الحقيقية والنوعية لمصر لن تتحقق بالضرورة على يد الجيل الحالى «لأن أبناء هذا الجيل قد تعرضوا لعنت شديد من قبل نظام الرئيس السابق حسنى مبارك الذى أفقدهم الكثير من قدرتهم على الابتكار والتطوير، لذلك فإن الجيل القادم هو الذى سيحقق لمصر نقلتها الكبرى لأن هذا الجيل لم يتعرض لمعطيات عصر حسنى مبارك ــ جمال مبارك على الاطلاق، كما أنه ربما لن يكون عرضة لكثير من مؤثرات الاخوان المسلمين بصورتها الحالية».

 

المحلل الأمريكى الذى ارتبط اسمه فى العالم العربى بطرحه للنص الأصلى لمبادرة السلام العربية التى تم تبنيها من قبل القمة العربية عام 2002، التقى أسرة تحرير «الشروق» فى ضيافة رئيس مجلس الإدارة إبراهيم المعلم وسلامة أحمد سلامة رئيس مجلس التحرير.

 

اللقاء جاء قبيل مغادرة فريدمان القاهرة فجر أمس، الثلاثاء، بعد أسبوع أمضاه فى القاهرة متجولا فى أروقة السياسة المصرية ــ الرسمية والحزبية والأهلية والشعبية.

 

وفيما طرحه فريدمان حول قراءته للمشهد السياسى الحالى فى مصر فإن «تجربة حكم الاسلاميين فى مصر ستكون بالتأكيد تجربة مثيرة للاهتمام والتتبع، خاصة أن هذه هى الحالة الأولى فى المنطقة التى يحكم فيها الاسلاميون بناء على مقدرات الدعم الشعبى وليس المعطيات السياسية والاقتصادية للسيطرة على النفط بالأساس كما هو الحال بالنسبة لايران أو المملكة العربية السعودية».

 

وبحسب فريدمان فإن من أكثر ما يستحق المتابعة فى التجربة الإسلامية القادمة فى مصر هو طريقة تعامل الإسلاميين انفسهم مع تفاصيل النجاح السياسى «الذى لا يبدو انهم كانوا مستعدين له على الاطلاق والذى يبدو أنهم ايضًا كانوا من ضمن من تفاجأ به، وهكذا قال بعضهم لى».

 

 

وأضاف: إنه أميل للاعتقاد أن الاسلاميين، خاصة الاخوان المسلمين، سيميلون إلى تحكيم حسن السياسة ومراعاة المصالح العامة للشعب خاصة أن «أيام تحقيق الرفعة السياسية لمجرد معارضة نظام مبارك ودفع الثمن لذلك قد ولت، وأن ما هو آت بالنسبة للاسلاميين هو التعرض لتفاصيل حياة بلد وشعب تعرض لكثير من المعضلات خلال العقود الثلاثة الماضية وآثارها، فى الأغلب، مستمرة».

 

إلى جانب ذلك استبعد فريدمان أن يسعى الاسلاميون «وخاصة الاخوان المسلمين» ــ لإقصاء الأحزاب غير الاسلامية عن المشهد السياسى لأن الجميع يعلم «أن مصر أكبر من أن يسيطر عليها أو يتحمل عبئها حزب واحد ــ أيما كان».

 

وأضاف «مستقبل مصر سيتم بناؤه فيما أرى بصورة تكاملية بين مختلف الاتجاهات، وأنا لا أرى سببا للغصة التى تسود فى بعض الاوساط الليبرالية بالمقارنة بما كان متاحا لها ــ وبعض أحزابها لا يتعدى تجربته الحزبية سوى شهور بالمقارنة بعمل الإسلاميين على الأرض الذى يمتد لعقود بما فى ذلك الاخوان الذين عملوا على الأرض لثمانين عاما».

 

وبحسب فريدمان «لقد أعطى المواطنون أصواتهم للمرشحين الذين يعلمونهم والذين خبروا التعامل معهم، واليوم فإن الأمر يقتضى أن يتفاعل الجميع مع من تم انتخابهم» معتبرًا أن الفترة القادمة ستشهد بالضرورة تفاعلات مختلفة للقوى السياسية بما فى ذلك ربما ظهور أحزاب جديدة.

 

ورأى فريدمان أن اتجاه البعض إلى طرح تصورات مستقبلية مبالغ فيها عما سيقوم به الاسلاميون ــ من الطيب أو السيئ ــ امر غير مبرر وغير مفيد، حسبما يرى، حيث إن هذه الاطروحات المسبقة قد تفرض نفسها بدون سابق إنذار على المواقف والقرارات التى قد تتبناها قوى الاسلام السياسى.

 

وقال «من الأجدر، فيما أظن، أن تترك للإسلاميين الفرصة لطرح ما لديهم ثم التعامل مع هذه الأطروحات».

 

من ناحية أخرى رأى فريدمان فى حواره مع أسرة «الشروق» أن القول القاطع بوجود تحالف قائم ومستمر بين المجلس الأعلى للقوات المسلحة وجماعة الاخوان المسلمين هو قول جدير بالمراجعة والتحقق لأنه فيما يرى ورغم وجود نقاط اتفاق غير خافية بين الجانبين فإن هناك أيضًا نقاط تصادم قادمة وربما حتمية.

 

وأشار إلى أن تقديره، بعد ما استمع إلى الكثير من جهات الفعل السياسى فى مصر، أن العلاقة بين الاخوان المسلمين والمجلس الأعلى للقوات المسلحة سيكون لها مساران متوازيان يسيطر على أحدهما نقاط الالتقاء وعلى الآخر نقاط الاختلاف.

 

فى الوقت نفسه قال فريدمان إن الخطوات الأولى لتجاوز مرحلة حكم مبارك أصبحت واجبة الاتمام وأن ملف حكم مبارك ومحاكمته يجب أن تتم تسويته بما لا يجعله مستمرا فى السيطرة على مقدرات المشهد السياسى المصرى.

 

وبحسب فريدمان فإن التحديات أمام مصر ليست بالقليلة لأسباب من بينها النحر المجتمعى والسياسى والاقتصادى بل والثقافى الذى جعل المحلل والكاتب الصحفى الأمريكى يقرر أن ما رآه وما استمع إليه فى مصر خلال الأسبوع الفائت يتجاوز بكثير فى حيويته ما عرفه عن مصر خلال ما يزيد على ثلاثة عقود.

 

يضاف لما سبق، من وجهة نظر الكاتب الأمريكى، أن الثورة المصرية حدثت فى وقت ربما يكون غير موات من الناحية الاقتصادية حيث إن الدول الرئيسية حول العالم، بما فى ذلك الولايات المتحدة الامريكية، منشغلة بشدة فى العديد من القضايا الداخلية لاسيما التعقيدات الاقتصادية «خاصة أن جميع هذه الدول يعانى من أزمات اقتصادية كبيرة تحول دون أن تتحرك لتقدم دعماً اقتصادياً يدفع بمصر ما بعد الثورة».

 

وحول الموقف الأمريكى من التفاعلات السياسية لما هو حادث فى مصر قال فريدمان إن واشنطن، فيما يرى، ستأخذ بعض الوقت لترى ما سيقوم به الاسلاميون قبل أن تقرر تفاصيل التعامل القادم، لكن الاكيد أن هناك فى العاصمة الامريكية من يدرك أن عصر التعامل الامريكى مع مصر «على طريقة الجملة» عندما كانت أمريكا تتعاطى مع مصر من خلال شخص مبارك قد انتهى وان المرحلة القادمة ستشهد «تعامل امريكا مع مصر على طريقة التعامل بالتجزئة» لان واشنطن سيكون عليها أن تتعاطى مع مختلف الفعاليات السياسية المتنوعة والمختلفة «التى تمثل الـ85 مليون مصرى».

 

وأعرب فريدمان عن اعتقاده بأن الطريقة التى ستصير عليها الأمور فى مصر لا ترتبط فقط بمجريات المشهد السياسى المصرى وانما ايضًا وبالضرورة مع مجريات الساحة الدولية لان الفصل بين هذا المشهد وتلك الساحة اصبح غير ممكن فى ظل أن العالم الآن يدخل فى عمق المرحلة الثالثة من ثورة تكنولوجيا المعلومات. واضاف «اظن أن المشكلة الاكبر بالنسبة لعديد من المفكرين والمثقفين المصريين فيما لمسته انهم لا يعطون الاهتمام الكافى لتأثير ذلك الوضع الدولى على المشهد المصرى أو بالأحرى للنظر للعالم الذى تعيش فيه مصر».

 

وقال المحلل والكاتب السياسى فى جريدة النيويورك تايمز انه لم يعد هناك الكثيرون فى العالم الذين يقبلون بالجودة المتوسطة فى اى شىء من التكنولوجيا إلى الاداء السياسى وأن ما يحدد مجريات الامور فى دولة ما، إلى جانب التفاعلات السياسية والمؤثرات الدولية، هو ما إذا كانت هذه الدولة تدار بقدرة عالية من الابداع والخيال ام بقدرة متواضعة من الابداع والخيال.

 

«لقد كانت مصر فى عهد مبارك تدار بالحد الأدنى من الخيال والإبداع واليوم فإن ما تحتاجه هو الحد الأقصى من الابداع والخيال»، هكذا أوجز فريدمان فى ختام حديثه المتفائل إجمالا، رغم ما فيه من قدر ملحوظ من التحسب حول ما هو قادم فى مصر التى يراها تستعيد حيوية كانت قد فقدتها تحت قبضة الركود الواصل إلى حد الشيخوخة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved