ساهم في تقليل الوفيات.. كيف استخدم خبراء الأرصاد الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بإعصار ميلتون؟‬

آخر تحديث: الأحد 13 أكتوبر 2024 - 10:36 ص بتوقيت القاهرة

منال الوراقي

ما زالت الولايات المتحدة الأمريكية تواجه الإعصار ميلتون، الذي يضربها منذ أيام، حيث وصل إلى الفئة الخامسة مع بلوغ سرعة الرياح المصاحبة له 270 كلم/ساعة، وواصل تقدمه نحو ولاية فلوريدا.

ووجهت السلطات الأمريكية نداء للسكان بضرورة الإجلاء قبل وصول الإعصار الذي قد يكون "أسوأ عاصفة" تضرب شبه الجزيرة "في قرن" بحسب الرئيس الأمريكي جو بايدن، وفق ما نقلت شبكة "فرانس 24".

وارتفعت حصيلة القتلى جراء الإعصار ميلتون إلى 16 قتيلا على الأقل في فلوريدا، اليوم، في الوقت الذي بدأ فيه السكان بالعودة إلى منازلهم، وسط استمرار انقطاع الكهرباء عن الملايين.

فيما قدّر الرئيس الأمريكي جو بايدن قيمة الخسائر الجسيمة التي خلفها الاعصار بـ50 مليار دولار، في حين كانت الزوابع وليس مياه الفيضانات وراء العديد من الوفيات الناجمة عن العاصفة، وفق ما نقلت شبكة "الجزيرة".

ومع ذلك، فقد نشرت صحيفة "التايم" الأمريكية تقريرا تناولت فيه كيف ساعد استخدام خبراء الأرصاد الجوية في الولايات المتحدة الأمريكية الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بإعصار ميلتون في تقليل عدد الوفيات جراء الإعصار المدمر.

وقال التقرير إن إعصار ميلتون هو خامس إعصار في عام 2024 يضرب البر الرئيسي للولايات المتحدة، مؤكدا أنه مع تزايد وتيرة وشدة العواصف مثل هذا الإعصار، يلعب الذكاء الاصطناعي دورًا مركزيًا بشكل متزايد في الجهود التي يبذلها خبراء الأرصاد الجوية وغيرهم من العلماء لتتبع هذه العواصف والتخفيف من أضرارها.

وأضاف أن خبراء الأرصاد الجوية استمروا لسنوات في بناء نماذج تنبؤ معقدة للعواصف بناءً على سرعات الرياح ودرجة الحرارة والرطوبة وعوامل أخرى، وسجلوا عبر قراءات من الطائرات والعوامات والأقمار الصناعية، لكن هذه النماذج قد تستغرق ساعات لإنتاج توقعات محدثة.

وأوضح التقرير أن العلماء استطاعوا مؤخرا التوصل لكيفية استخدام الذكاء الاصطناعي ونماذج التعلم الآلي، التي تعتمد على المعرفة الواسعة بالغلاف الجوي للأرض والبيانات وكيفية تطور العواصف السابقة، في التنبؤ بالأعاصير، حيث تتفوق تلك النماذج في التعرف على الأنماط، وتستخرج الاتجاهات التي لا يستطيع معظم البشر تمييزها في جزء بسيط من الوقت.

وفي هذا العام، قدم العلماء مرارًا وتكرارًا تنبؤات دقيقة تتعلق بالعواصف، والتي تم الوصول لها في غضون ثوانٍ قبل أن تضرب العاصفة الساحل الشرقي للولايات المتحدة الأمريكية.

ومع ذلك، قال عالم الأرصاد الجوية مات لانزا، الذي يعمل في هيوستن، أكبر مدينة بولاية تكساس الأمريكية: "إن علماء الأرصاد الجوية يستخدمون نماذج الذكاء الاصطناعي في بعض الحالات على مضض وفي بعض الحالات يتم استخدامها بالكامل".

وأضاف: "فيما يتعلق بالأعاصير، تعلمنا أن نماذج الذكاء الاصطناعي يمكن أن تتنافس جنبًا إلى جنب مع النموذج القائم على الفيزياء، لذلك عليك استخدامها".

وتابع لانزا، أن هذا الأسبوع ظهر إجماع بين العديد من أنواع نماذج التنبؤ بالأعاصير المختلفة على أن إعصار ميلتون من المحتمل أن يهبط بين كليرواتر وساراسوتا بولاية فلوريدا، ولكن المفاجىء أن نماذج الذكاء الاصطناعي "التقطت هذه النتيجة المحتملة قبل 12 إلى 18 ساعة من الكثير من النماذج الأخرى".

-دقة تتبع الذكاء الاصطناعي للعواصف
وهذه ليست المرة الأولى التي تتنبأ فيها نماذج الذكاء الاصطناعي بمسار إعصار هذا العام قبل النماذج التقليدية، فقد قام نموذج الذكاء الاصطناعي للتنبؤ العالمي بالطقس "GraphCast"، التي أنشأتها شركة البرمجيات "Deepmind" للذكاء الاصطناعي التابعة لشركة "Google"، بتدريب برنامج الذكاء الاصطناعي على 4 عقود من بيانات الطقس العالمية، وتوقعت بشكل صحيح أن بيريل، أول إعصار أطلسي كبير في عام 2024، سيضرب اليابسة في تكساس، على عكس نموذج أوروبي رائد تنبأ بضربة مكسيكية، حيث فاز الفريق وراء المشروع بجائزة الهندسة الكبرى في بريطانيا هذا العام، ووصفه أحد القضاة بأنه "تقدم ثوري".

وبعد شهرين، تنبأ نموذج ذكاء اصطناعي أوروبي يسمى "AIFS" بنجاح بمسار إعصار فرانسين عندما ضرب ساحل الخليج، حيث يقول لانزا: "كان التنؤ مذهلاً.. حتى أفضل النماذج التقليدية أداءً لا أعتقد أنها كانت دقيقة إلى هذا الحد".

وكتب عالم الأرصاد الجوية على مدونته أن دقة النموذج أعطت فريقه الثقة في أن العاصفة لن تكون مصدر قلق كبير في تكساس، مما سمح للناس على الأرض بالتخطيط وحشد الموارد بشكل أكثر ملاءمة.

وتشمل نماذج التنبؤ بالذكاء الاصطناعي الرئيسية الأخرى "FourCastNet" التي طورتها شركة "NVIDIA" و"Pangu-Weather"، من شركة "Huawei".

-المركز الوطني للأعاصير

من جانبه، قام المركز الوطني للأعاصير في الولايات المتحدة بدمج الذكاء الاصطناعي في عمليات التنبؤ الخاصة به، حيث وصفه نائب مدير المركز الوطني للأعاصير جيمي روم بأنه "ركيزة" النجاح العام الماضي.

وقال لشبكة "إن بي سي ميامي" الأمريكية: "لقد تحسن تطور الذكاء الاصطناعي بشكل كبير ويستمر في التحسن، وهذا أمر بالغ الأهمية لأننا لا نملك سوى 3 ساعات للتنبؤ".

-الكثير من الثغرات

على الرغم من نجاحها، لا تزال التكنولوجيا تعاني من الكثير من الثغرات، فقد وجدت دراسة أجريت عام 2024 أنه في حين تنبأت نماذج التعلم الآلي بفعالية بالسمات واسعة النطاق للعاصفة الأوروبية سياران، إلا أنها فشلت في تسجيل الرياح السطحية المدمرة والجوانب غير العادية الأخرى للعاصفة.

ولذلك، قال عالم الأرصاد لانزا يقول لانزا، إن نماذج الذكاء الاصطناعي تميل إلى التقليل من شدة الأعاصير وتواجه أحيانًا صعوبة في قياس هطول الأمطار.

وبسبب هذه الأخطاء، يقول إنه من المهم ألا يعتمد خبراء الأرصاد الجوية فقط على التنبؤ بالذكاء الاصطناعي، مضيفا: "نحن لا نسلم زمام الأمور لهذه الأشياء ونقول فقط، "قدم لي تنبؤًا وسأعيده"، "لا يزال عليك أن تنظر إلى مجموعة أوسع من الأدوات المتاحة لك".

-التنبؤ بالعواصف

في جامعة فلوريدا، يعمل عالم الذكاء الاصطناعي تشي جيانج على حل إحدى هذه المشاكل الأكثر تفصيلاً في الدقة: كيف ستؤثر العواصف على سواحل فلوريدا.

وقال جيانج إن الذكاء الاصطناعي للنمذجة الساحلية تأخر عن التنبؤ بالطقس العالمي، بسبب الافتقار إلى بيانات التدريب عالية الجودة وحقيقة أن الشبكات العصبية التي تعتمد على البيانات غالبًا ما تكون غير مدركة للمبادئ الفيزيائية الأساسية، مثل كيفية تحرك المياه أو انتشارها.

وللمضي قدمًا في هذا المجال، قام جيانج وزملاؤه، بما في ذلك علماء المحيطات الساحلية، بتدريب بديل للذكاء الاصطناعي يعتمد على المحاكاة الساحلية، ووفقًا للنتائج الأولية، أنشأ هذا الذكاء الاصطناعي تنبؤات لتيارات المحيط أسرع بـ 500 مرة من النماذج السابقة

ويأمل جيانج في تدريب النموذج على العواصف قريبًا، وهو ما يأمل أن ينقذ الأرواح ويمنع أضرار الممتلكات، حيث يقول: "في التنبؤ الحالي، قد يستغرق الأمر بضع ساعات للتوصل إلى توقعات، إذا قللنا الوقت إلى ثوانٍ، يمكن لمديري الكوارث التخطيط لمزيد من الوقت مقدمًا وجعل المزيد من الأشخاص يخططون بشكل أفضل للأضرار المحتملة".

ولكن جيانج حريص على ملاحظة أن مجرد استخدام نماذج الذكاء الاصطناعي للأغراض العامة للتنبؤ بعواصف المد والجزر قد يكون له عواقب وخيمة، حيث قال: "إن الشبكات العصبية تقدم أحيانًا تنبؤات مفرطة الثقة ولكنها غير دقيقة، مما يتسبب في عواقب وخيمة في اتخاذ القرارات عالية المخاطر".

-نسخ ثلاثية الأبعاد لأنظمة العواصف

وشرع العديد من الباحثين الآخرين في مشاريع موازية، حيث يقوم باحث في جامعة ميامي الأمريكية بتدريب أجهزة الكمبيوتر على أمل بناء نسخ ثلاثية الأبعاد لأنظمة العواصف النشطة، بحيث لا تضطر الطائرات إلى التحليق فيها لأخذ القراءات.

وتستخدم شركة أخرى التعلم الآلي لمحاولة التنبؤ بالأماكن التي قد تحدث فيها انقطاعات التيار الكهربائي، وعدد السكان الذين قد يتأثرون.

ولذلك، يقول جيانج إن مواجهة الأعاصير مثل ميلتون تجعل عمله أكثر إلحاحًا: "هناك المزيد والمزيد من الأحداث الشديدة والمخاطر الساحلية مثل إعصار ميلتون بالقرب منا، ونحن نتسابق حقًا مع الوقت لتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل أسرع".

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved