أمين المتحف المصري في بون: نفرتيتي تستطيع فعل الكثير لمصر إذا بقيت في ألمانيا -حوار

آخر تحديث: الإثنين 12 ديسمبر 2022 - 9:27 ص بتوقيت القاهرة

بون- محمد مجدي:

فرانك فورستر: دعوات استعادة التمثال فرصة لإيجاد حل دبلوماسي للمشكلة
- نقل مقتنيات المتحف إلى مبنى منفصل في قلب المدينة لمدة 10 سنوات لتجديد مبنى الجامعة الرئيسي
- ضياع 800 قطعة أثرية نتيجة القصف خلال الحرب العالمية الثانية


على مقربة من قلب مدينة بون العاصمة القديمة لألمانيا الغربية قبل توحيدها في التسعينات مع انهيار جدار برلين، يقع المتحف المصري التابع لجامعة بون الألمانية ليكون سفيرا للحضارة المصرية وجسرا للتبادل الثقافي بين مصر وألمانيا.

التقت "الشروق" بأمين المتحف المصري عالم الآثار الألماني، فرانك فورستر الذي روى لنا قصة المتحف الذي يضم أكثر من 3 آلاف قطعة أثرية متنوعة.

وتنتشر المتاحف الخاصة بالآثار المصرية في العديد من المدن الألمانية، ومعها يزداد عدد معاهد وطلبة علم المصريات، بينها متحف بون للآثار المصرية ليعكس شغف الألمان بالحضارة المصرية. المتحف افتتح عام 2001، لكن هناك قصة طويلة قبل ذلك، يقول فورستر لـ"الشروق"، بداية من زيارة عالم اللاهوت الألماني آوجستين شولتز في عام 1820 وعودته بمجموعة من القطع الأثرية التي كانت بمثابة نواة للمتحف، مرورا بعدد من أثرياء المدينة وهواة جمع التحف الذين تبرعوا بالقطع الثمينة للجامعة حيث وضعت في متحف الفن الأكاديمي (الذي يضم الثقافة الإغريقية والرومانية)، التابع لجامعة بون مع بداية إنشاءها عام 1880.

يقول فرانك إن المتحف مر بمراحل مختلفة أبرزها تعرض مبنى الجامعة ومعها قاعة المتحف للقصف خلال الحرب العالمية الثانية حتى ضاع أكثر من 800 قطعة من هذه المعروضات.

إلا أن جامعة بون ومن خلال الحفريات التي أجرتها في مدينة أسوان جنوب مصر في منطقة أبو الهول تحت إشراف عالم الآثار ورئيس قسم المصريات في الجامعة إيلمر إيدل والتي استمرت لمدة ثلاثين عاما، من عام 1955 حتى عام 1982، تمكنت من اقتناء المزيد من القطع الأثرية الجديدة التي وصل عددها إلى 1800 قطعة.

في عام 2001، خصصت الجامعة قاعة بمساحة 300 متر في الطابق الأول ملحقة بقسم المصريات. بدت القطع مرتبة على غرار المتحف القومي للحضارة الذي يضم قاعة واسعة مقسمة الآثار من الأقدم إلى الأحدث.

يوضح فورستر: "هنا، يتم الاحتفاظ بمقتنيات المتحف للتعليم الأكاديمي في ثماني واجهات عرض كبيرة والعديد من خزائن المجموعات، ويتم دعوة الزوار للذهاب في رحلة اكتشاف بأنفسهم"ـ عبر قسمين، الأول: البانوراما التاريخية الثقافية للمصريين القدماء في خزانات موضوعية: الخزف، الأدوات، الحياة والرفاهية، الكتابة، الفرعون، الآلهة، الأساطير، الموت والحداد، الفن، مثل نسخة مقلدة لحجر رشيد الذي فك رموزه العالم الفرنسي شامبليون، فضلا عن قطع من ورق البردي والصخور المنقوشة لأمثلة من الكتابة الضخمة، والكتابة المتصلة.

يقول فورستر إن مصر واحدة من أربع مناطق فقط في العالم تم اختراع الكتابة فيها، لهذا ركزنا على تسليط الضوء على دور المصريين القدماء في اختراع الكتابة.

تضم واجهات العرض على ذات الركن، قطعا من الفخار (أوستراكا)، ونموذجا كبير الحجم لمعبد مدينة هابو، من أسطورة الإله المحتضر الصاعد أوزوريس إلى عبادة الموتى، يقابلها أكبر صندوق عرض في المتحف به تابوت منقوش بالألوان يعود إلى حضارة نقادة. ثلاث صور رائعة - من المملكة القديمة (حوالي 2400 قبل الميلاد)، والمملكة الوسطى (حوالي 1900 قبل الميلاد) والمملكة الحديثة (حوالي 1400 قبل الميلاد) - تمثل المستوى العالي من النحت.

أعلى الحائط المواجهة للمدخل، توجد أكبر قطعة في المتحف المصري لجامعة بون هي قالب من الجير يظهر الفرعون سيثي الأول (حوالي 1285 قبل الميلاد) يقود عربته الحربية ويخترق صفوف الأعداء، وأصل القطعة مرسومة في معبد الكرنك في مصر، أيضا هناك تحفة أخرى من الحجر الجيري منقوش عليها مشهد لمينا نارمر خلال معركة توحيد مصر القديمة في عصر ما قبل الأسرات.

في القسم الثاني المقابل للبانوراما الثقافية التاريخية، توجد منطقة الدراسة، لتشكل مختبرا للطلاب والباحثين حتى الأطفال الزائرين. يتحدث أمين المتحف أنهم يهدفون إلى "تحفيز الزائرين للنظر في الثقافة الفرعونية واكتشافها".

وعلى الصعيد الأكاديمي، نجري أعمال بحث على القطع الجديدة التي ترد إلينا سواء عن طريق الهدايا أو التبرع -هكذا تنمو القطع الأثرية بالمتحف ببطء-؛ لتعليم طلاب قسم المصريات كيفية الفحص وعمليات الترميم، بحسب فورستر. وحول أنشطة المتحف، يقول فورستر: نوفر محاضرات شهرية داخل المتحف، ولدينا أيضا مرشدين للسياح الزائرين، ومدراس صيفية للأطفال في المنطقة والمدن المحيطة أيضا تضم ورش رسم ومحاكاة صناعة الفخار.

خصص المتحف محاضرة شهر نوفمبر هاورد كارتر (1874-1939) مكتشف مقبرة توت عنخ آمون احتفاءً بذكرى 200 عام على اكتشافها، يقول عالم الآثار الألماني: كارتر لم يصنع التاريخ فقط مع هذا الاكتشاف ولكن تحليله وتوثيقه العلمي كان شاملاً بشكل لا يصدق في ذلك الوقت، على الرغم من أنه جاء من خلفية متواضعة نسبيا ولم يتلق تدريبا أكاديميا.

يترقب فورستر وغيره من الباحثين العرض الكامل لمقبرة الملك عنخ آمون عند افتتاح المتحف المصري الكبير، "إنه أمر عظيم أن نرى القطع مكتملة في مكان واحد".

وبسؤاله عن التعاون مع وزارة الآثار والمتاحف المصرية، قال: لدينا بالطبع عددا من فرص التعاون مع مكتب الأثار المصري، ولدى الجامعة علماء آثار عملوا على عدد من مشروعات الأثرية في مصر مثل إيلمر إيدل، وأيضا لودفيج مورينز، رئيس بعثة جامعة بون الألمانية التي تقوم بالاستكشافات الأثرية بمنطقة سرابيط الخادم بسيناء.

وسبق ونظمت الجامعة بالتعاون مع وزارة الآثار في عام 2016، معرض «سيناء: مهد الكتابة الأبجدية» بمقر المتحف المصري في التحرير، والذي يحكي تطور الكتابة الأبجدية التي ظهرت في جنوب سيناء منذ آلاف السنين التي تعد أصل الكتابة الأبجدية في العالم أجمع.

زار فرانك فورستر، مصر كثيرا وعمل مع العديد من البعثات الألمانية العاملة في مصر بينها الفريق الذي عمل في كهف "الجارة" في الصحراء الغربية والذي يعتقد أن يعود تاريخه إلى 8500 قبل الميلاد تقريبا.

ويقع الكهف على بعد عشرة كيلومترات من "كهف السباحين" الذي صور في فيلم (المريض الانجليزي) الفائز بالأوسكار والذي أنتج عام 1996.

سألناه أيضا عن القطعة الفريدة النصفية للملكة نفرتيتي، وعن رؤيته للدعوات المصرية باستعادتها، يقول عالم الآثار الألماني: إنه من الصعب الإجابة على مثل ذلك سؤال.. لكن تمثال نفرتيتي هو بالتأكيد أحد أعظم أيقونات مصر وأحد سفرائها الأكثر نفوذاً في الخارج. كل عام، يعجب عشرات الآلاف من الزوار من جميع أنحاء العالم بجمالها في برلين وينجذبون لمعرفة المزيد عن إنجازات هذا ثقافة رائعة. قرر الكثيرون زيارة مصر لأول مرة بسبب هذا اللقاء.

"وعلى الرغم من أنني أستطيع أن أفهم الدعوات الحالية (وربما التي لا تنتهي أبدًا) لإعادة هذا العمل الفني الرائع إلى الوطن، أعتقد أن نفرتيتي يمكنها فعل المزيد من أجل مصر إذا بقيت في برلين"، يرى فورستر. "في النهاية، التمثال النصفي لنفرتيتي، مثل حجر رشيد في لندن، هو تراث ثقافي عالمي يجب أن يكون في متناول الجميع. ولحسن الحظ هو كذلك".

في الوقت نفسه يقول فورستر، إنها فرصة لمناقشة المسألة لإيجاد حل دبلوماسي بين الحكومتين المصرية والألمانية حول التمثال النصفي.

وكشف أمين المتحف، عن نقل مقتنيات القاعة إلى مبنى آخر بالقرب من محطة القطارات الرئيسية في بون لمدة 10 سنوات على الأقل، لإجراء أعمال تجديد في مبنى الجامعة الرئيسي، وهو ما يزيد من فرص الإقبال على المتحف الذي يستقبل نحو 100 زائر أسبوعيا.

"نحن نتطلع إلى ذلك، على الرغم من أن الاستعدادات للانتقال تمثل تحديًا تنظيميًا كبيرًا، لكن الجامعة فيه سيدعمنا بشكل فعال. لذلك نأمل أنه بحلول بداية عام 2024 سنكون قادرين على تقديم كنوزنا إلى جمهور عريض في إعداد جديد وجذاب، وبالتالي الإعلان عن الجامعة بأكملها أيضًا!".

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved