ذكرى ميلاد طه حسين.. رحلة روحانية فريدة لعميد الأدب العربي في بلاد الحجاز
آخر تحديث: الجمعة 15 نوفمبر 2024 - 5:14 م بتوقيت القاهرة
محمد حسين
تحل ذكرى ميلاد الدكتور طه حسين اليوم 15 نوفمبر؛ حيث وُلِد عميد الأدب العربي في مثل هذا اليوم من عام 1889 في إحدى قرى الصعيد بالمنيا، وفقد طه بصره في سنوات طفولته الأولى؛ لكن ذلك لم يقف حاجزًا أمام طموحه.
بعد حصوله على الدكتوراه من الجامعة المصرية عام 1914، وكانت رسالته حول الشاعر والفيلسوف العربي أبي العلاء المعري، أُتيحت لطه حسين فرصة لاستكمال دراسته في جامعة السوربون بفرنسا، حيث حصل على درجة الدكتوراه الثانية.
وهناك درس الأدب الفرنسي والتاريخ اليوناني والروماني، مما ساهم في صقل معرفته وتوسيع رؤيته النقدية.
خلال هذه الفترة، تأثر طه حسين بالمدارس الفكرية الغربية، خاصة النقد الأدبي والفلسفة، وهو ما انعكس بوضوح على أسلوبه ومنهجه في الدراسات الأدبية عند عودته إلى مصر.
استخدم طه حسين منهج الشك الديكارتي، وطرح تساؤلات جريئة حول التراث الأدبي، مما أثار جدلاً واسعاً وأدى إلى انتقادات شديدة من المحافظين والأزهريين، لكن رحلته إلى الحجاز أزالت الكثير من مبررات الهجوم والانتقادات التي نالها عميد الأدب؛ حيث مثلت تجربته في الرحلة مشهدًا روحانيًا فريدًا.
يستعرض كتاب "رحلات الأعلام إلى البلد الحرام" للكاتب محمد عبد الشافي القوصي تفاصيل زيارة عميد الأدب العربي طه حسين إلى المملكة العربية السعودية لأداء فريضة الحج عام 1955.
تُعد هذه الرحلة علامة فارقة في حياة طه حسين، حيث استغرقت 19 يومًا، شهد خلالها استقبالًا حافلًا من العاهل السعودي الملك سعود بن عبد العزيز والأمراء والأعيان، مما يعكس مكانة طه حسين الأدبية والفكرية في العالم العربي.
استقبال مهيب وترحيب ثقافي
استقبلت السعودية طه حسين بحفاوة بالغة؛ فقد شارك في استقباله العديد من المثقفين والأدباء والوجهاء، بل كان من بين مستقبليه وفد من بعثة الأزهر الشريف يضم الشيخ محمد متولي الشعراوي.
على الرغم من اختلافات الرأي السابقة بين طه حسين وبعض الأزهريين، إلا أن الشعراوي رحب به وألقى قصيدة طويلة تعبيرًا عن التقدير والاحترام.
أبدى طه حسين دهشته من هذا الاستقبال الكبير، وعبر عن امتنانه، قائلاً: "معذرة إليك يا صاحب السمو، ومعذرة إلى الذين تفضلوا فاستجابوا لهذه الدعوة من الزملاء والزائرين.. دعوا أخاكم هذا الضعيف، وما قدَّم إليكم من خير قليل، واصنعوا خيرًا مما صنع، وأريحوه من إطالة الثناء: لأنها تخجله وتشعره بأنه يسمع ما ليس له الحق فيه".
تأثير الحج على طه حسين
وصف طه حسين رحلته إلى مكة والمدينة بأنها تركت "آثارًا قوية ورائعة" في نفسه، معبرًا عن إحساسه بأهمية هذا المكان المقدس الذي نشأ فيه الإسلام. قال: "ما أعرف قُطرًا من أقطار الأرض أثر في عقول الناس وقلوبهم وأذواقهم كما أثرت هذه البلاد، وكما أثَّر الحجاز فيها بنوع خاص".
كما أظهر طه حسين مشاعر احترام وتقدير عميقة للمدينة المنورة ومكة المكرمة، فحينما وصل إلى "الحديبية"، أخذ حفنة من التراب وقبَّلها، قائلاً: "لعل الرسول صلى الله عليه وسلم وطئ هنا".
كلمته عن الوطنين في حضرة الملك
في إحدى كلماته خلال الرحلة، أوضح طه حسين وجهة نظره عن "الوطنين" للمسلمين، قائلاً: "لكل مسلم وطنان، لا يستطيع أحد أن يشك في ذلك؛ وطنه الذي نشأ فيه، وهذا الوطن المقدس (الحجاز) الذي أنشأ أمته".
في حديثه، عبر عن مدى ارتباط المسلمين الروحي بالحجاز وأهمية هذا المكان في تشكيل ثقافتهم وهويتهم.
كلمة طه حسين في إذاعة مكة المكرمة
ألقى طه حسين كلمة مؤثرة عبر إذاعة "صوت مكة المكرمة"، حيث استذكر دعوة النبي إبراهيم عليه السلام: "واجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم".
وأكد طه حسين على أهمية هذه الدعوة التي تجذب المسلمين من جميع أنحاء العالم إلى هذه الأراضي المقدسة.
واعتبر الحج فرصة لتعزيز الوحدة والتآخي بين المسلمين، وأداة لنشر الخير والسلام في العالم.