صدور الترجمة الإيطالية واليونانية من رواية قناع بلون السماء للروائي الفلسطيني باسم خندقجي

آخر تحديث: الجمعة 11 أكتوبر 2024 - 7:47 م بتوقيت القاهرة

إيمان صبري خفاجة

أعلنت بالأمس اللجنة المسؤولة عن الجائزة العالمية للرواية العربية البوكر عبر صفحاتها الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي عن صدور الترجمة الإيطالية لرواية قناع بلون السماء للروائي الفلسطيني باسم خندقجي التي توجت بالجائزة في أحدث دوراتها لهذا العام 2024 عن دار edizione/e.

كما أشارت اللجنة إلى صدور الترجمة اليونانية في نوفمبر هذا العام، ثم يتبعها صدور النسخ المترجمة إلى اللغة الاسبانية والإنجليزية والبرتغالية.

تدور أحداث الرواية حول الواقع والتاريخ فتطرح المزيد من الإشكاليات فإذا بالرواية تمثل خطورة حقيقية من خلال أحداثها الحية، حكايتها التي تعيشها كل أسرة فلسطينية، يكتب باسم خندقجي عن حياة المخيم، عن المقاومة بين الماضي والحاضر، من خلال الصديقين نور ومراد.

أعتاد نور ومراد التجول يوميا في شوارع مدينتهم بين المخيمات التي تشهد على مأساة أجيال كاملة من الفلسطينيين أصبحوا يتوارثون الحياة فيها وكأنها خلقت لهم ومعهم وهذا جزء من الحقيقة، فقد كانت مدينتهم فيما سبق لا تعرف مأساة المخيم ولا اللجوء والحصار داخله.
استطاع الاحتلال أن يحول طرق مدينة رام الله يوما بعد يوم إلى سجن كبير يظنون أنهم يضعون الفلسطينيين داخله والحقيقة على العكس من ذلك، فهذا الحصار المشدد لهذا الشعب وتتبعه ووضعه في السجون لا يعني سوى الخوف من وجودهم الذي لا ينتهي ولا يستطيعون القضاء عليه بالرغم من قوتهم العسكرية العاتية وأكاذيبهم التاريخية التي لا يملون من تكرارها.

وإن لم تكن هذه حقيقة لا شك فيها، فبما نفسر إذا حملات الاعتقال العشوائية اليومية التي تحدث في شوارع المدن الفلسطينية والتي كان ضحيتها مراد الذي تم اختطافه من صديقه نور في واحدة من جولاتهم اليومية دون أن يعرف أي منهم سبب لذلك، وتلك الحادثة نموذج لما يحدث يوميا فكل أسرة فلسطينية لها ابن أسير في سجون الاحتلال شهدنا عملية تبادلهم وإطلاق سراح البعض منهم خلال الفترة الماضية.

يوضع مراد في أحد السجون ليحرم من جولاته ومدينته وصديقه الوحيد، ولكن على خلاف توقعات الجميع يفتح السجن ل مراد آفاق بعيدة بالمزيد من البحث والقراءة في الكتب التي يمررها نور له في كل زيارة ويمرر مراد من خلالها رسائل مكتوبة لصديقه يستأنف بها الحديث عن الأحلام والخلافات أيضا فيما بينهم.

أحد هذه الخلافات هي حلم نور الأبدي بكتابة رواية عن مريم المجدلية وحكايتها مع المسيح وتلامذته ما بين الحقيقة والأسطورة، وما تحمل من أوجه، وما لها من أهمية وبعد تاريخي من تاريخ القدس ومدنها العريقة، وطالما كان الخلاف بين الصديقين في حث مراد لصديقه نور أن يترك الماضي جانبا ويركز جهده على الحاضر لعلنا نجد الحلول للخلاص من قبضة هذا الاحتلال الغاشم.

في هذا الجزء يطرح الكاتب أول موضوعات الرواية وهي الخلافات حول تناول القضية من زاوية التاريخ أم الواقع، والإجابة التي تكمن بين صفحات الرواية أن الحاضر والماضي وجهان لعملة واحدة، فكيف تدحض ادعاءات الاحتلال دون المزيد من البحث التاريخي، وكيف يمكن أن تحارب ما تواجهه القضية يوميا دون إدراك إشكاليات هذا التاريخ ما بين الادعاءات الدينية وحقيقة هوية المحتل ورغباته السياسية؟!

ثم يذهب بنا الكاتب إلى معاناة أخرى تتلخص في شخصية مهدي والد نور أحد قادة ومناضلي الانتفاضة عام 1988 التي دفع ثمنها بسنوات من الأسر ليخرج في أعقاب اتفاقية أوسلو التي تم توقيعها بين قوات الاحتلال ومنظمة التحرير الفلسطينية 1993، يصطدم بواقع يفقده الثقة في كل شئ فإذا بزوجته قد فارقت الحياة، وأمه وابنه اليتيم على قارعة الطريق يعانون الفقر والعوز.

انعكست هذه المرارة التي تلخصت في صمت مهدي وقسوته على نور فاضطر الأخير للعمل منذ نعومة أظافره في بيوت ومدن الكيان الصهيوني حتى استأنف دراسته كاملة وصولا إلى المرحلة الجامعية وقد ساعده على ذلك ملامحه التي تبدو للبعض وكأنه يهودي اشكنازي، تلك الملامح التي تفتح باب آخر من أبواب الرواية على أحد أهم موضوعاتها ومنها قدرته على الهرب من ملاحقات الأمن اليومية للعمالة الفلسطينية!

تخرج نور ولم يجد فرصة سوى العمل كمرشد سياحي في إحدى الشركات التي تستقبل الوفود من كافة أنحاء العالم للتجول في الأراضي الفلسطينية يستمعون للرواية والأكذوبة الإسرائيلية حول المدن والقرى التي قاموا بتطهيرها عرقيا وزراعة الأشجار فيها، فمكان كل شجرة يوجد أثر لشهيد!
كانت واحدة من هذه الجولات في قرية صرعة التي هجر أهلها في يوليو عام 1948 وأقيم على أطلال منازلها مستعمرة ترعا، يدعي الإحتلال أن هذه القرية قرية شمشون بطل أساطيرهم، يرفض نور أن يكرر الأكذوبة على مسامع الأفواج السياحية وإذا به يحدثهم عن تاريخ القرية ما قبل النكبة مشيرا إلى منزل المختار الذي مازالت بقاياه شاهدة على ما حدث ومقام الشيخ سامت الذي كان يتبارك به أهل القرية ومازال في مكانه لم يبرحه حتى الآن.

تنتهي الجولة بنور هارب ومطارد من قبل قوات الاحتلال ليتحول إلى أسير هو الآخر لا يفارق المنزل، ويتحرك خلسة بين شوارع المخيم حتى تأتي الصدفة التي تعطيه حرية مطلقة، حين يعثر على بطاقة هوية تحوله إلى أور الشاب الإسرائيلي سليل العائلة الارستقراطية.
هذه الهوية تفتح الأبواب أمام نور للالتحاق بصفوف العمل لدى معهد ألبرايت للأبحاث الأثرية بالتعاون مع سلطة الآثار الإسرائيلية في موسم من مواسم التنقيب ضمن مشروع وادي يزراعيل الإقليمي جنوب تل مجدو.

في البداية كانت الالتحاق بهذا العمل فرصة ل نور لمزيد من البحث في تاريخ مريم المجدلية وتحصيل معلومات تاريخية تفيده في كتابة الرواية من الناحية الجغرافية والتاريخية، فإذا بنا أمام تاريخ قرية أخرى من القرى التي نكبت وهجر أهلها، ففي ال 30 من مايو عام 1948 احتلت قرية اللجون الفلسطينية وتم تهجير أهلها بالكامل وبناء مستوطنة بالقرب منها بالإضافة إلى سجن شهير عرف باسم سجن مجدو شيد على أطراف القرية وكأنه يحاصرها ليطرح الكاتب مرة أخرى سؤاله، من منا يحاصر الآخر؟! فأهل القرية ممن قتلوا مازالت أجسادهم تحت ترابها والأحياء يصرخون بالكلمات من داخل السجن المحيط بها!

الغريب في حملات التنقيب التي ينظمها الاحتلال بين فترة وأخرى أنها تجمع باحثين من كافة أنحاء العالم وحين يصدمون بنتائج البحث في باطن الأرض التي لا تخرج لهم سوى أدلة تاريخية على الوجود العربي الفلسطيني، أو رفات الشهداء من أهالي القرى والمدن، يتحول الباحثين إلى شهداء على كذب ادعاءاتهم ومن ثم وجودهم، تماما كما يحدث في المشهد الحالي، يقتلون الأطفال ويهدمون المدن على مرأى ومسمع من العالم فيصبح شاهد على الجريمة ويعلو الصوت الفلسطيني أكثر ولا ندرك حدود لصداه.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved