نساء من عصر النبوة (23).. نسيبة بنت كعب الأنصارية: أم عمار أول مقاتلة في الإسلام

آخر تحديث: الجمعة 14 أبريل 2023 - 11:08 م بتوقيت القاهرة

منال الوراقي

تعد سير الصالحات تربية عملية للنفوس، وغَرْس للفضائل، وتدريب على التجمل بالآداب الإنسانية في ميادين الخُلُق والرضا وطاعة الله؛ ذلك لأن التربية بالاقتداء من خير الأساليب التربوية؛ لصقل الطباع، وتهذيب المشاعر، والسير قدما على طريق التقوى والاستقامة.

وفي عصر الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- برزت قصص عشرات النساء في حياة نبي الأمة، ممن كان لهن أثر عظيم في عصرهن والعصور التي تلته، أفرد لهن المؤلف والمترجم السوري أحمد خليل جمعة كتاب "نساء في عصر النبوة" الصادر عن دار نشر ابن كثير، ليركز على دورهن وما جرى لهن من أحداث ترتبط بالدعوة الإسلامية وبالرسول.

نسيبة بنت كعب الأنصارية.. أم عمار أول مقاتلة في الإسلام

نسيبة بنت كعب بن عمرو بن عوف بن مبذول الأنصارية الخزرجية النجارية المازنية أم عمارة، من أشهر نساء الصحابة في مطلع النور، وممن حازت أعلى الشهادات في مقام الجهاد والعلم، والنسك، والورع والسَّبْقِ إلى ساح الإيمان، وغيرها من المكارم التي ترفع مقام كل إنسان.

الأسرة الفاضلة: 

نشأت أم عمارة رضي الله عنها في أسرة عُرفت بالفضل والمكارم طيلة حياتها، وكانت أسرتها من الأسر الكريمة التي أسهمت في خدمة الإسلام والمسلمين بكل طاقاتها، وفي مقدمتهم بطلة الأنصار أم عمارة رضي الله عنها، فقد كان أخوها عبد الله بن كعب المازني من البدريين، وكان أخوها عبد الرحمن من البكائين.

أما زوجها زيد بن عاصم بن عمرو، فهو من السابقين إلى الإسلام، وولدها حبيب وعبد الله ابنا زيد صحبا النبي، وهما من فرسان مدرسة النُّبوة، وقد عطّرا التاريخ بأعمالهما الوضيئة.

ثم خَلَفَ عليها بعد ذلك غزيّة بن عمرو بن عطية التجاري فولدت له تميماً وخولة، وكانت هذه الأسرة الفريدة السَّعيدة من الذين أكرمهم الله بالإسلام فأخلصوا له جميعاً، وقدموا خدمات جليلة للإسلام. 

الصحابية المجاهدة

لكلّ بطل من أبطال المسلمين موقفٌ عُرِف به، وكان مَهْبِطُ الشَّرف من حياته، ومعقد الفخر من سيرته التي تصاحبه في حياته، وتروى بعد مماته، وليس هناك موقف أملأ للقلب وأملك للنفس، وآثر في التاريخ، من موقف أم عمارة التي قطعت شوطاً بعيداً في الجهاد، فهي أول مقاتلة في الإسلام.

قال الذهبي رحمه الله: أم عمارة الفَاضِلة المجاهدة، شهدت ليلة العقبة، وشهدت أحداً، والحديبية، ويوم حنين، ويوم اليمامة، وجاهدت وفعلتِ الأفاعيل. 

وأول مشهد رأينا فيه هذه البطلة في العقبة تصحبها امرأة أخرى تدعى أسماء بنت عمر و أم منيع، وفي غَزَاةٍ أُحد تألق نجم أم عمارة، فانتضت سيفها لما دعت الحاجة لذلك، إذ خرجت يومها تسقي الظُّماء، وتأسر الجراح، وكانت غرة الحرب وطلعتها للمسلمين، ولكنه لما بدأ وجه المعركة يتبدل، وانكشف المسلمون، وولوا مدبرين عدا بضعة أبطال، هنالك جاء دور أم عمارة، فانتضت سيفها، وأخذت ترساً، وراحت تدافع عن النبي ﷺ، فكانت من أظهر القوم أثراً، وأعظمهم موقفاً. 

