مونتنيجرو.. بين الاستقطاب الروسي ومقاومة الناتو

آخر تحديث: الخميس 15 فبراير 2024 - 11:42 ص بتوقيت القاهرة

واشنطن - د ب أ

برزت دولة مونتنيجرو الواقعة في جنوب شرق أوروبا كمثال واضح على معركة شد وجذب بين روسيا من جهة وحلف شمال الأطلسي (ناتو) من جهة أخرى.

وتقول الباحثتان جوليا ديكسون وإميلي هاردينج، في تقرير نشره مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، إن روسيا تلعب لعبة طويلة في مونتنيجرو، ومن الحكمة أن يولي حلف الناتو انتباها لذلك.

ومنذ عام 2016، استخدمت روسيا هجمات الإنترنت ومحاولات الانقلاب لإخضاع بودجوريتشا لتأثيرها، وفي الوقت الحالي، نجحت في تأمين حليف رئيسي في منصب حكومي ذو نفوذ كبير. ولن يعني انجراف مونتنيجرو نحو روسيا فقط جناحا أضعف لحلف الناتو، ولكن أيضا فقدان حليف في وضع استراتيجي أصبح ارئدا إقليميا قويا في مجال الأمن السيبراني.

وفي أكتوبر 2023، صوت برلمان مونتنيجرو لتشكيل حكومة ائتلافية بعد خمسة أشهر من المفاوضات. ووافق حزب "من أجل مستقبل مونتنيجرو" الموالي لروسيا على دعم حكومة رئيس الوزراء ميلويكو سباجيتش المؤيدة لحلف الناتو مقابل تأمين منصب رئيس البرلمان، وهو منصب سياسي مؤثر. لكن رئيس البرلمان الجديد يأتي وهو محمل بثقل كبير. وأدين أندريا مانديتش بالمساعدة في محاولة الانقلاب عام 2016، والتي سعت إلى منع انضمام مونتنيجرو إلى الناتو وتنصيب حكومة موالية لروسيا. ولا يزال مانديتش مؤيدا قويا لروسيا، لدرجة أن النقاد يخشون أن يعوق طموحات البلاد في الاتحاد الأوروبي. ومن المقرر أيضا أن يحصل حزب مانديتش على أربعة مناصب وزارية، مما يزيد من قوة الجماعات الموالية لروسيا. ويأتي هذا التطور الأخير بعد سلسلة من المحاولات التي قام بها الكرملين لزيادة نفوذه.

وفي عام 2016، قبل يوم فقط من الانتخابات البرلمانية المثيرة للجدل التي طلبت من الناخبين الاختيار بين علاقات أوثق مع حلف شمال الأطلسي أو مع روسيا، أعلنت الحكومة أنها أحبطت محاولة انقلاب بتحريض روسي. وكان الروس المتهمون في هذه القضية أعضاء محتملين في المديرية الرئيسية لهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية. كما اتُهمت موسكو بإعطاء أكثر من 200 ألف يورو لشراء أسلحة وإمدادات أخرى وتجنيد مشاركين. وأوضحت رئيسة قضاة مونتنيجرو سوزانا موجوسا في قرارها، أن العملاء الروس حاولوا "تغيير الإرادة الانتخابية" و"منع مونتنيجرو من الانضمام إلى الناتو". ومع ذلك، فشلت خطتهم، وانضمت مونتنيجرو إلى الناتو في 5 يونيو 2017. ومنذ ذلك الحين ألغت محكمة الاستئناف الحكم وأمرت المحكمة العليا بإعادة النظر في القضية.

ولم تدع موسكو فشلها في عام 2016 أن يؤدي إلى توقف محاولاتها لزعزعة استقرار مونتنيجرو. وبعد انضمام بودجوريتشا إلى الناتو، ضربت روسيا البلاد بمئات من الهجمات الإلكترونية، والتي أثبتت علاقات بودجوريتشا مع الناتو أنها حاسمة. وساعد الناتو البلاد على بناء وتطوير بنيتها التحتية الوطنية للأمن السيبراني. وعلى سبيل المثال، نشر الحلف أول فريق دعم لإحباط الهجمات الهجينة التي تشنها الجماعات الموالية لروسيا في عام 2019. كما أرسلت الولايات المتحدة فريقا إلكترونيا من النخبة للعمل مع قوات مونتنيجرو لمحاربة الجهات الفاعلة السيبرانية الخبيثة في عامي 2018 و 2019.

وتقول الباحثتان إنه مع توسع علاقات بودجوريتشا مع الناتو، استمرت مونتنيجرو في تجربة بيئة سياسية شديدة الاستقطاب تتمتع فيها الأحزاب الموالية لروسيا بسلطة كبيرة. وفي عام 2020 ، وصل تحالف مؤيد للصرب وروسيا إلى السلطة، منهيا حكم حزب مؤيد لحلف الناتو دام عقودا. وعلى الرغم من دفع الحزب الحاكم لعلاقات أوثق مع روسيا، صرح رئيس الوزراء آنذاك زدرافكو كريفوكابيك أنه لن يحاول إنهاء عضوية مونتنيجرو في الناتو وسيواصل العمل من أجل الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، كان الائتلاف على خلاف حول العديد من القضايا، بما في ذلك التأثير الصربي على الشؤون الداخلية لمونتنيجرو، لذلك تم الإطاحة به في تصويت بحجب الثقة بعد 14 شهرا فقط من وصوله إلى السلطة.

كما أن الحكومة التالية لم تدم طويلا. وفي أغسطس 2022، بعد أربعة أشهر فقط، أطاح تصويت آخر بحجب الثقة بالحكومة الجديدة بعد أن وقعت اتفاقا مثيرا للجدل مع الكنيسة الأرثوذكسية الصربية. وادعى منتقدو الاتفاق بأنه كان أداة لصربيا وروسيا لزيادة نفوذهما في مونتنيجرو. كما تعرضت تلك الحكومة لانتقادات لفشلها في دفع عملية التكامل مع الاتحاد الأوروبي.

وفي نفس الوقت تقريبا في أغسطس 2022، ضربت روسيا مونتنيجرو بهجوم إلكتروني ضخم "شل" خدمات النقل التي تديرها الدولة وأنظمة المياه والكهرباء والمنصات عبر الإنترنت لعدة أيام. ووفقا لوزير الإدارة ماراش دوكاي، لم تشهد البلاد هجوما إلكترونيا بهذا الحجم من قبل. ونسبت حكومة مونتنيجرو الهجوم إلى عصابة الفدية "كوبا"، لكن وكالة الأمن القومي ألقت باللوم في الهجوم "بشكل مباشر على روسيا"، كما فعل وزير الدفاع راسكو كونييفيتش.

لكن كان لدى مونتنيجرو ورقة قوية في يديها وهي عضويتها في الناتو. فقد قدم فريق العمل السريع للتصدي للهجمات السيبرانية في مكتب التحقيقات الاتحادي الأمريكي ووكالة الأمن الوطني الفرنسية "دعما موقعيا للفرق المحلية في مجال التحليل الجنائي، والرد على الحوادث، وإجراء التصحيح".

وقدمت المملكة المتحدة أيضا مساعدة لتعزيز قدرة مونتنيجرو على التصدي للهجمات السيبرانية. وبالإضافة إلى ذلك، وبفضل الدعم السيبراني السابق من حلف الناتو، كانت أنظمة وزارة الدفاع محمية بشكل جيد ولم تتعرض لانتهاكات خطيرة. وأبرز وزير الإدارة العامة، ماراش دوكاي، قيمة هذه الشراكة قائلا: "مونتنيجرو ليست وحدها في هذا الوضع، شركاؤنا في حلف شمال الأطلسي معنا". وفي نهاية المطاف، كانت الهجمات السيبرانية في عام 2022 قصة جيدة تبرز قوة تحالفات الناتو وفعاليتها.

وقامت مونتنيجرو بإصلاح الأضرار الناجمة عن الهجوم الإلكتروني لعام 2022 بمساعدة حلفاء الناتو، وبرزت كرائد إقليمي في مجال الأمن السيبراني. وتم اختيارها في نوفمبر 2022 لاستضافة مركز القدرات السيبرانية لغرب البلقان بسبب تاريخ بودجوريتشا في التعاون مع الناتو ومواءمتها مع سياسة الاتحاد الأوروبي والأطر القانونية. ويهدف المركز، وهو مبادرة من الاتحاد الأوروبي تدعمها فرنسا وسلوفينيا، إلى تحسين القدرات السيبرانية في المنطقة من خلال توفير دورات تدريبية للمتخصصين في مجال الأمن السيبراني، وتعزيز التعاون والتكامل الإقليميين، وتعزيز مناهج الأمن السيبراني في الجامعات. وتشمل الأنشطة في عام 2024 "تدريب المحققين على الجرائم الإلكترونية" و "المنتدى السنوي لرؤساء وحدات الشرطة المتخصصة".

وتقول الباحثتان إن هذا وقت حرج بالنسبة للغرب ليركز اهتمامه على الدولة البلقانية الصغيرة التي كانت حليفا قويا ومهما. وقاتلت قوات مونتنيجرو إلى جانب الأمريكيين في أفغانستان وساعدت في الحفاظ على السلام في ليبيريا وقبرص والصومال. وتضطلع البلاد أيضا بدور رئيسي في تحقيق الاستقرار في منطقتها المضطربة تاريخيا. وبالإضافة إلى ذلك، يسيطر الناتو وفي عضويته مونتنيجرو على كامل ساحل البحر الأدرياتيكي، وهو أحد الأصول الاستراتيجية المهمة. ولا يزال بروزها كمدافع مهم عن حلف شمال الأطلسي في المجال السيبراني هشا، ولكنه واعد. وتحتاج البلاد إلى اهتمام مستمر من الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي لإحباط العدوان والنفوذ الروسي، والبقاء على طريقها إلى التكامل مع الاتحاد الأوروبي، والاستمرار في لعب دور الاستقرار في المنطقة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved