نبيل فهمي يكتب: وماذا بعد؟
آخر تحديث: الإثنين 11 نوفمبر 2024 - 6:05 م بتوقيت القاهرة
أمام الشرق الأوسط الكثير من التوترات والصدامات والضحايا والخسائر قبل أن تستقر الأمور، بما فى ذلك الصدامات المباشرة بين إسرائيل وإيران، وتستمر المعارك وتداعياتها فى لبنان، والقتل ومحاولات هدم وتفريغ قطاع غزة والضفة الغربية، والتوتر بالمشرق، وفى البحرين الأبيض والأحمر، أحداث جسيمة ومتشعبة تسهم فى إعادة تشكيل التوازنات السياسية والنظام الدولى.
ومع هذا، أعتقد أننا ابتعدنا قليلًا ومرحليًا عن نقطة انفلات الأمور، واحتمالية الصدامات الوجودية بين إيران وإسرائيل، ووصلنا إلى لحظة مراجعة وإعادة التقدير، لتفاقم الأمور وارتفاع التكلفة على الجميع، وهى لحظة تتزامن مع الانتخابات الأمريكية، أكثر الدول الأجنبية تاثيرًا فى ساحاتنا، بين مرشحين لهم رؤية مختلفة للعالم، مما يفترض أن يؤخذ فى الاعتبار بعناية من قبل الأطراف الإقليمية.
وبعد مقتل قياداتها ينتظر أن تجرى حماس وحزب الله مراجعة جادة وعميقة ولأغراض مؤسسية، من أجل وضع السياسات والتحرك التكتيكى والاستراتيجى المناسبة للظروف الحالية، بما فى ذلك عمليات المقاومة وترتيباتها، وعلاقاتهم الإقليمية والدولية.
ومطلوب بشدة أن تقوم القيادات الفلسطينية وفتح ومختلف التوجهات الفلسطينية الأخرى بمراجعة ثاقبة، سعيًا لإيجاد توافق فلسطينى جديد، يعيد الروح واللحمة إلى القضية، ويحافظ على مصداقيتها ويؤمن مسيرة شعبها الطيب، قبل أن يواجهوا ترتيبات خارجية، تجعل ترجمة طموحهم الوطنى إلى حيز النفاذ من شبه المستحيلات.
ولا بديل عن قيام القيادات اللبنانية بمراجعة جادة وترتيباتها السياسية، بما يحترم الطوائف ويستوعبهم، مع تغليب المصلحة الوطنية، واعدة تأهيل وتمكين مؤسساتها السيادية، باختيار رئيس جديد مع ممارسات برلمانية وطنية، وتأهيل المؤسسات الأمنية الشرطية والعسكرية، قادرة على أداء واجبها، حفاظًا على هوية واستقرار وسيادة البلاد، بدلًا من الاستمرار مرتعًا عنصرًا مكملًا مخططات وسياسات الغير.
وعلى العرب مراجعة الموقف والحسابات والممارسات وتوازناتها الدولية بجدية وموضوعية، حتى لا تتفاقم الأمور مجددًا، بعد ظهور العرب عاجزين عن التعامل مع العجرفة والممارسات الإسرائيلية، التى تدينها وترفضها شعوبهم، مع استمرار الاقتتال الوحشى، وسقوط الآلاف من الضحايا وتراكم الخسائر، وتعدد المخالفات لكل القواعد الدولية الخاصة بالأعمال العسكرية والإنسانية.
وأدعو العرب إلى إجراء مراجعة كاملة ومصارحة ذاتية وفيما بينهم، لأن شعوبنا تتساءل عن رعونة مواقفهم متألمين من قسوة الأحداث، منزعجين ومستغربين أن الأطراف الإقليمية والدولية وحتى الدول الصديقة منهم، لا تستجيب للمناشدات العربية أو تأخذها بعين الاعتبار، فضلًا عن أن المعلومات الاستخبارية كشفت أن الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة تمت من المجالين الجوى السورى والجزء المخصص للطيران الأمريكى فى الساحة العراقية.
ولا يزال الطريق طويلا والصعاب كثيرة، وإنما هناك بوادر لبعض التحرك الانفرادى بمصارحة إسرائيل بالخطوط الحمراء، وارتفاع حدة ونبرة ردود الفعل العربية الرسمية، واستحدثت الاتصالات الخليجية الأخيرة مع إيران، وقامت السعودية بمناورات بحرية مشتركة معها، واستضافت مصر وزير خارجية إيران لأول مرة منذ زمن طويل، واستدعت وفد من حماس، واصلت بالسلطة، قبل استئناف مفاوضات قطر لوقف إطلاق النار والإفراج عن المختطفين والمحتجزين الإسرائيليين والفلسطينيين.
وستجرى مراجعة جادة فى إيران، لتختار بين الاستمرار على التعامل فى الساحة عبر أطراف ثالثة، مع ضبط إيقاع ردود فعلها دون أن تستثار من الاستفزازات الإسرائيلية المتكررة، أو أن تقرر تغيير المسار والرد مباشرة وبقوة متزايدة، لردع إسرائيل وتنبيه المجتمع الدولى بخطورة التداعيات، وصرح المرشد العام خامنئى بأنه يجب عدم المبالغة أو التقليل من خطورة الاعتداءات الإسرائيلى.
وأتوقع أيضًا مراجعة وطنية ترتيباتها الداخلية، خاصة بالنسبة للأجهزة الأمنية والعسكرية، بما فى ذلك الحرس الثورى، لوجود مؤشرات متعددة واختراقها إسرائيليا، وهى منتقدة لضعف أدائها، مع تعدد الاغتيالات، وعلى رأسهم إسماعيل هنية، ما جعل كثيرين يشككون فى صلابة المواقف الإيرانية، وفى استقامة دعمها لحلفائها، وقدرتها على حماية مصالحها، وتدخل نتائج الانتخابات الأمريكية فى الحسابات الإيرانية، خاصة أعلن الرئيس الإيرانى المنتخب حديثًا اهتمامه بعلاقات مختلفة وأكثر استقرارًا مع الولايات المتحدة، وهى أمور قد تزيد من معدلات التوجه الإيرانى تجاه الصين وروسيا.
وبعد نجاح نتنياهو فى التقاط أنفاسه مع قتل السنوار وحسن نصرالله والعديد من أعوانهم، أتوقع مراجعة حتمية داخل إسرائيل، بين التيارات اليمينية والوسطية واليسارية حول طبيعة الدولة الإسرائيلية واستقلالية مؤسساتها، وبالتوازى بدء مراجعة شديدة وصارمة فى المؤسسات الأمنية والعسكرية وبينهم وبين السياسيين الإسرائيليين، ومن قبل أهالى المختطفين ارتباطًا بأحداث ٧ أكتوبر وما بعدها ٢٠٢٤، مراجعة تتناول أداء تلك المؤسسات وخططها وقراراتها، بما فيها مسألة فتح الجبهات وأولويات الإفراج عن الرهائن وعدم استهداف المنشآت النووية الإيرانية أخيرًا.
وأتوقع مناقشة إسرائيلية حادة حول تكلفة استمرار الحرب على جبهات مختلفة، مع فقدان الضباط والجنود فى غزة ولبنان بمعدلات تصل إلى ٢٠ جنديا فى اليوم الواحد، والضغوط الاقتصادية وحالة الاضطراب التى دفعت ما يقرب من ٣٠ ٪ من السكان إلى مغادرة إسرائيل، وهناك قلق متزايد من تداعيات تآكل تأييد الرأى العام الدولى، خاصة فى العالم الغربى الرافض للتجاوزات والوحشية الإسرائيلية فى غزة.
وأرجح أن تؤدى كل هذه المراجعات إلى تنامى الاستقطاب فى الساحة السياسية الإسرائيلية، تزيد فيه مكانة التوجهات اليمينية فى أول الأمر مع زخم العمليات العسكرية، بما فى ذلك من يدعون إلى تبنى سياسات استراتيجية وعلنية لاستخدام العنف بمعدلات أوسع فى الشرق الأوسط، وإنما ستفتح الباب بعد ذلك مناقشات أوسع وأعمق للاعتبارات الأخرى، والتى تصعد فيها مكانة التوجهات الوسطية واليسارية، الغائبة بدرجة كبيرة قبل أحداث غزة، ومن هنا لا يستبعد أن تعود المظاهرات السرائيلية مجددًا، وتتم الدعوة إلى الانتخابات خلال ١٢ شهر أو أكثر من ذلك بقليل، ويحسم توجه الناخب الإسرائيلى اختياراته بين سبيل التدرج نحو التوصل إلى ترتيبات سلام حقيقية، والسعى أن تكون إسرائيل طرف حقيقى فى الشرق الأوسط، وبين الاستمرار على نهج اللجوء إلى القوة والانتقال من مرحلة صدامية إلى أخرى دون مهادنة أو تغيير.
وقبل فوات الأوان، أعتقد أن أحداث الشرق الأوسط وأوكرانيا، يجب أن تدفع أوروبا والمجتمع الدولى إلى وقفة ومراجعة للنظام الدولى بأسره مع تجاهل القانون الدولى والازدواجية فى تطبيق المعايير.
نقلا عن: إندبندنت عربية