انتفاضة اقتصادية.. كيف أنقذ شارل ديجول فرنسا من حافة الانهيار المالي في 1958؟
آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024 - 12:52 م بتوقيت القاهرة
هايدي صبري
في الوقت الذي تشهد فيه فرنسا أزمة مالية قاسية، وسط عجز مزمن في الموازنة وصعوبة المصادقة على الموازنة الجديدة لعام 2025، قارنت صحيفة "لوفيجارو" الفرنسية الوضع الاقتصادي الراهن لفرنسا بعام 1958 وقت تولي مؤسس الجمهورية الفرنسية الخامسة شارل ديجول.
وتحت عنوان: "كيف نجح ديجول في تحقيق انتعاش مالي مذهل لفرنسا في عام 1958؟"، قالت الصحيفة الفرنسية، إنه وسط عجز مالي مزمن، اللجوء إلى صندوق النقد الدولي لـ"سد العجز في آخر الشهر"، وتضخم بنسبة 15%: كانت حالة الاقتصاد الفرنسي والمالية العامة تبدو ميؤوسة عشية عودة الجنرال ديجول إلى السلطة.
وقالت الصحيفة الفرنسية إن شارل ديجول قد حقق "معجزة"، موضحة أن حرب الجزائر لم تكن السبب الوحيد الذي دفع الفرنسيين إلى قبول عودة ديجول إلى السلطة في عام 1958.
ووفقاً للصحيفة الفرنسية، فإن فرنسا كانت تواجه آنذاك وضعًا اقتصاديًا وماليًا ونقديًا خطيرًا للغاية، وهو وضع عجزت الجمهورية الرابعة عن حله.
وأشارت "لوفيجارو" إلى أن هذا الجانب من أزمة مايو 1958 قد نُسي اليوم، لكنه كان مؤثرًا، موضحة أنه عندما تولى ديجول رئاسة الحكومة في 29 مايو 1958، لم تكن الأمة تتوقع منه فقط أن يتجنب الحرب الأهلية ويجد حلاً لـ"لحرب الجزائر"، بل كانت تنتظر منه أيضًا إصلاح الاقتصاد والمالية العامة.
وكان الاقتصاد الفرنسي آنذاك يعاني من عجزًا ماليًا كبيرًا، ما أجبر الدولة على الاقتراض بانتظام لسد الفجوات في ميزانيتها، كما بلغت نسبة التضخم 15%، كما أن التضخم المتسارع كان يقلل من القدرة الشرائية ويهدد استقرار الاقتصاد، فضلاً عن الاعتماد على المساعدات الدولية، إذ كان على الحكومة الفرنسية اللجوء إلى صندوق النقد الدولي لتحقيق الاستقرار المالي، مما كان يعكس الضعف الهيكلي للاقتصاد، وفقاً للصحيفة الفرنسية.
وبحسب الصحيفة الفرنسية، فإن ديجول مؤسس الجمهورية الخامسة، قد نجح في ذلك عبر "علاج بالصدمة"، وسرعان ما توقفت الأحاديث التي كانت تردد آنذاك بأن فرنسا "الرجل المريض في أوروبا".
وكتب ديجول عن الوضع الاقتصادي الفرنسي عند عودته إلى السلطة في عام 1958: "نحن على حافة الكارثة في جميع الجوانب"، إذ لم يكن مبالغًا حين قال ذلك، وفقاً للصحيفة الفرنسية.
** خطة ديجول
وقالت "لوفيجارو"، إن الانتعاش المذهل للمالية الفرنسية في عام 1958 على يد شارل ديجول يُعتبر غالبًا "معجزة" اقتصادية، تحققت من خلال سلسلة من الإجراءات الجذرية والمدروسة بعناية.
** الإصلاح النقدي وإنشاء "الفرنك الجديد"
وفي تقرير آخر لصحيفة "لوموند" الفرنسية، رصدت فيه إجراءات شارل ديجول لانعاش الاقتصاد الفرنسي، قائلة: "إن من بين تلك الإجراءات التي أدت إلى الاستقرار الاقتصادي في فرنسا، الإصلاح النقدي في عام 1960، الذي أطلق "الفرنك الجديد"، الذي كان يعادل 100 فرنك قديم.
ووفقاً للصحيفة الفرنسية، فإن الهدف من هذه الخطوة كان استعادة الثقة في العملة ومحاربة التضخم، وذلك بإرسال إشارة قوية للأسواق والجمهور بأن الدولة عازمة على استقرار الاقتصاد.
وعند توليه السلطة، استعان شارل ديجول بمجموعة من الاقتصاديين البارزين، من بينهم جاك روف وأنطوان بيناي. وضعوا خطة إنقاذ شملت عدة محاور، أهمها؛ تحرير الأسعار، إذ حررت الدولة الأسعار للسماح للسوق بتعديلها ذاتيًا، مما ساهم في كبح التضخم، كما اتجهت فرنسا آنذاك إلى تقليص الإنفاق العام، وفرض شارل ديجول تخفيضات كبيرة في الإنفاق العام، خاصة في قطاعات الإدارة والدفاع، بحسب "لوموند".
** تشجيع الاستثمار الخاص وسياسة التقشف
وأشارت "لوموند" من بين الإجراءات التي اتخذها شارل ديجول أيضاً، خفض قيمة العملة، إذ خُفض قيمة الفرنك لجعل الصادرات الفرنسية أكثر تنافسية في الأسواق الدولية، وتقليل الواردات، ما ساهم في إعادة التوازن إلى الميزان التجاري، كما شجع على الاستثمار الخاص وسياسة التقشف.
وأضافت: "ديجول شجع على زيادة الاستثمار الخاص وأعاد فرض سياسة تقشف مالي كانت مفقودة في عهد الجمهورية الرابعة، كما وضع سياسة تقشف في الإدارة العامة، حدت من الإنفاق الزائد وفرضت قيودًا على القروض العامة. كما شجع الشركات على تحسين كفاءتها وتحديث إنتاجها.
وفاوض ديجول للحصول على دعم مالي من صندوق النقد الدولي، فحصل على قروض ومساعدات تقنية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي.، لكن فرنسا لم تعد تعتمد بشكل كبير على هذه المساعدات بعد تنفيذ الإصلاحات، حيث ساعدت تلك الإصلاحات على تحقيق انتعاش سريع، وفقاً لما جاء في كتاب :" ذاكرة الحرب"، مذكرات شارل ديجول.
وبفضل هذه الإصلاحات، نجح ديجول في السيطرة على التضخم، تقليص العجز المالي، واستقرار العملة، كما استعادت فرنسا ثقة المستثمرين ودخلت في فترة من النمو الاقتصادي المستمر، عُرفت بـ"الثلاثين المجيدة".
وسرعان ما اختفى التصور القديم لفرنسا بأنها "الرجل المريض في أوروبا"، وأصبحت إحدى القوى الاقتصادية الرئيسية في القارة، وفقاً لصحيفة "لوفيجارو" الفرنسية.