بعد الهجوم اللبناني.. المسيرات سلاح متعدد المهام يمكنه توجيه ضربات موجعة للعدو بتكلفة منخفضة

آخر تحديث: الثلاثاء 15 أكتوبر 2024 - 9:51 ص بتوقيت القاهرة

منال الوراقي ومحمد حسين

في خطوة فريدة وغير متوقعة، أعلن "حزب الله" اللبناني عن هجومه على معسكر اللواء جولاني الإسرائيلي، في بلدة بنيامينا شمال الأراضي المحتلة، بسرب من المسيرات الانقضاضية، ردا على المجازر التي ترتكبها إسرائيل في بيروت وبقية أنحاء لبنان، ما أدى مقتل 4 جنود إسرائيليين وإصابة العشرات.

وقال الحزب إن مسيّراته النوعية تمكنت من اختراق رادارات الدفاع الجوي الإسرائيلي دون اكتشافها ووصلت إلى هدفها، وانفجرت في الغرف التي يتواجد فيها العشرات من ضباط وجنود العدو الإسرائيلي الذين يتحضرون للمشاركة في الاعتداء على لبنان وبينهم ضباط كبار.

وأكد بيان حزب الله أن الهجوم بالمسيرات جاء رداً على سلسلة الاعتداءات الإسرائيلية، وخاصة على أحياء النويري والبسطة في العاصمة بيروت وباقي المناطق اللبنانية، متوعدا إسرائيل بمزيد من الهجمات إذا واصلت الاعتداء على لبنان.

وفي التوقيت ذاته، نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن السلطات الأمريكية تشعر بالقلق إزاء تحليق مسيرات مجهولة فوق مواقع عسكرية في البلاد.

وعلى الرغم من أنه لم يتم نشر أي معلومات تقريبا بشكل علني، إلا أنه يُعتقد أن المسيرات لم تكن من قبل هواة، بل من المحتمل أن يكون مصدرها قوة معادية، مثل الصين أو روسيا، وفق ما نقلت "سكاي نيوز".

وفي إطار آخر، أعلنت كوريا الجنوبية أن جارتها الشمالية تستعد لتفجير طرق عابرة للحدود كثيفة التسليح معها وسط تصعيد للحرب الكلامية بين الجانبين بعد أن اتهمت كوريا الشمالية جارتها بإرسال طائرات مسيرة فوق عاصمتها بيونج يانج.

واتهمت كوريا الشمالية جارتها الجنوبية بإرسال طائرات مسيرة لنشر "عدد كبير" من المنشورات المناهضة لها فوق بيونج يانج، فيما وصفته بأنه استفزاز سياسي وعسكري قد يؤدي إلى صراع مسلح.

ولكن، ماذا نعرف عن المسيرات؟ ومتى تم استخدامها في الحروب؟ ولماذا يتم استخدامها؟ وما الهدف منها؟

تناولت دراسة نشرها مركز "الجزيرة" للدراسات، أعدها باحث متخصص في الشئون العسكرية والاستراتيجية، تاريخ وأنواع ومستقبل المسيرات، تحت عنوان "الطائرات دون طيار: التقنية والأثر العسكري والإستراتيجي".

وأكدت الدراسة أن المسيرات فرضت نفسها في الآونة الأخيرة كسلاح فعال متعدد المهام، سعت الدول والجماعات المسلحة لامتلاكه، لأهميته في توجيه ضربات موجعة للعدو بتكلفة منخفضة.

وأشارت إلى أن المسيرات استطاعت اختصار متغيرات كثيرة في الحروب، مثل التكلفة البشرية والمادية، والزمان والمكان، ومفهوم القوة، ووفرت تسهيلات مختلفة، ولعبت دورا بارزا ومتنوعا في كثير من الحروب، ما حفز الدول على تصنيعها أو الحصول عليها.

ووفقا للدراسة يطلق اسم اسم المسيرة أو الطائرة دون طيار أو "الدرونز" على الطائرات التي يجري التحكم فيها من بعد، وأحيانا يكون التحكم ذاتيا، حيث تستطيع تمكين مستخدميها من توجيه ضربات جوية ضد العدو من دون الحاجة لإرسال الطائرات التي يقودها الطيارون، وأيضا تستخدم بالعديد من المهام الأخرى حيث يمكن الاعتماد عليها لأغراض تجسسية عن طريق تصوير مواقع العدو وثكناته العسكرية.

متى ظهرت لأول مرة؟

ظهرت المسيرات لأول مرة في إنجلترا، في عام 1917، ثم طُورت عام 1924، فمنذ الحرب العالمية الأولى، كانت الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا والمملكة المتحدة، أولى الدول استخداما لها في جيوشها، ثم لحق بها الاتحاد السوفيتي في ثلاثينيات القرن الماضي.

وبعدها أتاحت الحرب العالمية الثانية التي انتهت في عام 1945، والحرب الكورية، التي انتهت في عام 1953، المجال لاستخدامها من قبل الولايات المتحدة في الأغراض التدريبية، كما استخدمت كصواريخ موجهة حينها، وفي التصدي للطائرات الحربية المأهولة بالطيارين.

كانت المسيرات حينها تُستخدم في كل غرض من تلك الأغراض مرة واحدة، لذلك أنتجت منها نحو 15000 طائرة عبر مصنع يقع جنوبي كاليفورنيا.

وفي حين برز دور المسيرات في المجال الاستخباري بعد حرب فيتنام، التي استمرت لمدة 20 عاما، وانتهت في عام 1975، فقد زودت الطائرات بدون طيار لأول مرة بالصواريخ في الهجوم على كوسوفو، في عام 1999.

إسرائيل المصدر الرئيسي لها

ووفق الدراسة، فبحلول عام 2019، اقترب حجم الإنفاق العالمي على المسيرات من 100 مليار دولار، نتيجة لتطويرها المستمر والطلب المتزايد عليها، حيث تتطلع كثير من الدول إلى تطويرها لإحلالها محل الطائرات الحربية والقاذفات، بما في ذلك القاذفات النووية.

ووسط ذلك، ما زالت تهيمن كل من الولايات المتحدة وإسرائيل على صناعتها، حيث تعتبر الأخيرة المُصدر الرئيسي لها عالميا.

كيف يتم التحكم فيها؟

تصنف المسيرات من حيث الشكل إلى ثلاثة أشكال ذات أجنحة ثابتة، وعلى شكل طائرة مروحية، وعلى أشكال خداعية.

وبحسب الدراسة، فيمكن التحكم بإقلاع وهبوط بعض المسيرات التي تطير لمسافات قريبة بواسطة أدوات تحكم مختلفة، وعبر موجات الراديو، فيما يكون التحكم بالتي تطير منها مئات الكيلومترات بواسطة الأقمار الاصطناعية التي تضمن استدامة الاتصال اللاسلكي معها.

وعادة ما تُحدَّد للمسيرات نقاط مسارها لتوجه نفسها ذاتيا بواسطة نظامها الآلي وبناء على إحداثيات محددة سلفا، فقد مكَّن النظام العالمي لتحديد الموقع "جي بي أس" من تسهيل تحديد مكان الانطلاق للعودة إليه تلقائيا إذا تطلب الأمر ذلك.

وتُزوَّد المسيرات بأجهزة استشعار مثل الكاميرات الضوئية العادية، والتي تعمل بالأشعة تحت الحمراء والرادار، تعمل على كشف التحديات التي تواجهها، ليرسل نظام الطيران الآلي فيها كافة المعلومات إلى الطيار الأرضي، فيعمل "نظام تفادي الصدمات" على تجنب وقوع التصادم.

دورها في الحروب برز منذ حرب أكتوبر

وفقا للدراسة، فقد برز الدور القتالي المؤثر للمسيرات في حرب أكتوبر 1973 حينما استخدمها الجيش الإسرائيلي في إسقاط 28 طائرة حربية سورية، ومن ثم زاد دورها وضوحا في حرب لبنان، في عام 1982، حيث تمكنت من تحييد الصواريخ السورية في سهل البقاع اللبناني.

ولذلك، كان لدورها في حرب لبنان، عام 1982، دافعا للولايات المتحدة لشرائها ودمجها في برنامجها العسكري والمشاركة في عاصفة الصحراء، عام 1991.

وبعدها لعبت أنواع مختلفة منها دورا في العمليات التي نفذتها واشنطن بالخارج، خصوصا فيما سمي "الحرب على الإرهاب"، فيما استغلتها جماعة الحوثيين، وتمكنوا من قصف مناطق ومنشآت حيوية بالسعودية، ولا تزال تلعب دورا مهما في العمليات الإسرائيلية داخل الأراضي التي تديرها السلطة الوطنية الفلسطينية منذ عام 2008.

حلول لكثير من المخاطر والتكاليف

وبحسب الدراسة، فقد استطاعت تقنية المسيرات تقديم حلولا لكثير من المخاطر والتكاليف البشرية والمادية ذات الصلة بالعمليات العسكرية، حيث وفرت ميزات قتالية تتعلق بالحصول السهل والوافر والسريع على المعلومات بواسطة ما تحمله من معدات.

وأحدث استخدام المسيرات فروقا جوهرية، إستراتيجية وتكتيكية، أمام ما تحققه الجيوش على الأرض، من حيث الرصد والتعقب وغيرها من المهام، فهناك أمثلة كثيرة لما حققته هذه الطائرات في أفغانستان واليمن والعراق وليبيا وغيرها.

وعلى صعيد التأثير في حجم القوات، أحرز استخدام المسيرات تقدما كبيرا ما كان دافعا لانسحاب غالبية القوات البرية الأمريكية، في عام 2011، من العراق.

وأتاحت المسيرات التقييم الحي والمباشر لنتائج العمليات القتالية، من خلال تتابع وصول المعلومات للمركز، مع انعدام الخسائر البشرية وتقليص المادية منها، وتضييق فرص النجاة للهدف المرصود، وتوفير نفقات وكوادر التشغيل والجهد والوقت، ورفع المعنويات لدى الطرف المستفيد، وعلى النقيض من ذلك لدى الطرف الآخر.

أخطاء ومشكلات تقنية خلال الحروب

ولكن، ما زالت المسيرات تواجه مشكلات فنية وتقنية تسببت بحوادث عديدة، فقد كشفت تقارير صادرة عن البنتاجون، في عام 2010، عن تحطم 38 طائرة منها خلال العمليات بأفغانستان والعراق.

ورجعت أسباب الحوادث إلى تعرض المسيرات للإسقاط، والأخطاء البشرية والتنفيذية، وتعذر تتبعها، وعيوب في التصميم وأخطاء في التجهيز، وعدم موثوقية المعلومات المتلقاة من العملاء المحليين في مناطق الاستهداف، وسوء الأحوال الجوية مثل السحب والأمطار.

صعوبة التصدي لها.. تكلفة ونتائج

ومع ذلك، فلا يزال التصدي للمسيرات -خاصة الصغيرة منها- صعب للغاية، حيث غالبا ما يتعذر كشفها أو رؤيتها بواسطة العين المجردة، فرادارات الدفاع الجوي مصممة أساسا للطائرات الكبيرة.

وأيضا تتطلب أنظمة التصدي لها تكلفة باهظة للغاية، فمثلا أنظمة باتريوت، يكلف الصاروخ الواحد منها مليون دولار، في حين قد تبلغ قيمة الطائرة دون طيار نحو 500 دولار.

فضلا عن صعوبة تحمل نتائج التصدي للمسيرات على المناطق الحضرية، لا سيما إذا كانت مزودة بالمتفجرات.

أبرز الدول المصنعة للمسيرات منها مصر

بلغ عدد الدول المصنعة للمسيرات، والدول التي تعمل على تطويرها، أكثر من أربعين دولة، أبرزها إضافة إلى الولايات المتحدة وإسرائيل والصين وتركيا وإيران والإمارات والسعودية ومصر، فقد تمكنت الصين من صنع 25 نوعا من الطائرات دون طيار، وقد كشفت عن بعضها في عرض تجاري عام 2010.

وأعلنت إيران خلال العقد الأول من القرن 21 إنتاج طائرة دون طيار لأغراض استطلاعية، وفي عام 2013، أعلنت تطوير أكبر طائرة استطلاعية قتالية مسيرة، بطول 7 أمتار، ومدى طيران يصل إلى 2000 كلم.

فيما أعلنت تركيا، في عام 2019، تطوير ستين مسيرة استطلاعية قتالية، لتصبح واحدة من ست دول في العالم تصنعها، وتعُد من الدول المصدرة لها، بعد أن أُعلن الجيش التركي تصديرها إلى قطر.

وفي الدول العربية، لا تزال صناعة المسيرات محدودة باستثناء الإمارات، التي بدأت في تصنيعها، منذ عام 2008، لتلحق بها السعودية والجزائر ومصر، حيث أعلنت الهيئة العربية للتصنيع، في عام 2016، إنتاج مسيرات يمكنها تنفيذ أدوار مختلفة، مثل الاستطلاع، وتحديد الأهداف، وتصحيح نيران المدفعية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved