محلل سياسي: هل يمكن وقف اشتباكات ما بعد سقوط الأسد في سوريا؟

آخر تحديث: الأربعاء 12 فبراير 2025 - 12:11 م بتوقيت القاهرة

واشنطن - د ب أ

يواصل الأمن في شمال شرق سوريا تدهوره، حيث تهدد الاشتباكات المستمرة انتقال البلاد نحو عصر من الاستقرار والتعافي. ويتسبب النشاط العسكري المتزايد، المقترن بموجة من الدبلوماسية السريعة داخل البلاد وخارجها، في قلب توازن القوى الذي ساد لفترة طويلة عندما كان الصراع في سوريا مجمدا فعليتا.

وبقول الكسندر لانجلوا محلل السياسة الخارجية والزميل المساهم في مؤسسة "أولويات الدفاع" الأمريكية ، والذي يركز على الجغرافيا السياسية لبلاد الشام والديناميكيات الأوسع نطاقا في غرب آسيا في تقرير نشرته مجلة ناشونال انتريست الأمريكية، إنه مع استمرار القتال في شمال شرق سوريا، يعمل المسؤولون في أنقرة وواشنطن على تعزيز مواقفهم داخل البلاد. ويركز كل منهم على الدبلوماسية المكثفة حيث تعمل تركيا مع شركائها السوريين المحليين للضغط على قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة لطرد حلفائها المنتمين لحزب العمال الكردستاني. وفي نهاية المطاف، تعد هذه المحادثات مهمة للغاية لتأمين هذه المرحلة في العملية الانتقالية في سوريا، حيث يمكن أن تحل القضية الكردية في تركيا وسوريا مع وضع الأساس لانسحاب عسكري أمريكي.

وفي 30 نوفمبر، وفي ظل الهجوم العسكري الذي أطاح بالرئيس بشار الأسد، بدأ الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا عملية "فجر الحرية" لطرد الجماعات المسلحة الأجنبية غير الحكومية وتوحيد الأراضي السورية. ومع ذلك، تركز العملية إلى حد كبير على فصل حزب العمال الكردستاني عن ذراعه السورية، وهي وحدات حماية الشعب، وقوات سوريا الديمقراطية الأوسع نطاقا.

وأشار لانجلوا إلى أنه مع فرار قوات الأسد من حلب، قامت بتسليم مناطق استراتيجية لقوات سوريا الديمقراطية- وهو آخر فصل في تعاونهما الطويل الأمد في مواجهة المعارضة أو التهديدات التركية. ولكن قوات سوريا الديمقراطية لم تتمكن من الحفاظ على موقعها في مدينة تل رفعت شمال حلب لإقامة ممر يمتد عبر شمال سوريا، ولجأت إلى جرائم حرب ضد المدنيين في محاولة لتأخير أي تقدم للجيش الوطني السوري.

كما اتهم شهود قوات سوريا الديمقراطية بالقيام بعمليات تخريب للبنية التحتية وشن قصف مدفعي عشوائي. وتشير مصادر محلية إلى أن الجيش الوطني السوري، على الرغم من مسؤوليته عن قائمة طويلة من انتهاكات حقوق الإنسان، قد قلص هذه الأساليب في قتاله بعد 8 ديسمبر مع قوات سوريا الديمقراطية. ومع ذلك، ترتكب المجموعة انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان.

ووفقا لمصادر مطلعة، فإن عملية الجيش الوطني السوري تنقسم إلى ثلاث مراحل. وركزت المرحلة الأولى على طرد قوات سوريا الديمقراطية من حلب، حيث كانت تحتل جيوبا في تل رفعت وحي الشيخ مقصود ذي الأغلبية الكردية تاريخيا في مدينة حلب.

وتهدف المرحلة الثانية من العملية إلى عبور نهر الفرات، وطرد قوات سوريا الديمقراطية من مدينتي الرقة ودير الزور اللتين تقطنهما أغلبية عربية نحو مدينة القامشلي ذات الأغلبية الكردية.

وقال لانجلوا إنه اتضح هذه المرحلة صعبة، حيث تم تنشيط جبهات متعددة في وقت واحد. وحتى الآن، أجبرت العملية قوات سوريا الديمقراطية على الخروج من مدينة منبج بعد قتال عنيف، لكن خطوط الجيش الوطني السوري مجمدة الآن على طول النهر.

وتهدف المرحلة الثالثة إلى حل قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب، والقضاء على هيمنتهما على السياسة الكردية السورية وطرد العناصر الأجنبية ذات الأجندات الانفصالية – وتحديدا حزب العمال الكردستاني.

ولمواجهة هذه العملية، اتخذت قوات سوريا الديمقراطية تدابير لتحويل نهر الفرات إلى حدود طبيعية، واستغلت المخاوف الكردية المشروعة إزاء ممارسات الجيش الوطني السوري السابقة والافتقار العام إلى الوضوح بشأن مستقبل سوريا وسلامة أراضيها للحفاظ على السيطرة. كما بدأ القائد العسكري لقوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي (فرهاد شاهين سابقا)، مفاوضات إقليمية، وقام بشكل مستمر بتغيير مواقف قوات سوريا الديمقراطية في المحادثات وتقديم تنازلات تدريجية لتعزيز مصالح مجموعته.

في غضون ذلك، تقوم المسؤولة البارزة في مجلس سوريا الديمقراطية إلهام أحمد بجولة دبلوماسية مكوكية مع الغرب، وتثير مخاوف بشأن حقوق الأقليات وعودة ظهور تنظيم (داعش) والتفسير المنحرف للإصلاح الدستوري القائم على الكونفدرالية - وليس الفيدرالية..

وأضاف لانجلوا أن وحدات حماية الشعب سيطرت على قيادة قوات سوريا الديمقراطية منذ نشأتها، وكان ذلك جزئيا بقواتها ولكن إلى حد كبير عبر حزب العمال الكردستاني. وقد صنفت حكومة الولايات المتحدة حزب العمال الكردستاني كمنظمة إرهابية أجنبية في عام 1997 وأدرجته كمنظمة إرهابية عالمية بشكل خاص في عام 2001 بموجب أمر تنفيذي. ويعمل الحزب إلى حد كبير من خلال فروع محلية في سوريا وتركيا والعراق.

ولكن على الرغم من تاريخها الطويل المرتبط بالتفجيرات الإرهابية، اختارت إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما تدريب وتجهيز وحدات حماية الشعب، التي شكلت قوات سوريا الديمقراطية في عام 2015. وقاد بريت ماكجورك هذه الجهود كمبعوث خاص بسبب خبرته السابقة في العراق. واستخدم ماكجورك التمويل الأمريكي المخصص لهزيمة داعش لبناء هياكل إدارية لقوات سوريا الديمقراطية رغم المخاوف الأمنية الوطنية في العراق وتركيا.

وقد حاولت الإدارة الأولى للرئيس الأمريكي دونالد ترامب إصلاح هذه الاختلالات الإقليمية، وكشفت سياسة ماكجورك المجزأة. وأجبر ترامب ماكجورك على الاستقالة وعين جيمس جيفريز لتقليص وجود القوات الأمريكية وإضفاء الطابع الرسمي عليه بموجب معاهدة ثنائية، والتحول من الدعم المباشر لجماعات مسلحة غير حكومية. ووعد جيفريز بالحد من تقديم مساعدات فتاكة لقوات سوريا الديمقراطية والتركيز على منع الممر البري الإيراني الذي كان يزعزع استقرار سوريا باستمرار ويشكل تهديدا للقوات الأمريكية. وتحقق هذا الجهد جزئيا من خلال إخفاء جيفريز أعداد نشر القوات وتفاصيل أخرى عن الرئيس.

وأوضح لانجلوا أن أحدث جهود دبلوماسية لقوات سوريا الديمقراطية تشمل محاولة للتفاوض مع زعيم حزب العمال الكردستاني المسجون عبد الله أوجلان من أجل انسحاب عناصر حزب العمال الكردستاني من سوريا بشكل منظم. ويحدث هذا بالتوازي مع محادثات أنقرة الرامية إلى إنهاء حربها الأوسع مع المجموعة. وكثف المندوبون الأتراك والأمريكيون اجتماعاتهم مع قادة الاتحاد الوطني الكردستاني في العراق في محاولة أخيرة لحل مشكلة حزب العمال الكردستاني وإنهاء محور المقاومة المدعوم من إيران. وقد قضت الاستخبارات التركية على قيادة حزب العمال الكردستاني في مدينتي الحسكة السورية والسليمانية العراقية في الأعوام الماضية ، مما أضعف موقفهم التفاوضي.

ورأى لانجلوا أن إضعاف حزب العمال الكردستاني يمنح الأكراد السوريين غير المتحالفين مع قوات سوريا الديمقراطية – ومن بينهم المجلس الوطني الكردي - فرصة لتنظيم أنفسهم. ومع ذلك، فإن جهودهم تواجه عرقلة من القوة، التي حظرت أنشطتهم وسجنت قادتهم وقيدت تحركاتهم. وقد اكتسبت المحادثات المستمرة منذ سنوات للتعامل مع الجماعات السياسية الكردية السورية زخما منذ سقوط الأسد.

وأشار إلى أن الشائعات بشأن حل الصراع بين تركيا وحزب العمال الكردستاني لا تعني بالضرورة حل الحزب بشكل كامل. إن دعم عبدي لأي دعوة عامة من أوجلان لحل الحزب يمكن أن يساعد في الجهود المبذولة لحل وحدات حماية الشعب/حزب العمال الكردستاني، الأمر الذي يفسح المجال أمام الوحدة الكردية والسورية في سوريا. ويتسم الوضع بأنه هش، كما أظهرت المحادثات السابقة بين تركيا وحزب العمال الكردستاني، وقد يتطلب ذلك الحد الأدنى من القوة من جانب دمشق وأنقرة وبقايا قوات سوريا الديمقراطية لطرد المقاتلين الأجانب.

ويرى لانجلوا أنه في نهاية المطاف، هناك دور يتعين على واشنطن أن تقوم به. فقد قام مجلس الأمن القومي لإدارة الرئيس السابق جو بايدن- بمساعدة من الدعم القوي من الكونجرس لقوات سوريا الديمقراطية- بتوسيع وجود القوات في سوريا بشكل سري لكنه عرضها للهجمات بسبب مواقعها النائية. وفشلت جهودهم في تحقيق الاستقرار حيث حاولوا القيام بإدارة تفصيلية لجماعات مسلحة مراوغة بـأكبر قدر ممكن من السرية مع المبالغة في التهديدات لتبرير وجود القوات، مما يسلط الضوء على التوسع في المهمات الذي أصبح يحدد الانتشار العسكري الأمريكي في الخارج.

وبينما لا يزال تنظيم داعش يشكل خطرا أمنيا، فإن التهديد مبالغ فيه ويستخدم كمبرر قانوني معيب للإبقاء على القوات الأمريكية على الأرض وتوسيع نطاقها . وفيما يتعلق بمنشآت الاحتجاز في شرق سوريا، فإن الإعادة إلى الوطن والملاحقة القضائية والعلاج هي الحل، مع تعزيز القوات الإقليمية والمحلية لأمن السجون مع تقدم هذه العملية.
وهكذا، فإن الإدارة الجديدة تواجه تحديا لتعزيز انتقال منظم، ويكمن مفتاح هذا النهج في إيجاد أرضية مشتركة مع تركيا. ويشمل هذا قوات إقليمية، تحت قيادة أنقرة، لإدارة العنصر الأمني للتحول في سوريا بجانب الحكومة الانتقالية السورية.

واختتم لانجلوا تحليله بالقول إن هذا النهج يمكن أن يحقق انتصارا سهلا نسبيا ومهما للغاية للسياسة الخارجية الأمريكية. وسيكون من الحكمة أن توظف إدارة ترامب دبلوماسية سريعة ترفض الوضع الراهن، وتتطلع إلى المستقبل بنظرة واضحة فيما يتعلق بالعملية الانتقالية في سوريا، وتعطي الأولوية للانسحاب العسكري.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved