أعمال حلمي التوني للأطفال.. جسور من التواصل الإبداعي مع عالم الصغار

آخر تحديث: الجمعة 13 سبتمبر 2024 - 8:35 م بتوقيت القاهرة

أسماء سعد

تقنيات فنية مبتكرة استخدمها الفنان الراحل  لمخاطبة خيال الأطفال.. وخلقت عالما خاصا لهم

فى رحلة فنية استثنائية، سعى الفنان التشكيلى الكبير حلمى التونى جاهدا إلى بناء جسور تصل بين عالم الفن الرفيع وقلوب الأطفال، فعبر مسيرة فنية طويلة وممتدة، اختار التونى ألا يقصر لوحاته على أروقة المعارض، ولكن اختار أن ينقلها إلى أغلفة الكتب القيمة وصفحات الصحف والمجلات، ليشارك جمالها مع الصغار الذين مثلوا جمهورًا عزيزًا على قلبه.

لطالما كانت الطفولة شغفًا يراود الفنان التونى، فبلمسة فنية رقيقة، قدم لنا كنوزًا فنية لا تُنسى فى عالم كتب ومجلات الأطفال. وقد حظيت أعماله بإعجاب عالمى، حيث استعانت بها العديد من المنظمات الدولية لنشر ثقافة السلام والمحبة بين الأطفال، وتكريمًا لإبداعاته، نال العديد من الجوائز والتقدير.

 «مناظر مصرية، بيت العز، بابا جاى إمتى، جليلة ومنة، صاحبة الجلالة، لونونى، عروسة حنان»، نماذج على أعمال فنية ألفها ورسمها وأبدعها حلمى التونى بالتعاون مع دار الشروق، وجميعها أعمال جملت بصمات الإبداع المصرى الأصيل لحلمى التونى، حيث رسم الفنان حكايات الأجداد والأبناء وأساطيرهم، مستوحيا رموزه ونقوشه من عمق الحضارة المصرية، وقد نجح فى أن يخلق عالما ساحرا للأطفال، عالمًا مليئًا بالخيال والإبداع.


هناك نماذج رائدة لأعمال التونى عن الصغار، نجد فى بعضها دلالات فنية ثرية، تماما كما فى كتاب أنا وجدتى تأليف فاطمة المعدول وكذلك فى كتابه «صاحبة الجلالة» الصادر عن دار الشروق، وهى ملكة مصرية يكشف عنها الكتاب، حكى التونى قصتها فى كلمات ورسمها فى لوحات للصغار، وبرزت السمة الأساسية فى الكتاب فى هيئة التناغم المثالى بين الكلمات الرقيقة واللوحات المتقنة.

أما فى كتاب «بيت العز» يحاول التونى أن يعود بالذاكرة إلى تلك الأشياء الجميلة، ليتذكرها الكبار، وليتعَّرف عليها الصغار، بعد أن اِختفت، وحلَّ مكانها بديل عصرى، ربما يكون أكثر كفاءةً وفائدة.

وفى كتاب «بابا جاى امتى» قدم التونى سلسلة ممتعة من الأغانى المشهورة فى كتاب مرسوم وآخر للتلوين؛ وذلك ضمن مشروعه الذى سعى من خلاله لإحياء تراثنا والحفاظ عليه، وفى كتاب «مناظر مصرية» حاول رصد وتسجيل بعض هذه العادات والأشياء التى كنا نستعملها، أو يستعملها آباؤنا وكانت جزءا من حياتهم اليومية وأفراحهم وسعادتهم، وثروة ذكرياتهم التى تشكل ملامِح مجتمعهم وملامح هويتهم.

وفى كتابه «جليلة ومنة» يدعونا الفنان الكبير حلمى التونى لزيارة عالم أبناء كليلة ودمنة؛ لنعرف كيف استطاعوا بالذكاء والدهاء أن يصنعوا حياة أفضل لهم ولأصحابه حيث حياة يسودها العدل والرِّفق والجمال.

وفى «عروسة حنان» سنكتشف حنان بنت مصرية تلعب بالعرائس من كل مكان فى الدنيا: عندها عروسة يابانية وأخرى أمريكية وأخرى روسية. لكن فى يوم اكتشفت أن عرائسها لا تشبهها، فذهبت تشتكى إلى أمها. أحضرت أم حنان مقصا وبواقى أقمشة ملونة وخيط وأزرار.. وبعد ساعات أضافت حنان أجمل عروسة لمجموعتها.. ومن صنع يديها!

وفى خطوة جريئة، خصص الفنان التونى معرضًا خاصًا بأعماله الفنية الموجهة للأطفال، أطلق عليه «عالم الصغار»، وقد قدم فى هذا المعرض مجموعة متنوعة من اللوحات التى استخدم فيها تقنيات فنية مبتكرة، وصلت إلى 30 لوحة زيتية، ليثير فضول الأطفال ويحفز خيالهم.

برز الفنان التشكيلى الكبير حلمى التونى كصانع بهجة للأطفال، وذلك من خلال عدد كبير من مؤلفات وكتب الأطفال، التى أبدعها كتابة ورسما، حيث شكّل عالما فنيا إبداعيا متكاملا للصغار تتراقص فيه الألوان وتتهادى الأحلام، ففى أعماق روحه النقية، كان يحمل شغفًا لا يضاهى برسم البسمة على وجوه الصغار. وقد تجسد هذا الشغف فى لوحاته المفعمة بالحياة، والتى كانت تنبض بألوان زاهية تعكس تمكنه واقتداره الفنى للعديد من القوالب الفنية.

تسود حالة من الإجماع حول أنه كلما استعرضنا تلك الرسومات وكأننا نعود إلى زمن الطفولة البريئة، حيث تسحرنا الألوان وتشدنا القصص، فقد كان حب الأطفال هو الدافع الرئيسى وراء إبداعاته الفنية، فقد استطاع أن يترجم هذا الحب إلى لوحات تعكس براءة الطفولة وجمالها. ففى كل تفصيل صغير فى رسوماته نجد لمسة من الحنان والعاطفة التى كانت تميز هذا الفنان الكبير.

ترك حلمى التونى إرثًا فنيًا غنيًا للأجيال القادمة، حيث ستظل لوحاته شاهدة على عبقريته وإبداعه، وقد استطاع حلمى التونى أن يخاطب عقول الأطفال وقلوبهم بلوحاته الساحرة، ففى كل رسمة، كان يقدم لنا عالمًا جديدًا مليئًا بالمغامرات والخيال، وقد حظيت أعماله بإعجاب كبير من قبل الأطفال والكبار على حد سواء، حيث تم ترجمتها إلى العديد من اللغات ونشرها بواسطة مؤسسات عالمية، تولت النشر والاحتفاء والتكريم لحلمى التونى.

امتلك الفنان التشكيلى الكبير حلمى التونى شغفا عميقا بعالم الأطفال، حيث حظى هذا العالم بمساحة واسعة فى قلبه. فقد رأى أن من واجبه أن يجسد عالم الصغار بألوان زاهية وأشكال مبهجة، ليقدم لهم فنا يلامس روحهم البريئة ويغذى خيالهم الواسع. وبهذا، استطاع أن يخلق عالما خاصا بالأطفال، عالمًا يجمع بين البساطة والجمال، عالمًا يعبر عن أحلامهم وطموحاتهم.

تميزت رسومات التونى للأطفال بطابع فنى خاص، يجعلها قريبة من قلوب الصغار، فالألوان الزاهية والشخصيات المحببة والأحداث المشوقة كلها عناصر تساهم فى خلق تجربة فنية ممتعة ومفيدة. وقد حرص على أن تكون هذه الرسومات بمثابة مرآة تعكس عالم الطفل، عالمًا مليئًا بالمرح والحياة والاكتشاف.

ذهب الفنان الراحل إلى أن الطفل المصرى يتمتع بحس فنى فطرى، وأن رسوماته تسعى إلى إيقاظ هذا الحس وتنميته. فمن خلال هذه الرسومات يستطيع الطفل أن يرى نفسه وعالمه من منظور فنى جديد، وأن يشعر بالانتماء إلى هذا العالم الجميل.

تمسك التونى بهدف أساسى هو تقديم فن يسعد الأطفال ويثرى عقولهم، فن يزرع فى نفوسهم بذور الإبداع والابتكار. فقد آمن بأن الفن رسالة سامية، وأن رسالة الفنان هى أن يجعل العالم أكثر جمالا وأكثر إشراقًا.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved