طبيبة إنجليزية تصدر كتابا عن الطب السريرى والعلوم الإنسانية

آخر تحديث: الجمعة 14 مارس 2025 - 8:52 م بتوقيت القاهرة

منى غنيم:

• الجسد يروى قصته بعيدًا عن التفاعلات الكيميائية ووظائف الأعضاء فى كتاب جديد

حتى أوائل القرن السابع عشر، كان العلماء يعتقدون أن القلب يعمل كالمصباح عن طريق تسخين الدم الذى ينتجه الكبد. ولكن فى عام 1616، صحح الطبيب الإنجليزى ويليام هارفى هذا المفهوم الخاطئ وشرح كيفية عمل القلب فعليًا، ليُقابل بالاستهجان من قِبل جمهور الأطباء فى الكلية الملكية للأطباء، وقد تدفعنا تلك الواقعة للتساؤل: لماذا استغرق العلماء وقتًا طويلًا لفهم وظيفة القلب الحقيقية؟ ربما لأنه حتى اختراع المضخات الميكانيكية فى أواخر القرن السادس عشر، لم يكن لدى الأطباء لغة مجازية مناسبة لوصف ما يفعله القلب داخل الجسم.

الجسد إذن لديه قصة ليرويها، وليس مجرد تفاعلات كيميائية ووظائف للأعضاء فحسب؛ ومن هذا المنطلق أصدرت الجرّاحة والكاتبة الإنجليزية جابرييل ويستون كتابها الجديد بعنوان «حى» لتوضح للقارئ أن حقيقة الجسد تتعلق بالسرد ــ كما فى سرد القصص ــ بقدر ما تتعلق بالتشريح، ولذا فإن هذا الكتاب، الذى تصفه بأنه «استكشاف روحانى» لموضوعها، يجمع بين الطب والعلوم الإنسانية فى مزيج فريد.

وقد درست «ويستون» الأدب الإنجليزى قبل أن تلتحق، فى أوائل العشرينيات من عمرها، ببرنامج طبى مبتكر مصمم لجذب طلاب الفنون إلى دراسة الطب، وهى ترى أن الطب السريرى لديه الكثير ليتعلمه من العلوم الإنسانية؛ فبينما تعرض كتب التشريح الأعضاء والأجزاء بمعزل عن الفرد وسياقه، تعتقد «ويستون» أن هذا يتغافل عن بعض الحقائق المهمة؛ لأن الجسد ليس مجرد آلة ميكانيكية. ومن هنا، فإن كتابها الجديد ليس فقط كتابًا عن وظائف الأعضاء، بل عن معانيها بالنسبة لنا، وعن كيفية شعورنا بها.

وينقسم الكتاب إلى فصول تحمل عناوين لأجزاء الجسم المختلفة؛ مثل «القلب»، «العظام»، «الأعضاء التناسلية»، و«الرئتان»، وكل فصل يحتوى على معلومات تشريحية دقيقة؛ كشرح مفصل لطبقات الجلد المختلفة ووظائفها، وكيفية عمل الكلى، وكيف يحول الثدى الدم إلى حليب، ولكن هذه المعلومات العلمية تتشابك مع تأملات "ويستون" الشخصية والفلسفية ونقاشات حول أخلاقيات الطب والفنون.

وامتاز الكتاب الجديد بمزيج من الإحصائيات المدهشة والتأملات العميقة حول الدور العاطفى الذى تلعبه أعضاؤنا فى حياتنا؛ فمنذ الفصل الأول، وصفت المؤلفة مشهدًا لتشريح جثة بتفاصيل حية، حيث يستخدم الطبيب الشرعى إزميلاً لفتح عظمة القص، منتجًا صوتًا أشبه بصوت تمزيق غلاف بلاستيكى من لفافة كرتونية، بالإضافة لبعض العمليات الجراحية الحيوية الأخرى.

ويبدو أن الكاتبة أرادت من خلال سردها أن تكسر حاجز الخوف والتقزز لدى القارئ العادى من فهم آلية عمل الجسد البشرى؛ وانبهارها بجمال التشريح البشرى واضح عبر صفحات الكتاب؛ حيث قالت أنه فى كل مرة تخرج فيها من غرفة العمليات، تشعر وكأنها «تنتقل من ضوء الشمس إلى العتمة، تاركةً وراءها واقعًا مذهلًا لتعود إلى نسخة باهتة مما تقدمه الحياة».

ولا يسع القارىء إلا أن يدرك أن جسده كان بالنسبة له بنفس الغموض والاتساع الذى يتميز به قاع المحيط. القلب، على سبيل المثال، هو مركز شبكة من الشرايين والأوردة تمتد لمسافة 60,000 ميل. بينما تحتوى قطعة صغيرة من الدماغ بحجم 50 ملم على 5 ملايين عصبون، و50 مليار مشبك عصبي، و22 كيلومترًا من التفرعات العصبية، و220 كيلومترًا من المحاور العصبية.

كما سلط الكتاب الضوء على بعض الوظائف المذهلة الأخرى للجسد؛ خذ الرحم كمثال، مع قدرته على التجدد الذاتى شهريًا؛ حيث أشارت المؤلفة أن الرحم أداة رائعة تساعدنا على فهم حقيقة أن علاقتنا بأجسادنا أكثر تعقيدًا مما نظن، كما ورد عبر صحيفة الجارديان البريطانية.

وقد أوردت المؤلفة بعض التفاصيل من حياتها الشخصية عبر صفحات الكتاب؛ فتناول فصل "الرحم" قصة ولادات "ويستون" الأربع، بينما عرض فصل "الرئتان" حادثة نجاة والدها من إصابة خطيرة أثناء تسلق الجبال، وتناول فصل "الدماغ" قصة إصابة ابنها بنزيف دماغى مهدد للحياة.

ولقد تداخلت هذه القصص الشخصية مع موضوعات سياسية واجتماعية، حيث ناقشت التحيز ضد الطبيبات الإناث فى بعض الأوساط الطبية، وقوائم انتظار زراعة الأعضاء، وفحص الندوب فى مراكز احتجاز المهاجرين، حيث يمكن أن تكون العلامات الجسدية دليلًا على طلب اللجوء أو سببًا لرفضه.

كما احتوى الكتاب على مقتطفات من محادثات المؤلفة مع أطبائها حول جراحة مرتقبة لإصلاح صمام قلب معيب، حيث تتشابك مشاعر الخوف مع الإحباط الناجم عن الانتظار الطويل فى النظام الصحى العام، والذى تراه "ويستون" عيبًا خطيرًا فى النظام المقدم للرعاية الصحية.

وفى الختام، شدد هذا الكتاب الجريء والإنسانى على ضرورة منح الأطباء مزيدًا من الوقت لفهم مرضاهم على نحو أعمق، كما أنه قدم للقارىء منظورًا جديدًا ومدهشًا للنظر إلى جسده.

 

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved