التطور التكنولوجي وتأثيره على الأسواق المالية
آخر تحديث: الخميس 16 نوفمبر 2023 - 1:37 م بتوقيت القاهرة
شهد التطور التكنولوجي قفزات كبيرة منذ بداية الالفية الجديدة في مختلف نواحي الحياة، مثل انتشار الهواتف وتطور انظمتها، انتشار شبكة الانترنت وتأثيرها على الحياة الاجتماعية بفضل عناصر لم تكن موجودة من قبل مثل مواقع التواصل الاجتماعي. امتدد تأثيرات التطور التكنولوجي بشكل حيوي على الأسواق المالية، حيث طرح حلول وأدوات تمكين جديدة عملت على توسيع القدرة، والكفاءة والشمول والتنمية.
تأثيرات مختلفة على الأسواق المالية التقليدية
شهدنا خلال العام الحالي ثورة الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، والذي ساهم تنوع التنافس من قبل شركات التكنولوجيا، على تطورها بشكل كبير. منحت تلك التقنيات للمشاركين في السوق المالية إمكانية تحليل كميات كبيرة من البيانات وتوليد الرؤى وتنفيذ الاستراتيجيات على مستويات متعددة. ايضاً ساهمت في تقليل التكاليف وتعزيز إدارة المخاطر وتحسين الأداء.
شهدت الأسواق المالية تطور في مجالات اخرى أبرزها التمويل الجماعي والإقراض من نظير إلى نظير. حيث توافرت أدوات متطورة لبعض المنصات والشركات في جمع حجم كبير من رؤوس الأموال من عدد كبير من المستثمرين أو المقرضين، بدون وسطاء أو مؤسسات مالية تقليدية. على الرغم من المزايا المتوفرة في ذلك الإطار، إلا أن الامر لا يخلو من بعض المخاطر، وأكبر مثل على هذا ما حدث في منصة إف تي إكس والتي انهارت في أيام معدودة مخلفة خسائر بالمليارات.
في مثل آخر، قاد التطور التكنولوجي نقله نوعية في عمليات التحويلات والمدفوعات عبر الحدود تتيح هذه الخدمات للمغتربين إرسال الأموال إلى بلدانهم الأصلية أو وجهات أخرى، باستخدام القنوات والمنصات الرقمية. ذات تكاليف المعاملات الضعيفة، مع توافر عنصر السرعة.
طال التطور التكنولوجي الخدمات المصرفية التي تتم عبر الهاتف المحمول والمحافظ الرقمية. حيث اتاحت تلك التطبيقات للمستخدمين الوصول إلى حساباتهم المالية وإدارتها وإجراء الدفعات وتحويل الأموال باستخدام أجهزتهم المحمولة والإنترنت. وهي مفاهيم تحسن من مفهوم الشمول المالي وتقليل الاعتماد على النقد.
أما ثورة التطور التكنولوجي التي شهدها العالم خلال العقد الماضي، فتتمثل في تقنية البلوكتشين (Blockchain) وهي تقنية تتيح إنشاء الأصول الرقمية وتبادلها، مثل العملات المشفرة والرموز المميزة والعقود الذكية، بدون وسطاء أو سلطات مركزية. ولها مميزات في تعزيز الشفافية والأمن والثقة في المعاملات المالية.
ثورة البلوكتشن والعملات الرقمية
ساهم ظهور العملات الرقمية في تأثيرات مختلفة داخل الأسواق المالية في عدد من المحاور مثل التطور التكنولوجي، والتشريع والرقابة، وتأثيرات على السياسة النقدية. حيث ترفع العملات الرقمية من وتيرة المنافسة والابتكار، وذلك لما تمثله تلك العملات من كسر هيمنة واحتكار المؤسسات المالية التقليدية، مثل البنوك وأنظمة الدفع والوسطاء، على وائل الدفع والتحويل. مع توفر حلول تكنولوجيا تمثل بدائل أسرع وأرخص وأكثر شفافية. وهو ما قد يفتح الباب أمام المؤسسات التقليدية على طرح أدوات جديدة في محاولة لمواكبة هذا التطور والذي قد يخرجهم من المنافسة بشكل تدريجي. على الرغم من استبعاد حدوث هذا في شكل من المنافسة، لكن لا ينبغي نسيان كيف اخرج نظام اندرويد للهواتف المحمولة شركات عملاقة من سوق الهاتف مثل نوكيا وبلاكبيري.
في نفس الوقت، تشكل العملات الرقمية تحديات جديدة من الناحية التنظيمية، والقانونية، في بعض الأحيان تطرح بعض التساؤلات حول شرعية تلك التداولات وهل هي حلال أم حرام. خاصة أن بعض تلك المعاملات تستخدم لأغراض غير مشروعة، مثل تمويل الإرهاب، وغسيل الأموال، والتهرب الضريبي.
تتنوع تعريف وتصنيف تلك العملات، الأمر الذي يطرح تساؤلات قانونية حول كيفية فرض الضرائب، وطرق فرض الرقابة على تلك التحويلات. وهل تتم من خلال تشريعات محلية، او فرض جهات تنظيمية متخصصة لرقابة بورصات التداول مثل تلك التي تندرج تحتها شركات الوساطة في تداول العملات (الفوركس).
اخيرًا يطرح فكرة التوسع في تعاملات العملات الرقمية، تأثير حول السياسة النقدية. فمن المعروف أن البنوك المركزية حول العالم لها اليد العليا في تحديد مسار السياسة النقدية لما لها من هيمنة على تحديد المعروض النقدي، وتحديد التشديد او التحفيز في السياسة النقدية طبقًا لرؤيتها لبيانات التضخم وأسعار الفائدة، وبيئة العمل... الخ. لكن في ظل التوسع المتوقع في استخدام تلك العملات الرقمية والتي تتميز أهم عناصرها باللامركزية وبالتالي تفقد البنوك المركزية هيمنتها أو مجال تفردها في هذا الشأن.
قد تقدم العملات الرقمية مصادر جديدة للمخاطر النظامية، مثل الهجمات الإلكترونية، ومواطن الخلل الفنية، وانهيارات السوق، مما قد يهدد ثقة النظام المالي وأمنه.