أوقات صعبة.. معاناة الاتحاد الأوروبي بسبب ندرة المياه والتلوث
آخر تحديث: الأربعاء 12 فبراير 2025 - 10:17 ص بتوقيت القاهرة
بروكسل - (د ب أ/إي إن آر)
أطلق الاتحاد الأوروبي مجموعة سياسات في مسعى لرسم صورة واضحة لوضع الموارد المائية في التكتل، وصياغة استراتيجية المرونة المائية الأوروبية".
وأصدرت المفوضية الأوروبية مؤخرا تقارير تتعلق بتنفيذ "التوجيه الإطاري للمياه"، و"توجيه الفيضانات"، و"التوجيه الإطاري للاستراتيجية البحرية".
وتحاول غرفة الأخبار الأوروبية (إي إن آر) في هذا النقرير النظر في كيف تأثرت الدول في أجزاء مختلفة من الاتحاد الأوروبي بالقضايا التي سلطت التقارير الضوء عليها، وأن تتناول بعمق "توجيه مياه الصرف الصحي في المناطق الحضرية" المعنية، والذي دخل حيز التنفيذ في يناير الماضي.
وبحسب تقرير المفوضية الأوروبية المتعلق بتنفيذ "التوجيه الإطاري للمياه"، فإن الأمور قد تحسنت.
وذكر التقرير أن ”الدول الأعضاء حسنت بشكل عام المعرفة والمراقبة المتعلقة بالمسطحات المائية السطحية والجوفية، كما عززت الإنفاق، وتطبيق تشريعات الاتحاد الأوروبي المتعلقة بالمياه، رغم وجود اختلافات إقليمية واسعة".
وأشارت مفوِضة البيئة والمرونة المائية والاقتصاد الدائري التنافسي جيسيكا روزوال في تصريح لوكالة الأنباء البلغارية (بي تي أيه)، إلى الحاجة لتغيير نهج التفكير الخاص بالحصول على المياه، مضيفة: "لم يعد الماء أمرا مسلما به كما هو معتاد. إنه مورد استراتيجي من أجل أمننا."
ولكن لايزال أمام الدول الأعضاء كثير من العمل لتحقيق أهداف الاتحاد الأوروبي، حيث حققت 39% فقط من المسطحات المائية السطحية حالة بيئية جيدة، و8ر26% فقط حالة كيميائية جيدة. وأرجعت المفوضية ذلك بشكل رئيسي إلى التلوث الواسع النطاق بالزئبق، والمواد الملوثة السامة الأخرى. كما شكلت الفيضانات وندرة المياه والجفاف مخاوف متنامية.
أمواج متلاطمة
ومطلوب من الدول الأعضاء الالتزام بمستويات التلوث وضمان التعامل مع مياه الصرف الصحي بشكل ملائم بحلول عام 2027، كما يتعين عليها العمل من أجل تعزيز إعادة استخدام المياه ومكافحة الاستخراج غير القانوني للموارد الطبيعية، وتعزيز الكفاءة، ضمن أمور أخرى. ومع ذلك، يقول التقرير إنه يبدو من غير المرجح في هذه المرحلة أن تحقق الدول هذه الأهداف بحلول عام 2027.
وشددت روزوال على أن تشريعات الاتحاد الأوروبي الخاصة بالمياه حاضرة بالفعل، ولكن تنفيذها متباطئ. ولسد هذه الفجوة، أعلنت المفوضة الأوروبية إجراء حوارات منظمة مع جميع الدول الأعضاء في بالتكتل.
وهناك دول مثل بلجيكا بعيدة تماما عن تحقيق أهداف "التوجيه الإطاري للمياه" بحلول عام 2027، وهناك أيضا تلوث واسع النطاق من الزراعة والأنشطة الصناعية والكثافة السكانية، كما يشكل التلوث التاريخي (على المدى الطويل) والتلوث العابر للحدود ، ضغوطا إضافية.
وفي بلجيكا، هناك حوالي 4ر27% فقط من المياه السطحية بحالة بيئية جيدة، مع وجود النترات والمبيدات الحشرية التي لا تزال تشكل مصدر قلق واسع. وإضافة إلى ذلك، فإن الحالة الكيماية لجميع المياه السطحية سيئة، وهو ما يرجع بالأساس إلى وجود الزئبق والمواد الكيميائية الاصطناعية مثل المواد البيروفلوروكسيلية المتعددة الفلور والفلوروكسيلية والمعادن مثل الرصاص والكادميوم. وتحسنت الحالة الكيميائية للمياه الجوفية بشكل طفيف مقارنة بعام2015، ولكن لا يزال نصف المياه الجوفية، تقريبا، بحالة سيئة.
ووفقا لمصادر أوروبية، هناك سبع دول أعضاء، من بينها البرتغال، لم تقدم خططا استراتيجية محدثة بشأن تطبيق "التوجيه الإطاري للمياه" و"توجيه الفيضانات"، وسوف تمثُل هذه الدول أمام محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي.
توقعات بحدوث مشاحنات وتحديات: فقد قالت الحكومة البرتغالية، على سبيل المثال، إن البيانات التي دفعت المفوضية الأوروبية إلى مقاضاة البرتغال لعدم كفاية التدابير المتعلقة بالمياه والفيضانات، عفى عليها الزمن بحسب وزارة البيئة في لشبونة.
الندرة والتلوث والفيضانات
ويضع الجفاف وندرة المياه احتياطيات الاتحاد الأوروبي من الموارد المائية على المحك، كما أن خطر زيادة الفيضانات مرتفع. ورغم التقدم الذي لوحظ في تقييم المفوضية لتنفيذ "توجيه الفيضانات" على إدارة المخاطر في هذا الشأن، أوصت بروكسل العواصم الأوروبية بتحسين قدراتها التخطيطية والإدارية وتعزيز الاستثمار بما يكفي للوقاية من الفيضانات.
وقالت المفوِضة روزوال: "صارت الفيضانات أكثر حدوثا، وقوة وفتكا. لا يوجد جزء من أوروبا بمنأى عنها. الاستثمار في الحماية من الفيضانات، وفي أنظمة الإنذار المبكر هو السبيل لتحقيق ذلك."
ومطلوب من النمسا، على سبيل المثال، أن تكون أهداف الخطة الوطنية الخاصة بها أكثر تحديداً، مع ربطها بمؤشرات كمية، كلما كان ذلك ممكنا، مع وضع سقف زمني.
وذكر التقرير أنه يتعين أيضا زيادة تدابير البلاد من أجل استعادة الحالة البيئية والكيميائية الجيدة لجميع الأنهار والبحيرات، وتسريع وتيرة هذه التدابير. وعلاوة على ذلك، يجب تقييم تلوث المياه الناجم عن الزراعة، على نحو أفضل، والحد من هذا التلوث بشكل مباشر.
وأكدت روزوال أن بلجيكا - أيضا- واحدة من الدول التي تحتاج إلى بذل المزيد من الجهود.
يشار إلى أن مخاطر الفيضانات كبيرة في جميع أنحاء مناطق بلجيكا، وقد اتضح ذلك على نحو مؤلم خلال صيف 2021، عندما اجتاحت الفيضانات أجزاء من مقاطعة لييج. وعلى مدار السنوات الماضية، دمرت الفيضانات أجزاء من ألمانيا وهولندا وجمهورية التشيك وإسبانيا وبولندا والنمسا، ضمن مناطق أخرى في القارة.
وعلى الطرف الآخر، يقف النشاط البشري وراء ندرة المياه في إيطاليا، حيث إن 77% من المسطحات المائية الجوفية في البلاد تعاني من الندرة بسبب ضغوط الاستخراج. أما التلوث الناجم عن الزراعة، من ناحية أخرى، فقد سبب معظم الضغط على مصادر المياه السطحية.
فقدان التنوع البيولوجي: عدم وجود كثير من الأسماك في البحر
ويتطلب "التوجيه الإطاري للاستراتيجية البحرية" من الدول الأعضاء تقييم ورصد واتخاذ تدابير من أجل حماية وتحسين حالة البحار لديها من أجل تحقيق حالة بيئية جيدة.
وأشار التقرير إلى إحراز بعض التقدم، غير أنه أوضح أن التدابيرالتي جرى اتخاذها لمكافحة القمامة البحرية والأنواع الأخرى الغريبة، يعتقد أنها تعالج المشكلات.
ولا تزال تدابير معالجة أشكال التلوث الأخرى وفقدان التنوع البيولوجي والتغير المناخي تعتبر غير كافية. ودعت اللجنة إلى اتخاذ المزيد من الإجراءات بشأن تدابير حماية واستعادة التنوع البيولوجي البحري، والحد من التلوث بالمواد المغذية، والكيميائية والضوضاء تحت الماء.
لا تهدر ما تملك، ليبقى لك مستقبلا
في مطلع يناير، دخل توجيه الاتحاد الأوروبي المعدل لمعالجة مياه الصرف الصحي بالمناطق الحضرية حيز التنفيذ، مع التركيز على جانب رئيسي آخر من جوانب إدارة المياه. ويهدف التوجيه إلى حماية صحة الإنسان، والبيئة من آثار مياه الصرف الصحي غير المعالجة في المناطق الحضرية. ولتحقيق هذه الغاية، يتطلب الأمر من دول الاتحاد الأوروبي ضمان قيام البلدات والمدن بجمع مياه الصرف الصحي ومعالجتها بشكل سليم، وفعال من حيث التكلفة.
وسوف يتعين على دول الاتحاد الأوروبي تعزيز العمل والابتكار بشأن كيفية التعامل مع مياه الصرف الصحي، حيث يتطلب التوجيه أن تقوم المناطق الحضرية التي يقطنها أكثر من 1000 نسمة، بجمعها ومعالجتها. ويتعين أن تشمل خطوات المعالجة إزالة العناصر المغذية، أو المواد الملوثة الدقيقة، التي يمكن أن تكون ضارة.
وفي الوقت نفسه، يجب أن تكون خطط المعالجة محايدة فيما يتعلق باستخدام الطاقة، ويجب خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بحلول عام 2045. وبالإضافة إلى ذلك، يتطلب الأمر مراقبة مياه الصرف الصحي، بحثا عن الأمراض المعدية مثل فيروس كورونا المستجد، أو المواد المقاومة للميكروبات.
وعبر تنفيذ هذه الاشتراطات، تسعى المفوضية إلى تحقيق مجموعة من الأهداف الطموحة: حيث تهدف إلى تحسين جودة المياه من خلال طرق معالجة أكثر صرامة، إلى جانب المساعدة في إعادة استخدام مياه الصرف الصحي. وتهدف التوجيهات إلى ضمان أن يتكفل المسؤولون عن التلوث بدفع الثمن، وأن تصل خدمات الصرف الصحي إلى المستضعفين والمهمشين في أوروبا.
وأمام الدول الأعضاء مهلة حتى عام 2028 لتقديم تقارير بشأن تنفيذ التوجيه القديم، ثم يتحول نظام تقديم التقارير إلى التوجيه المعدل.
ويشكل القضاء على المواد الملوثة الدقيقة وتطبيق مفهوم " الملوثون لا بد أن يدفعوا الثمن" قسما كبيرا من التوجيه الجديد. فالمواد الملوثة الدقيقة، غير المرغوب فيها، يمكن اكتشافها في البيئة بتركيزات منخفضة للغاية (ميكروجرام، أو حتى نانوجرام في اللتر الواحد)، ويرجع ذلك بشكل عام إلى النشاط البشري. ويحدد التوجيه الجديد كيف تدفع الصناعات الدوائية ومستحضرات التجميل إذا كانت مسؤولة عن التلوث.
ويبدي منتجو الأدوية ومستحضرات التجميل استعدادهم للمشاركة في هذا الجهد، لكنهم يعتبرون أن من غير المنصف أن يكونوا المصنعين الوحيدين الذين يقومون بذلك ويحذرون من ارتفاع التكاليف.
وقال نائب المدير العام لاتحاد شركات الأدوية الفرنسية (ليم)، باسكال لو جيادر، لوكالة فرانس برس: "لدينا بالفعل ملوثات دقيقة من منتجاتنا في مياه الصرف الصحي بالمناطق الحضرية، ولذلك يجب علينا بالفعل المشاركة في القضاء عليها."
وتقدر دراسة التداعيات، التي أجرتها المفوضية الأوروبية التكاليف الإضافية بـ2ر1 مليار يورو (24ر1 مليار دولار) سنويا، لكامل الاتحاد الأوروبي، ولكن صناعات الأدوية ومستحضرات التجميل تعتقد أن هذا المبلغ أقل من الواقع إلى حد كبير.