المجاعة وفقدان الخدمة الصحية والاستهداف الإسرائيلى.. «الشروق» توثق شهادات صادمة لأطباء غزة

آخر تحديث: الثلاثاء 12 مارس 2024 - 1:38 م بتوقيت القاهرة

أحمد فتحي

ــ المتحدث باسم «صحة غزة»: المجاعة تضرب كل مناطق الشمال

ــ مدير «كمال عدوان»: نفقد جرحى لغياب الخدمات الطبية

ــ استشارى عظام: نضطر لعمليات بتر ومعظم الحالات إصابات فى مقتل

ــ العسولى: وضع الحوامل خطير ومأساوى

"الاضطرار للجوء إلى نظام يفاضل بين المرضى في الطوارئ فيتم ترك البعض يموت، من أجل إنقاذ البعض الأخر"، و"إجراء عمليات جرحية بدون تخدير، أو تخدير موضعي"، "الولادة على ضوء هواتف محمولة"، و"زيادة نسبة الوفيات بين الجرحى لصعوبة تقديم خدمات صحية"، "الموت جوعا بسبب سوء التغذية والجفاف في ظل شح المساعدات".

بهذه المواقف الصعبة والتحديات الهائلة، تحدث مسئولون بوزارة الصحة الفلسطينية ومديرو مستشفيات وأطباء في أحاديث خاصة من غزة لـ"الشروق" عن حقائق صادمة عما وصل إليه الوضع الصحي في قطاع غزة وتحديدا في الشمال بعد دخول الحرب الإسرائيلية على القطاع شهرها السادس.

ويواجه سكان غزة وخاصة شمال القطاع بشكل يومي "مثلث موت" بأضلاع الثلاثة؛ المجاعة وسوء التغذية وفقدان رعاية صحية. إلى جانب الاستهداف الإسرائيلي المباشر الذي طال البشر والحجر ومؤخرا شاحنات المساعدات الغذائية، والتي بالكاد تصل جوا أو برا للسكان، وسط استمرار حصار وقصف واقتحام المستشفيات .

وقالت منظمة الصحة العالمية، إن سوء التغذية "متفاقم بشكل خاص" في شمال قطاع غزة. وأفاد ريتشارد بيبركورن ممثل منظمة الصحة العالمية في غزة والضفة الغربية بأن "الوضع متفاقم بشكل خاص في شمال غزة".

في وقت حذرت فيه منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) من كارثة تهدد مستقبل أطفال القطاع مع استمرار هذه الأوضاع الصحية والغذائية

وقبل أيام، قالت مصادر طبية في غزة، إن نصف مليون فلسطيني بشمال غزة يقاسون المجاعة التي تفتك بأرواحهم بصمت. فقد أشارت تلك المصادر إلى أن نحو 700 ألف طفل في قطاع غزة يتعرضون لمضاعفات خطيرة نتيجة سوء التغذية والجفاف وعدم توفر الإمكانات الطبية.

وحذرت وزارة الصحة من أن "الاحتلال يرتكب العديد من المجازر ضد البطون الجائعة فى شمال غزة، مشيرة إلى أن المجاعة ستحصد الآلاف ما لم يتوقف العدوان على القطاع".

وتتفاقم معاناة الغزيبن مع إعلان مستشفيات القطاع تباعا لاسيما في الشمال، خروجها عن الخدمة في ظل الاستهداف الإسرائيلي المتعمد، ونفاد الوقود اللازم لتشغيلها، ونقص الامكانات والموارد والمستلزمات الطبية.

مستويات قاتلة

الدكتور أشرف القدرة، المتحدث الرسمي باسم وزارة الصحة الفلسطينية في غزة، يشير إلى أن المجاعة فى شمال غزة وصلت إلى مستويات قاتلة، بعد تسجيل ارتفاع حصيلة شهداء سوء التغذية والجفاف إلى 25 شهيدا في القطاع.

ويوضح القدرة في تصريحات لـ "الشروق" أن الاحتلال الإسرائيلي يضع سكان شمال غزة في مثلث الموت، وهو؛ فقدان الرعاية الصحية، وإحداث المجاعة، والاستهداف المباشر، "لذا فنحن نحمل الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية كاملة عن حياة آلاف المواطنين بشمال القطاع".

القدرة يؤكد أيضا أن "الاحتلال تعمد إنهاء المنظومة الصحية في شمال غزة، وقام بتدمير ممنهج للبنى التحتية للمؤسسات الصحية".

وفي توصيفه للوضع الصحي الحالي في الشمال، يلفت إلى أن: "كافة مستشفيات شمال قطاع غزة تعتبر نقاطا طبية، وليست مستشفيات، فليس بمقدورها أن تقدم الخدمات الصحية المناسبة والملائمة لإنقاذ حياة الجرحى والمرضى الآن".

كما ينوه أنه خلال الأيام الماضية قامت الطواقم الطبية بعملية إنعاش لبعض أجزاء من مستشفيات شمال قطاع غزة لا سيما في مجمع الشفاء الطبي، حيث تم تشغيل جزء من الطوارئ، وكذلك خدمة غسيل الكلى، وعدد من غرف العمليات إضافة إلى المستشفى المعمداني، وكذلك أيضا أجزاء من مستشفيات كمال عدوان، والعودة، والحلو الدولي، والصحابة.

ويحذر المتحدث باسم وزارة الصحة بشدة، أنه "خلال الأسابيع الماضية، وحتى هذه اللحظة بدأت المجاعة تضرب كافة مناطق الشمال، وبدأت ملامحها واضحة على أجساد الأطفال والنساء الحوامل، وكذلك المرضى المزمنين والشباب بشكل عام".

الدكتور أشرف القدرة المتحدث باسم وزارة الصحة في غزة

وضع كارثي

الدكتور حسام أبو صفية، مدير مستشفى كمال عدوان في شمال قطاع غزة، قطع بالكاد دقائق من وقته وسط انهماكه في العمل اليومي بين أسرة المرضى وغرف العمليات، للحديث عن ما آل إليه الوضع الصحي في غزة.

بـ"كارثي"، يصف أبو صفية في حديث لـ"الشروق" الوضع الحالي في الشمال، لاسيما بعد خروج مستشفي "كمال عدوان" عن الخدمة، في وقت يتوافد فيه عددا كبير من الجرحي للمستشفى، مع تواصل المجازر الإسرائيلية، وأخرها ماسأة شارع الرشيد.

وبحسرة، أكد "أبو صفية" أن صعوبة تقديم خدمة صحية، أدى لفقد عدد من الجرحي.

المفاضلة بين المرضى

وفي ملمح مأسـاوي أخر، حذر الطبيب الفلسطيني من إزدياد خطر الموت المحقق للأطفال الرضع شمالي غزة، بسبب سوء التغذية، بعد أن اشتدت وطأتها في ظل عدم وصول أي أطعمة أو وقود لمستشفى كمال عدوان.

وتطرق أبو صفية وهو استشاري طب الأطفال، عن أصعب المواقف التي مر بها خلال عمله كمدير لمستشفى كمال عدوان، قائلا : "هناك مواقف صعبة جدا تتكرر، بينها الاضطرار لتطبيق نظام المفاضلة في اختيار الحالات بالطوارئ، فيترك البعض يموتون، من أجل إنقاذ البعض الأخر، ولو كان الوضع طبيعيا ما تركنا أي جريح" حتى إنقاذه".

وبسؤاله عن أكثر العمليات الجراحية تكرارا، أجاب: هناك عمليات استكشاف وفتح بطن وصدر المصاب لإيقاف النزيف بفعل القصف والغارات الإسرائيلية، حيث يتدخل فيها طبيب الأوعية، والجراحة العامة، وجراحة المسالك بسبب الإصابات الحرجة.

الدكتور حسام أبوصفية مدير مستشفى كمال عدوان

إصابات في مقتل

الطبيب محمد الآسي، استشاري جراحة العظام والمفاصل، لم يكن يدور في خلده يوما ما أن يكون من بين الحالات المصابة التي يستقبلها في المستشفى، شقيقه "بلال"، الذي استشهد قبل وصوله للمستشفى أثر قصف إسرائيلي على فلسطينيين، كانوا ينتظرون شاحنة مساعدات غذائية في شارع الرشيد بمدينة غزة، فيما عرف بـ"مجزرة الطحين.

وشهد شارع الرشيد بالقرب من مدينة غزة قبل أيام إطلاق إسرائيل للنار على فلسطينيين كانوا ينتظرون المساعدات ما أسفر عن استشهاد 112 فلسطينيا .

وبرغم استشهاد شقيقه، لا يزال الطبيب محمد الأسي على عهده منذ بداية العدوان الإسرائيلي على القطاع، في التواجد الدائم بالمستشفى لإنقاذ حياة المصابين.

وكشاهد وطبيب في آن واحد على تداعيات العدوان الغاشم على غزة، يقول الطبيب الفلسطيني من داخل مستشفى شهداء الأقصى بدير البلح وسط قطاع غزة، إن: معظم الحالات التي تصل إلى المستشفيات إما إصابات في مقتل (أي في الرأس أو الصدر)، أو إصابات كبيرة في البطن والأطراف السفلية

"الأسي"، تابع قائلا: معظم إصابات البطن تحتاج إلى أكثر من عملية جراحية، وهذا مستحيل الالتزام به وذلك لكثرة الحالات المصابة، أما إصابات الأطراف السفلية فهى تحتاج إلى أجهزة تثبيت خارجية، وهذه باتت غير متوفرة في العديد من المستشفيات.

بتر وعمليات بدون تخدير

ومن واقع عمله كإستشاري عظام، فإن "أغلب الإصابات في الأطراف السفلية يصاحبها قطع في الشرايين، وهو ما يتطلب وجود طبيب متخصص في الأوعية الدموية، وللأسف فهذا أيضا غير متوفر في معظم المستشفيات؛ لأنه تخصص نادر ودقيق، لذا قد نضطر في بعض الحالات لإجراء عمليات بتر.

ومن التحديات التي تواجه الفريق الطبي، نفاد معظم مخزون أدوية التخدير، حيث يضطر الأطباء أحيانا إلى إجراء العمليات بالتخدير الموضعي، أو بدون تخدير، وفي أماكن غير مخصصة لاجراء العمليات، بحسب الأسي.

ويتذكر استشاري جراحة العظام إحدى "التجارب القاسية" التي صادفها للمرة الأولى خلال العدوان الحالي، قائلا: "إحدى الإصابات كانت في مستشفى الشفاء، لفتاة أضطررنا لبتر 3 أطراف لها من شدة الإصابة التي تعرضت لها، بفعل قصف إسرائيلي، وفي نفس الوقت كان هناك طاقم جراحي أخر يعمل في إصابة البطن".

كما يلفت إلى أنه بفعل الحصار الشديد المفروض على المستشفيات، لجأ الأطباء خاصة في جنوب القطاع إلى نصب خيام في محيط بعضها لعلاج الجرحي.

ووفقا لتدعيات الوضع الصحي الحالي، يرى الآسي أن المطلوب فورا وقف الحرب فورا وادخال المساعدات الى شمال غزة تحديدا، وإدخال مستشفيات ميدانية، وطواقم طبية بشكل عاجل، وتسهيل سفر الجرحى ممن تتطلب حالاتهم السفر للعلاج بالخارج".

الحوامل.. متاعب ومخاوف

وفي القطاع المنكوب، تتضاعف أيضا متاعب ومخاوف السيدات الحوامل، ففي ظل النقص الشديد في الماء النظيف والغذاء، والأدوية والمستلزمات الطبية، لا تقتصر المخاوف على وقت الولادة، بل تتمثل في إبقاء الرضع على قيد الحياة.

أميرة العسولي طبيبة النساء والتوليد، التي قررت العودة إلى غزة أثناء الحرب لتأدية واجبها الإنساني، رغم أنها كانت موجودة في مصر بداية الحرب، تروي جانب من المعاناة اليومية للسيدات الحوامل.

"خطير جدا ومأوساوي"، هذا ما تصف به العسولي التي تعمل متطوعة بمجمع ناصر الطبي بخانيونس، في حديثها لـ"الشروق" وضع النساء الحوامل.

العسولي تشرح بصوت ممزوج بالحسرة والألم: "وضع سكان غزة في غاية الصعوبة، فلا ماء نظيف ولا كهرباء ولا دواء، بل ويقترب القطاع من مجاعة حقيقية، إلى حد اضطرار بعض سكان شمال غزة لطحن علف الحيوانات من أجل إطعام أولادهم"، مردفة : "في ظل هذا الوضع لنا أن نتصور حال السيدات الحوامل اللاتي يحتجن رعاية خاصة قبل وبعد الولادة، أو الرضع ".

واجهت الطبيبة الفلسطينية ولا تزال مواقف عديدة صعبة، بينها ولادة سيدتين مؤخرا في ظل ظروف حصار قاسية داخل مبنى قديم، يفتقر لأدنى احتياجات ومقومات الولادة، حيث عانت إحداهن من انفصام في المشيمة ونزف شديد.

وتضيف : لكننا نجحنا في إنقاذ الأم والرضيع في أخر لحظة، واضطررنا لوضع خيوط جراحية لربط الحبل السري"، لافتة إلى أن أكثر الولادات طبيعية وليس قيصرية بسبب عدم توافر الإمكانات.

إضافة إلى مواقف أخرى تتكرر، وتتعلق إحداها بسيدة حامل تقترب من الولادة ومحاصرة في خانيونس، في وقت استشهاد زوجها ونزوج أهلها لرفح، ولا يوجد أي شخص يساعدها، أو يواسيها"، وفقا للطبيبة الفلسطينية .

وتشدد على أن "الاحتلال لم يستطع حتى الآن تحقيق أهدافه من الحرب، لكنهم هدمونا نفسيا وجسديا وصحيا".

الدكتورة أميرة العسولي طبيبة النساء والتوليد

في ظل انقطاع الكهرباء والوقود عن المستشفيات، يلجأ الأطباء أيضا لإجراء عمليات ولادة على ضوء هواتف محمولة .

وفي تقرير صدر قبيل اليوم العالمي للمرأة في الثامن من مارس الجاري، حذرت منظمة الصحة العالمية من وجود نحو 52 ألف امرأة حامل في قطاع غزة معرّضات للخطر بسبب انهيار النظام الصحي، نتيجة العدوان الإسرائيلي المستمر منذ السابع من أكتوبر الماضي.

ولقبت الطبيبة الفلسطينية أميرة العسولي، ببطلة خان يونس وامرأة غزة الحديدية، إثر انتشار مقطع فيديو يظهر شجاعتها بعد أن خاطرت بحياتها في الإقدام على إنقاذ مصاب فلسطيني برصاص قوات الاحتلال، متجاهلة الحزام الناري الذي أحاط بمستشفى ناصر الطبي في خانيونس.

وسط كل ذلك أعلنت وزارة الصحة في غزة اليوم ، ارتفاع عدد الشهداء نتيجة العدوان في قطاع غزة منذ بدء الحرب إلى 30900، معظمهم من النساء والأطفال.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved