تمتع بصحة نفسية وتوافق اجتماعى وعائلى سوى: مصرى حنورة: سر عبقرية نجيب محفوظ تكمن فى رسالته للإنسانية

آخر تحديث: السبت 12 ديسمبر 2020 - 1:58 م بتوقيت القاهرة

كتب ــ عبدالله محمد:

«بوسعنا أن نقول عن عصر الرواية فى القرن العشرين: إنه عصر نجيب محفوظ، عمـَّـره بعوالم متنوعة ومدهشة، وشغله بتجارب فنية وفكرية خصبة، فامتد بظله على الثقافة المصرية والعربية قرنا كاملا، بحيث أصبح ما كان قبله بشارة وإرهاصٌ به، وما رافقه ــ على زحمه وتعدده ــ صار من هوامش متنه، أما ما نبت فى بستانه من مواهب عمرت الحياة الإبداعية فى أجيال متتابعة، فليس منها من لم يشرب من مائه»... الدكتور صلاح فضل فى كتابه «عوالم نجيب محفوظ».
نظرية الذكاءات المتعددة التى أطلقها عالم النفس الأمريكى فى جامعة هارفارد (هوارد جاردنر) العام 1983هـ من خلال كتابه (أطر العقل) جاءت لتتجاوز عددا من نظريات الذكاء السابقة باعتبارها تعطى صورة ذكاء متعددة للشخص وليس نسبة ذكاء، وباعتبارها تُوسِّع من دائرة الذكاء فبدلا من أن يقتصر ذكاء الشخص على (الذكاء اللغوى والذكاء المنطقي) السائدين فى الميادين التربوية التى تقتصر مقاييس الذكاء عليهما فقط، أصبح هناك ذكاءات أخرى جديرة بالمتابعة والتنمية مثل (الذكاء المكانى، الذكاء الحركى، الذكاء الاجتماعى، الذكاء الذاتى، الذكاء الطبيعى، الذكاء المنطقى، الذكاء اللغوى، الذكاء الموسيقى ). لذلك جاءت نظريات الذكاء المتعدد لتقول إن كل الناس لديهم ذكاءات متعددة بناءً على الوراثة والثقافة والخبرات والتجارب، وأنها قابلة للتنمية والتطوير وقابلة أيضا للقياس والملاحظة، وهذا ما ينقلنا لثمرة بحث لعشرات السنين المتتالية فى كتابة الدكتور مصرى حنورة، الذى يحدثنا فيه عن «العبقرى نجيب محفوظ». وجاء عنوان الكتاب باسم نجيب محفوظ وفن صناعة العبقرية، الصادر عن دار الشروق.

يكمن سر عبقرية نجيب محفوظ فى سلوكياته وعطاءاته وممارساته التى شكلت فى تراكماتها صناعته لعبقريته، قضى عمره باحثا عن شيء تصور أنه يمثل رسالته الإنسانية فى الحياة ألا وهو تقديم المثال للباحثين عنه، والمثال الذى كان يرسمه المؤلف كان دائما مثالا إنسانيا، إنه يعرى هذا الإنسان المغترب، ويحاول أن يقترب ما أمكن مما بداخله، وفى خضم هذا الجهد الإبداعى كان نجيب محفوظ يصنع عبقريته الخاصة، ولا يستطيع أحد الجزم بأن المبدع الكبير كان يخطط من بداية عمره لأن يكون كاتب قصة أو رواية، بل الأدق القول كما يقول د. مصرى حنورة فى كتابه إنه عمد إلى ذلك بعد أن تخرج فى الجامعة، ومنذ تلك اللحظة راح يخطط لبناء ذاته الإبداعية، ومضى بجهد إرادى وواع يصنع عبقريته.
فى البداية يقول د. حنورة: إن مصطلح صناعة العبقرية قد يبدو متناقضا لكنه يقصده بشكل متعمد، لأن هناك من يتصور أن العبقرية خاصية ممنوحة أو أنها هبة غير مكتسبة، وأنا أقول إنها عند نجيب محفوظ على سبيل التحديد خاصية مكتسبة وبجهد إرادى وبوعى موجه، ومن خلال سلسلة من الممارسات المتحركة دائما فى اتجاه هدف كان يتحقق بالتدريج فى المسيرة الزمنية الممتدة عبر الزمان ودائما نحو المستقبل، وبذلك حقق نجيب محفوظ، ومن البداية، التكاملية الإبداعية من خلال تفعيل المنظومة ثلاثية الأبعاد الوعى والإرادة والحركة فى اتجاه المستقبل وجاء الكتاب ليصف فى مجمله مسيرة تحقق هذه المنظومة عند نجيب محفوظ.
لقد بدأت علاقة حنورة بمحفوظ عندما كان يعد رسالة الدكتوراه عن الإبداع فى الرواية عام 1966، وامتدت العلاقة بين حنورة ومحفوظ حتى قبيل وفاته، ومن خلال هذه العلاقة استطاع حنورة أن يقف على جملة من الخصائص تضع تصورًا واقعيًا عن شخصية محفوظ، هذا التصور يقول إن صاحب نوبل فى الآداب 1988 عاش حياة سوية، وتمتع بصحة نفسية، وتوافق اجتماعى وعائلى سوى، وهو الأمر الذى يسر له أن يعمل فى هدوء وينتج كل هذا الإنتاج بغزارة.
يطرح أستاذ علم النفس المصرى مصرى حنورة السؤال من جديد حول الإبداع والعبقرية، فى تحليله لإبداعات نجيب محفوظ فهو الروائى العربى الذى استطاع أن ينتقل بفن الرواية العربية انتقالات كبرى شكلت أنموذجا لدى الدارسين لفن الرواية، ينقب حول الجانب النفسى للإبداع لدى محفوظ، حيث يرى الدكتور حنورة أن عبقرية محفوظ مكتسبة: «إن مصطلح صناعة العبقرية قد يبدو أنه مصطلح متناقض، ولكنى أقصده، لأن هناك من يتصور أن العبقرية خاصية ممنوحة أو أنها هبة غير مكتسبة. وأنا أقول إنها ــ وعند نجيب محفوظ على سبيل التحديد ــ خاصية مكتسبة وبجهد إرادى وبوعى موجه.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved