الأجور أولًا

آخر تحديث: الجمعة 16 سبتمبر 2011 - 1:20 م بتوقيت القاهرة

حوار ــ وائل جمال

هل رفع الأجور ضد مصلحة الاقتصاد؟

ــ لا، رفع الاجور ليس ضد مصلحة الاقتصاد القومى لكن ليس من السليم أن نكتفى برفعها ونقف. لأنه لو لم يقابل هذا الرفع رفعا للانتاجية ينتج عن ذلك تضخم وارتفاع فى الأسعار. القدرة الشرائية تزيد والانتاجية ثابتة. فى هذه الحالة يزيد الطلب والمعروض كما هو فينشأ التضخم. المعادلة الصحيحة هى التوازن بين زيادة الأجور وزيادة الإنتاجية. ويواجه هذا مشكلة القياس. فالإنتاجية فى القطاع الخاص، فى المصانع أو فى الزراعة، يمكن قياسها بسهولة، لكن الإنتاجية فى القطاع الحكومى يصعب قياسها. هذه اشكالية والثانية، وهى الاهم بالذات بعد الثورة، هى ان زيادة الضغط لزيادة الأجور ناتج عن أن الأجور الحقيقية انخفضت فى الـ30 عاما الماضية خاصة منذ 2007. من هنا يحدث عدم الرضاء الذى نراه.

 

هناك من يشترطون زيادة الإنتاجية أولا فى مواجهة المدافعين عن رفع الأجور أولا ما السبيل لحل هذه المعضلة الدائرية؟

أنا من أصحاب المدرسة الثانية. حلها أن نرجع للتاريخ. البدء برفع الأجور يحدث تحفيزا لكن لا تكتفى به وتلاحقه بزيادة الانتاجية عبر التكنولوجيا والادارة. وتجربة أمريكا وأوروبا كلها فى فترة ما بعد الحرب هى كذلك بالضبط، فقد كافأوا الناس بعد الحرب برفع أجورهم لكن الإنتاجية زادت بعد ادخال التقدم التكنولوجى الذى تم تحقيقه فى الصناعات العسكرية فى الإنتاج المدنى بجميع صنوفه، بالإضافة إلى جهود اعادة التعمير، فارتفعت الإنتاجية. لو أضع سياسة للأجور اليوم ارفعها لكن بسرعة يجب عمل أكثر من شىء لرفع الانتاجية.

 

فى مصر هناك أمران نتكلم عنهما كثيرا ولا نفعل شيئا ذا بال فى حاجة إلى طفرتين: البنية الأساسية والتكنولوجيا. البنية الأساسية مهمة للغاية فى الكهرباء والمياه والمواصلات والطرق. وهناك مدن وقرى فى فرنسا مثلا فات عليها القطار السريع فغير حياتها بالكامل. أما استيعاب التكنولوجيا، بمعنى التعامل مع التكنولوجيا وعلوم الحياة وادخالها فى الانتاج، فهو متخلف فى مصر. الصين مثلا أنجزت هاتين الطفرتين اللتين من الممكن أن تنقلا مصر لمستوى نمو 9% مثلها ومثل الهند والبرازيل.

 

من أين يمكن تمويل زيادة الأجور؟

ــ حل المشكلة فى وجود رؤية ثابتة. عندما ترجع لكتابات كينز الأصلية تجد أنه يقول إن الناس لا تنظر لما فى يدها بل تنظر للتوقعات، ولذلك يجب ان يكون هناك ثبات فى السياسات الاقتصادية. نحن نغير كثيرا بطريقة غير مدروسة. إذا استوفينا هذا الشرط هناك خطوتان يجب عملهما. نحن فى ظروف كساد. وفى ظروف الكساد لابد أن تأخذ الدولة زمام الأمور. وها هو أوباما رئيس أكبر دولة رأسمالية فى العالم يطرح خطة توظيف بتكلفة تتجاوز 400 مليار. مصر تحتاج برنامجا وطنيا للتشغيل تدخل فيه الحكومة بنصيب الأسد وتحفز القطاع الخاص. وهكذا لا تصبح الشراكة سبوبة يأخذ بها القطاع الخاص أموال الدولة.

 

ثانيا ليس لدينا حصر بمدخرات المصريين للتعامل معها بطريقة منتجة. مشروعات الاسكان تنخطف فى وقت قصير جدا وهذا يعنى ان هناك مدخرات كبيرة. لكن اين؟ وهل هى موجهة للقطاعات الانتاجية أم لا؟ لا. لذلك نحن نحتاج سياسة لجذب هذه المدخرات. هاتان الخطوتان معا، تحفيز تقوده الدولة وحوافز حقيقية وثابتة لإخراج المدخرات هما الطريق.

 

ماذا عن المخاوف من تفاقم عجز الموازنة؟

ــ أنا لا أخاف من عجز الموازنة كما يخاف الآخرون إذا كان فى حدود آمنة وإذا كان لدى خطة واضحة لاستعادة العافية المالية. النقد الموجه حاليا لعدد من الدول الأوروبية هو أنها ليس لديها خطة زمنية محددة. وصلنا بالعجز المخطط للموازنة المصرية لـ12 % فى مشروع الموازنة الأول، وهذا لا يخيف طالما أننى أعرف كيف سأخرج منه. وكان لدينا خطة للنزول به إلى 6% فى 2015. أنا من المدرسة الكنزية التى لا تخاف من تضخم صغير وعجز موازنة محكوم. لا ألطم الخدود وأشق الجيوب فى هذا الشأن بالذات لو لتمويل إنتاجى.

 

كم من الوقت تحتاج مصر للوصول للأجر العادل؟

ــ خمس سنوات محسوبة. الفترة الأولى هى عادة فترة صدمة للسوق والنظام بعد ضخ الأموال الذى ينبغى أن يكون متدرجا. بينما يجىء التأثير على الإنتاجية متأخرا. الإنتاجية تشد بعدها بسنتين أو ثلاث وبالتالى من هنا ففى ظرف خمس سنوات يمكن تحويل بلادنا للانطلاق.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved