هل تنجو أسماك القرش من الانقراض هذه المرة؟
آخر تحديث: الخميس 18 نوفمبر 2021 - 2:11 ص بتوقيت القاهرة
هدير الحضري
في مرسى علم، كانت المرة الأولى التي جرب فيها "هيثم عبيد" الغوص مع أسماك القرش ليشعر بالرهبة، توقف على مسافة بعيدة وهو يتأمل السمكة المفترسة التي طالما سمع عنها أساطير مخيفة.
مع الوقت، تحولت مشاعر الغواص إلى انبهار وإعجاب، رافق عشرات السائحين الذين أتوا من أنحاء العالم لمشاهدة القروش في مصر، اطمئن لكونها كائنات مسالمة طالما لم يهاجمها أحد. يقول: "أشعر بالغضب كلما فكرت أنه يتم صيد ملايين القروش وإهدار قيمتهم البيئية والاقتصادية من أجل طبق حساء".
قبل ألف عام في الصين، ابتكر أحد الأشخاص وصفة "حساء زعانف أسماك القرش"، وضع الزعانف في إناء الطهي وأضاف بعض التوابل ليصنع طبقاً أصبح فيما بعد من أغلى أنواع الطعام.
من أجل طبق الحساء ولأسباب أخرى، أصبح العالم يقتل أكثر من 100 مليون سمكة قرش سنويا وفقا للتقديرات الأخيرة، سواء بصيدها والانتفاع بمكوناتها، أو بقطع زعانفها وإلقائها في المياه مجددا لتنزف حتى الموت.
حين تُذكر سمكة القرش قد تقفز إلى مخيلتك صورة لكائن مفترس بجسد عملاق وترتبط رائحة الخوف بتخيل قدرتها على الفتك، لكن حين تعلم كيف يلاحقها الموت بطرق مختلفة ستتعاطف معها .
منذ 450 مليون سنة، ظهرت أسماك القرش لأول مرة ولاحقا تم تصنيفها لتنتمي إلى طائفة الأسماك الغضروفية، مرت السنوات و اكتشف العلماء أنواع مختلفة ليعرف العالم الآن نحو 520 نوعا، ولا زال يكتشف المزيد.
في الخمسين عاماً الأخيرة، زاد استهداف أسماك القرش والشفنين وكانت النتيجة انخفاض أعدادها بنسبة 70%، وتهديد ثلاثة أرباعها بالانقراض وفقا لدراسة منشورة في دورية نيتشر في يناير الماضي، فكيف وصلنا إلى هذه النقطة؟
لماذا يصطاد العالم أسماك القرش؟
في الأساس، ترتكز تجارة أسماك القرش إلى جانبين، الأول: لحوم الأسماك وقيمتها الاقتصادية ضئيلة للغاية مقارنة بالجانب الأكثر أهمية وهو الزعانف، ففي الوقت الذي تصل فيه تكلفة كيلو الزعانف 100 دولار أمريكي تكون قيمة كيلو لحم القرش 0.1 دولار فقط، وبينما يقدر حجم تجارة زعانف القرش بحوالي 1.5 مليار دولار، فإن قيمة تجارة لحوم القرش والراي مجتمعة 2.6 مليار دولار، وفقا لتقرير الصندوق العالمي للطبيعة لعام 2021.
لم تكن الزعانف واللحوم مطالب البشر الوحيدة من أجساد أسماك القرش، بل استخدموا جلودها وغضاريفها وكبدها أيضاً، فالعديد من بلدان آسيا وأوقيانوسيا تتناول جلود القرش بعد غليها في الماء وإزالة قشورها، وتُستخدم الغضاريف في صناعة الأغذية أحيانا ويشيع دخولها في صناعة منتجات صيدلانية، كما يتم استخلاص الزيوت من الكبد لتدخل في عدد من الصناعات وفقا لمنظمة "الفاو".
أسماك القرش على قمة السلسلة الغذائية
تتبع الكائنات البحرية نظاما دقيقاً في الحصول على الطعام ويمكن تصنيفها حسب موقعها في مستويات السلسلة الغذائية أو ما يسمى بـ"الهرم الغذائي"، لذا فكل نوع يتغذى على الأسماك التي تقع في المستوى الذي يليه في هذا الهرم.
تقع أسماك القرش على قمة السلسلة الغذائية وفقاً للدكتور محمود الحنفي أستاذ البيئة البحرية بجامعة قناة السويس، فيقول: " وجود القروش مؤشر مهم لصحة البيئة البحرية، ودورها افتراس الأسماك الضعيفة وراثيا أو المريضة وبالتالي تحفظ التوازن في المستويات الغذائية الأقل منها من حيث الأعداد والأنواع كما تعزز نقاء القوة الجينية للأسماك الموجودة، لذا مع النقص المتزايد لها يزيد عدد الأسماك التي تليها في الهرم ويحدث خلل في السلسلة الغذائية كلها لأن كل مستوى غذائي له حجم ودور معين، وبالتالي يتضرر التنوع البيولوجي وتتأثر كفاءة عمل النظام البيئي".
لماذا يصعب "استعادة أنواع أسماك القرش"؟
بالتوازي مع تهديد أسماك القرش بالانقراض تصبح مهمة "استعادة الأنواع" معقدة وشديدة الصعوبة، لأن هذه الأسماك تحتاج إلى عشرات السنوات لتتجدد .
يقول حنفي: "تتكاثر القروش ببطء وخصوبتها منخفضة، أي أنها تنتج عدد صغير من الأبناء لا يزيد عددهم عن عشرات وهذا رقم ضئيل مقارنة بأن هناك أسماك قد تنتج مليون بيضة، لذا فمجتمع القروش له قدرة محدودة على التجدد ويستهلك فترة طويلة للتعافي واستعادة أعداده وأنواعه".
وأضاف أن القروش تتكاثر بطريقتين حسب نوعها، منها أسماك نسميها "البيوضة الولودة" وهي تضع البيض في رحمها وتحتفظ به لعدة أشهر حتى يفقس داخلها ثم تلد، والنوع الآخر تضع البيض خارجها في الماء مباشرة، وهناك أنواع من أسماك القرش تعيش عشرات السنين وأنواع أخرى قد تعيش لأقل من خمس سنوات ".
سمكة القرش "منتج سياحي"
ويرى أستاذ البيئة البحرية إن صيد القروش في مصر يمثل خسارة اقتصادية كبيرة وليست بيئية فقط، فسمكة القرش منتج سياحي يأتي الغواصون من العالم لمشاهدته ويجلب لمصر آلاف الدولارات في السنة، مضيفا: "السمكة الواحدة لو عاشت عشرين سنة قد تصل قيمتها الاقتصادية في السياحة إلى 4 مليون دولار، لكن لو تم اصطيادها تتراوح قيمتها بين 150 و300 دولار، المفارقة واضحة".
يحذر حنفي أيضاً من خطورة تناول لحوم أسماك القرش لاحتوائها على نسب كبيرة من الزئبق وهو معدن ثقيل يؤدي تناول كميات كبيرة منه إلى أمراض مستعصية، في المقابل، تمنع بلاد كثيرة تناول لحوم القرش وتسمح بلاد أخرى ببعض الأسماك الصغيرة التي تحتوي على مستويات أقل من الزئبق.
في سياق آخر، يؤذي الصيد الجائر القروش بطريقة غير مباشرة أيضاً، إذ يحصد عدد كبير من الأسماك التي تمثل غذاء للقروش ويتركها جائعة، كما تسبب إلقاء مخلفات مطابخ السفن في المياه أو إلقاء طعام للقروش في تغير سلوكها وجعلها أكثر عصبية، وهذا أحد أسباب حوادث مهاجمة أسماك قرش للإنسان.
نصف القروش في مصر اختفت
الدكتور مصطفى فودة، مستشار وزيرة البيئة للتنوع البيولوجي، قال إن مصر بها حوالي 50 نوع من أسماك القرش تتراوح أطوالها من عشرين سنتيمترا إلى خمسة أمتار، لكن في السنوات الأخيرة اختفى نصفها تقريباً بسبب عدة عوامل مثل الصيد الجائر والتدخلات البشرية والتلوث وتغير المناخ.
وأضاف أن هناك عدة قوانين واتفاقيات تحظر الإضرار بأسماك القرش، لكن في الواقع يحدث صيد للقروش بنسبة كبيرة بمخالفة القوانين.
وقال: "في مصر أي شخص يتم ضبطه وبحوزته زعانف أسماك قرش يتم إحالته للقانون بموجب قانون البيئة المعدل سنة 2009.. نحتاج أيضا لرصد مستمر لتواجد أسماك القروش وألا يتم استخدام الشباك الكبيرة في المناطق المحتمل تواجدها فيهم".
نيلز كلاجر، المتحدث باسم مبادرة "أوقفوا تجارة زعانف أسماك القرش"، يرى أن دول الاتحاد الأوروبي لا زال يحدث فيها نسب مرتفعة من صيد أسماك القرش، بالرغم من الحظر الرسمي لقطع الزعانف في عام 2013.
المبادرة تم تأسيسها العام الماضي من قبل مواطنين في الاتحاد الأوروبي للمطالبة بإنهاء تجارة زعانف سمك القرش، فيقول كلاجر: "بالرغم من تجريم اصطياد أسماك القرش لقطع زعانفها على متن السفن وإلقائها في البحر مجددا، إلا أن هذه التجارة لا تزال موجودة لأن الصيد مستمر وأصبح هناك سوق لبيع لحوم القرش كما يتم الاتجار في الزعانف بعيداً عن الأعين.. لندع الزعانف في مكانها الطبيعي".
تهديدات أخرى
استطاعت أسماك القرش النجاة من عدد من الانقراضات الجماعية وفقاً لـ "ديفيد كامبل" مؤسس مبادرة مارين بيو العالمية لحفظ الأحياء البحرية عام ١٩٩٨، لكن في الانقراض الجماعي الطباشيري الباليوجيني قبل 66 مليون سنة ، انقرض حوالي 90 ٪ من أسماك القرش في المحيطات المفتوحة، والآن في رأيه تواجه أسماك القرش خطر الانقراض الجماعي مجددا .
يقول : "الأمر لا يقتصر على الصيد الجائر كتهديد مباشر، هناك تهديدات إضافية كثيرة لم يتم فهمها بشكل كامل مثل تغير المناخ وخريطة توزيع المفترسات الأخرى التي تتأثر بالصيد البشري، كما توصل بحث بريطاني إلى وجود شظايا بلاستيكية في المسالك الهضمية لـ 67٪ من أسماك القرش التي تمت دراستها، نعلم أن البلاستيك قد يحمل السموم ومسببات الأمراض لكن تأثيره المحتمل على أسماك القرش في هذه المرحلة غير معروف".
وأضاف أن مناطق حضانة أسماك القرش المهمة مثل أشجار المانغروف ومصبات الأنهار تعرضت للخطر أيضاً بسبب الأنشطة البشرية بما فيها الصيد وتغير المناخ.
الحاجة إلى جهود مشتركة
وقال ليفيز كفاجي، منسق النظم الأيكولوجية والتنوع الحيوي ببرنامج الأمم المتحدة للبيئة في أفريقيا، إن صيد القروش يسبب خلل بيئي قد تنتج عنه نتائج كارثية، كما أن أسماك القرش تنمو ببطء وتنضج متأخرًا وتنتج عددًا قليلاً جدًا من النسل، لذا فإن الصيد المفرط سيؤدي إلى القضاء عليها على المدى المتوسط أو الطويل.
وتابع أن الحفاظ على أسماك القرش يحتاج إلى التعاون بين الدول لأنه لن يكون مجديا أن تعمل كل دولة بمفردها، متابعاً أن برنامج الأمم المتحدة للبيئة يدعو من خلال اتفاقية الأنواع المهاجرة إلى التعاون الدولي لمعالجة الاستغلال المفرط لأسماك القرش.