وكانت لا تكاد ترى الخطر يدنو من رسول الله، حتى تسرع لإزالته وإبعاده، حتى قال عنها صلوات ربي وسلامه عليه: «ما التفت يميناً ولا شمالاً إلا وأنا أراها تُقاتل دوني».

وكانت المعركة لا تزال مستمرة، ونسيبة وأسرتها تدور حول الرسول ﷺ تقيه بنفسها، وجرح أحد المشركين ابنها عبد الله جرحاً بليغاً، وربطت أم عمارة جراحه.

وأقبل الذي جرح ابنها عبد الله، فقال رسول الله ﷺ لها : «هذا ضارب ابنك»؛ فاعترضته، وضربت ساقه بالسيف فبرك، فتبسم النبي ﷺ وقال: استقدت يا أم عمارة، ثم أجهزت أم عمارة ومَنْ معها على ذلك الرَّجل المشرك حتى مات، فقال النبي ﷺ: الحمد لله الذي ظفّرك، وأقر عينك من عدوّك، وأراك تارك بعينك.

رفقاء الجنة

وفي أحد جُرحت أم عمارة رضي الله عنها بضعة عشر جرحاً، وكان أكبرها جرحاً عميقاً فى عاتقها أصابها به ابنُ قميئة، ونظر رسول الله إلى جرحها فأمر ابنها عبد الله أن يعصبه، وقال: "بارك الله عليكم مِنْ أهل بيت رحمكم الله أهل البيت". 

وسمعته أم عمارة فقالت: ادع الله أن نرافقك في الجنة، فقال : "اللهم اجعلهم رفقائي في الجنّة"، فقالت أم عمارة: ما أبالي ما أصابني من الدنيا.

وانتهت المعركة، وظلتْ أم عمارة تداوي جراحتها سنة كاملة، وكان رسول الله الله يتفقد أخبارها ويطمئن على أحوالها.

مواصلة الجهاد

شاركت أم عمارة رضي الله عنها في غزوة بني قريظة، وفي الحديبية، كانت قد شدَّتْ سكيناً بوسطها حذراً من غَدْرِ المشركين، وبايعت رسول الله بيعة الرضوان؛ فحظيت برضوان الله عزّ وجلَّ. 

وبعد ذلك شهدت أم عمار خَيْبر، ثم شهدت عمرة القضية، ويوم حنين، كان لها مواقف رائعة لا تقل تألقاً عن يوم أحد، إذ كانت من المئة الصابرة الذين تكفّل الله بأرزاقهم يومذاك، واستطاعت أن تقتل أحد فرسان المشركين أيضاً.

وتختم أم عمارة جهادها في معركة اليمامة، حيث خرجت للقضاء على المرتدين ورأسهم مسيلمة الكذاب وقاتلتْ يومها قتالاً شديداً وقطعت يدها، بَيْدَ أنَّها لم تكترث لهذا، وإنَّما كان همها أن يقطع الله دابر الكافرين، فكان ذلك بمقتل مسيلمة وأعوانه، وسجدت لله شكراً بانتهاء هذه الفتنة.

وعادت المجاهدة الكبيرة إلى المدينة، وقد سبقها عضو منها يبشرها بالجنّة؛ وظلت أم عمارة تحظى بالمكانة اللائقة في حياة الخلفاء الراشدين، فكان أبو بكر رضي الله عنه يأتيها ويسأل عنها، أما عمر رضي الله عنه فقد خصّها بكساء جيد، وذلك لمكانتها وسابقتها في الإسلام.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved