التجارب الطبية على الموتى إكلينيكيا في كفة الميزان بين العلم والأخلاق

آخر تحديث: الجمعة 12 أبريل 2024 - 11:10 ص بتوقيت القاهرة

سان فرانسيسكو - د ب أ

في عام 2016 عندما أعلنت شركة بيوكوارك للأبحاث، ومقرها بولاية فيلادلفيا الأمريكية، عن خطة لإعادة توليد الخلايا العصبية في أمخاخ أشخاص موتى دماغيا، قوبلت هذه الفكرة بعاصفة من الشكوك والانتقادات. وتساءلت الدوائر العلمية آنذاك بشأن جدوى هذه التجارب التي تهدف إلى حقن خلايا جذعية ومواد طبية في أجسام أشخاص حديثي الوفاة او موتى دماغيا، فيما أعرب أنصار الأخلاقيات المهنية عن اعتقادهم أن هذه الفكرة تنطوي على استغلال عائلات هؤلاء الموتى.

ورغم توقف نشاط شركة بيوكوارك منذ ذلك الحين، فإن طبيبا من المشاركين في ذلك البحث المثير للجدل، ويدعى هيمانشو بانسال استمر في أبحاثه، وصرح مؤخرا أنه يجري تجارب طبية في مستشفى خاص في مدينة رودرابور بالهند تتضمن بالأساس أشخاصا بالغين فارقوا الحياة في حوادث سيارات. وأشار إلى أن المرحلة الأولى من تجاربه شملت 20 حالة، فيما تضمنت المرحلة الثانية 11 حالة أخرى، وأن بعض هؤلاء الموتى ظهرت عليهم بوادر تجدد الإشارات الكهربائية في المخ، مؤكدا في تصريحات للموقع الإلكتروني Undark المتخصص في الأبحاث الطبية أنه يعتزم مواصلة أبحاثه لتشمل حالات أخرى في المستقبل.

وفي السنوات الأخيرة، أجريت العديد من التجارب العلمية في مجال نقل الأعضاء من أنواع حيوانية إلى البشر، وقد جددت هذه الصيحة الطبية الاهتمام بشأن إمكانية إجراء تجارب من هذا النوع على اشخاص موتى دماغياً نظرا للمخاطر التي تنطوي عليها مثل هذه التجارب بالنسبة للأحياء. ويمكن الآن بفضل أجهزة التنفس الصناعي وغيرها من وسائل الطب الحديث الإبقاء على بعض الأعضاء الحيوية بالجسم مثل الكبد والكلى والقلب والنظام المناعي على قيد الحياة لعدة أيام بل لأسابيع بعد وفاة مخ المريض، وبالتالي، فإن هؤلاء الموتى دماغيا يعتبرون بمثابة مستودع أسرار بالنسبة للأطباء والباحثين الذين يرغبون في معرفة تأثير أدوية معينة تتعلق بعمليات زراعة الأعضاء وكذلك استجابة الجسم البشري لهذه النوعية من الجراحات.

غير أن جراحات زراعة الأعضاء بين الأنواع الحية التي من المتوقع أن تتحول إلى صناعة بقيمة 25 مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة أثارت تساؤلات بشأن التحديات التي تمثلها هذه النوعية من التجارب على منظومات الرعاية الصحية وأسر هؤلاء الاشخاص الموتى إكلينيكيا.

ويقول بريندن بيرنت خبير اخلاقيات علم الاحياء بجامعة نيويورك الامريكية إن "الحقوق التي يتمتع بها البشر الذين مازالوا على قيد الحياة لا تسري في حالة الموتى إكلينيكيا".

وأشار في تصريحات لموقع Undark إلى أنه في دول مثل الولايات المتحدة وغيرها، فإن التجارب على هذه الفئة من المرضى لا تخضع للضوابط المنظمة للتجارب العلمية على الأحياء، ولا على الاختبارات التي تجرى على الأنسجة والخلايا البشرية، مؤكدا أن هذه هي الثغرة القانونية التي يستغلها بعض الأطباء والباحثين لإجراء تجارب يرى كثير من الخبراء أنها تتنافى مع الاخلاقيات. كما أن غياب هذه الضوابط يؤدي إلى تعقيد الأمور بالنسبة للمجموعات البحثية التي تريد مراعاة البعد الاخلاقي والحصول على الموافقات اللازمة، ولكنها لا تعرف كيفية ولا طريقة الحصول عليها. ويرى كثير من الباحثين أن الوقت قد حان لاستبدال القواعد والضوابط المعمول بها حالياً وذلك بتوفير منظومة أكثر صرامة للإشراف على هذه النوعية من التجارب. وفي هذا الصدد، يقول بيرنت: "الموتى ليست لهم أصوات ولا يوجد من يتحدث باسمهم بشكل حقيقي سوى عائلاتهم".

ومن المعتقد أن مفهوم إجراء تجارب طبية خطيرة على أشخاص موتى دماغيا تعود إلى مطلع السبعينيات من القرن الماضي بعد ظهور النماذج الأولية من أجهزة التنفس الصناعي. وذكر بيرنت خبير أخلاقيات علم الأحياء أن هذه الفكرة بدأت تكتسب الزخم خلال الثمانينيات. وتقول ريبيكا بينتز خبيرة الاخلاقيات الطبية في مركز إم دي أندرسون لأبحاث السرطان بجامعة تكساس الأمريكية إنه في مطلع عام 2000، تواصل معها فريق بحثي متخصص في طب الفيروسات وعلاج الأورام بشأن مدى إمكانية سحب 15 عينة من مريض متوفي إكلينيكيا خلال 24 ساعة لقياس مدى الاستجابة لتقنية جديدة لعلاج السرطان. ونقل موقع Undark عن بينتز التي تعمل الآن بوظيفة أستاذ بكلية طب جامعة إيموري الأمريكية قولها مؤخرا: "ليس من الممكن إجراء هذه التجربة على شخص على قيد الحياة، فهي عملية شرسة للغاية".

وتقول بينتز إن الضوابط الفيدرالية الأمريكية لا تتضمن محددات كافية لمثل هذه النوعية من التجارب، مشيرة إلى أن القانون الاتحادي لحماية البشر، المعروف أيضا باسم القانون العام، يتضمن فقرات لحماية الأحياء الذين يشاركون في التجارب العلمية، ولكنه لا يسري على الأشخاص الذين أعلنت وفاتهم دماغيا، وبالتالي فإن هذه التجارب لا تخضع لولاية المجالس الطبية الإشرافية التي يمكنها تحديد إجراء اختبارات طبية معينة دون غيرها، نظرا لأن اختصاص هذه السلطات يسري في الأساس على المتطوعين الأحياء.

وترى باربرا بارنز رئيس اللجنة الإشرافية على الأبحاث والتدريبات الأكلينيكية بجامعة بيتسبرج الأمريكية أن مصطلح "العناصر الموتى دماغيا" هو مصطلح مطاط في حد ذاته، مضيفة أن "هذه القضية يتعين التفكير فيها ملياً من منظور مستقبلي، فإن اختيار الشخص المؤهل لهذا النوع من التجارب بالقطع مسألة شائكة، ولا يجب التعجل في صياغة الإجراءات والخطوات المنظمة لهذه التجارب".

 

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved