بقراءة للواقع وزيارة للتاريخ.. هل تشهد فلسطين نكبة جديدة؟

آخر تحديث: الثلاثاء 17 أكتوبر 2023 - 10:50 م بتوقيت القاهرة

محمد حسين

أكاديمي فلسطيني: غزة ما تبقى لنا من فلسطين ولن نتركها
أكاديمي فلسطييني: لن نقبل التوطين بسيناء.. وخيارات عديدة أمام الاحتلال إن كان جادا في حماية المدنيين
مذكرات نبيل شعث: مصر احتضنتنا في النكبة .. و«بلوك الشعوث» شاهد على صمود عائلتي بوجه الاحتلال
كتاب لإدوارد سعيد: زرت فلسطين قبل نصف عام من النكبة ..وعائلتي عانت التشتت والضياع

أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي، ضرورة أن يبقى سكان غزة موجودين وصامدين على أرضهم، محذرًا من أن خروجهم قد يؤدي إلى تصفية القضية الفلسطينية، وأن مصر ستبذل أقصى الجهد للتخفيف عنهم في ظل الظروف القاسية من قصف متواصل وحصار تفرضه دولة الاحتلال الإسرائيلي.

وعدت مصر مطالبة جيش الاحتلال الإسرائيلي لسكان غزة بمغادرة منازلهم والتوجه جنوبا، بأنه مخالفة جسيمة لقواعد القانون الدولي الإنساني، وسيعرض حياة أكثر من مليون مواطن فلسطيني وأسرهم لمخاطر البقاء في العراء دون مأوى في مواجهة ظروف إنسانية وأمنية خطيرة وقاسية، فضلا عن تكدس مئات الآلاف في مناطق غير مؤهلة لاستيعابها.

وأعادت تلك المشاهد للذاكرة فصلاً مأساويا من تاريخ العرب والذي يعود تاريخه لمايو عام 1948، بالنكبة العربية والتي جرت وقائعها المؤلمة قبل 75 عامًا، شهد على أكبر عملية إجلاء وتهجير للفلسطينيين من أراضيهم التاريخية، في اليوم التالي لإعلان قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي والاعتراف الأمريكي والغربي بها، لذلك تشتد المخاوف من تتكرر تلك المأساة الإنسانية من جديد ويشهد العرب على نكبة جديدة.

وفي السياق، قال الدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، وعضو المجلس الثوري بحركة "فتح" الفلسطينية، في حديث لــ«الشروق»، بالتجربة العميقة من الفلسطينيين؛ فإن مشروع" التهجير" هو أسلوب أقرّته دولة الاحتلال الإسرائيلي عام 1974، ولم يستطع الإسرائيليون رغم كل يمتلكوا من قوة إخلاء الضفة الغربية وقطاع غزة من سكانها باستخدام هذا الأسلوب، والذي بناءً عليه كان يمنع أي فلسطيني يغادر الضفة الغربية أو قطاع غزة ويغيب 5 سنوات من العودة مرة أخرى، وقد كان ذلك يستهدف ويُبتز به الطلاب بشكل كبير وأساسي.

•الفلسطينيون: لن نعيد النكبة مرة أخرى
وتابع الرقب لــ« الشروق»، أما الآن الأمور تأخذ منحنًا أخطر وأصعب من ذي قبل؛ فقطاع غزة يتعرض لعمليات من القتل الوحشي والبربري من قبل الاحتلال الإسرائيلي، وهذا الإجرام والتوحش يدفع باتجاه أن يُزاح بالفلسطينيين إلى سيناء، والفلسطينيون قالوها بشكل واضح: "لن نعيد تجربة عام 1948، ولن نعيد النكبة مرة أخرى، فحينها ذهبوا للخيام على أمل أن الجيوش العربية ستحرر فلسطين وتمكنهم من بعدها بالعودة، وهو الأمر الذي لم يتحقق".

*المفتاح لا يزال في جيبي
وروى الرقب، تجربة شخصية مرتبطة بأحداث النكبة؛ حيث كان جده يحمل بشكل دائم مفاتيحه وعندما سأله عن احتفاظه بها، قال بأنهم أخبروه حينها (إبان تهجير النكبة في 1948) بأن الأمر سوف يستغرق بضعة أيام فقط سوف يعود ويرجع لداره.

وواصل: "في خضم المشهد الحالي يحاول الاحتلال الضغط على سكان الشمال، وسط همجية لقصف بأن يتجهوا للجنوب؛ لكن على الرغم من ذلك فمن استجاب وتحرك لا يتجاوز 10%، وقد تحركوا أيضاً صوب مدينة غزة، التي لا تزال محسوبة على المنطقة الشمالية".

•لن نتحرك اقصفوها ونحن بها
وأشار الرقب إلى أن الاحتلال طالت تهديداته مستشفيات قطاع غزة، لكن لا يزال صمود الشعب الفلسطيني متجسداً، ويقولون: "لن نتحرك اقصفوها ونحن بها، فالشعب الفلسطيني يحب الحياة؛ لكنه أيضاً لا يخاف الموت، رغم أنه يأس من العالم وعمليات الظلم التي يتعرض له من المجتمع الدولي".

وذكر الرقب، أنه لو نجح مشروع الاحتلال وتم تهجير سكان غزة إلى سيناء، فإن القدس والضفة الغربية سيهجر سكانها قريباً إلى الأردن، لذلك يبقى صمود أهالي غزة ورفضهم الذهاب لمكان آخر يمثل خط المواجهة الأول في حماية للمشروع الوطني الفلسطيني.

•منطقة خضراء

وذكر الرقب، وإن صدق الاحتلال في ادعاءاته بأن يرد حماية المدنيين؛ فعليه أن ينشأ بقطاع غزة منطقة آمنة، على غرار "المنطقة الخضراء" في العراق يمنع بها عمليات القصف، أو أن يكون هناك إسكان مؤقت للفلسطينيين بالمستوطنات التي تم إخلائها فهناك أكثر من 20 مستوطنة في تخوم غزة قد أُخليت، أو في النقب، أما أن يزاح بالفلسطينيين إلى سيناء، فهو مرفوض تمامًا.

•صمود فلسطيني: نعيش أحرارًا أو نموت كراماً
واختتم حديثه: "لن نغامر بالمشروع الوطني الفلسطيني، وفكرة أن تعاد مرة أخرى نكبة 1948 سقطت من كل حساباتنا، والشعب الفلسطيني يقود قوة بكلمة واحدة، أن نعيش أحرارًا أو نموت كراماً" ولا حل آخر، وكل محاولات الاحتلال الإسرائيلي من تخويف ورعب للشعب الفلسطيني يقابل بشموخ وصمود، تأكيداً على ذلك؛ فإن غزة التي يسكنها قرابة 70% من الذي هجروا عام 1948، يقولوا بشكل واضح لن نعيد التجربة و" غزة" هي ما تبقى لنا من فلسطين ولن نتركها".

•إدوارد سعيد: قصة النفي والضياع والأمل الصعب
وبعد قراءة للمشهد الراهن، وتحليل للسيناريوهات المتوقعة، نذهب لزيارة تاريخية لعام 1948، بتصفح مشروع توثيقي بعنوان "حرب فلسطين وإعادة كتابة التاريخ"، تم الاستعانة في كتابته بالدكتور إدوارد سعيد، المفكر الفلسطيني والأستاذ بجامعة كولومبيا الأمريكية، والذي قدم شهادات تتعلق بأحداث" النكبة".

ورغم كان سعيد مجرد طفل لم يتخطَ عمره الـ12 عاما، يعيش في كنف أسرة غنية، وكان والده يشغل منصباً مرموقاً بالقاهرة؛ لذا لم يشهد عملية الإجلاء بصورة مباشرة، فهو كما يصف كان يتابع الأخبار وهو بـ"نصف وعي"؛ لكن ذلك لم يكن معرقلاً له بشأن الاحتفاظ بذكريات عن تلك الأحداث المؤلمة.

ويقول سعيد، إنه من الممكن اعتبار أسرته من أقل الأسر الفلسطينية تضررًا من عمليات الاقتحام الصهيوني الوحشي وإجلاء ما يقرب من 800 ألف فلسطيني عربي من أرضه، حيث كانت آخر الزيارات لبيته في فلسطين ديسمبر 1947 (قبل 6 أشهر من المأساة).

وشهدت عائلة سعيد على مأساة عميقة الجذور، فقد شرد الكثير من المقربين من عائلة والده ووالدته، وفقدوا الأموال والممتلكات، وخرج بعضهم للعيش في مصر ولبنان وهم يحملون في ذهنهم قصة النفي والضياع والأمل الصعب في العودة لأحضان الوطن!

•نبيل شعث: ما ضاع حق ورائه مطالب
ومن جهة أخرى، تناول المشهد من زاوية من أحد المتضررين من المعاناة، ومن بينهم السياسي الفلسطيني البارز نبيل شعث، الذي كان يبلغ العاشرة من عمره، وقت حدوث " النكبة"؛ لكنها حفرت بداخله ذكريات تأبى النسيان، والتي رواها في مذكراته التي صدرت عن " دار الشروق" تحت عنوان ".. من النكبة إلى الثورة".

يقول شعث: "أدت نكبة 1948 إلى هجرة عائلتي من يافا إلى مدينة غزة ومنها إلى الشتات الفلسطيني، وإلى هجرة أبناء العائلة من بئر السبع إلى مخيم رفح للاجئين، فيما يسمى «بلوك الشعوث» على اسم معظم سكانه من آل شعت وكانت مخيمات اللاجئين مقسمة إلى بلوكّات، الذي أصبح فيما بعد قلعة للصمود والمواجهة مع قوات الاحتلال الإسرائيلي في الانتفاضتين الأولى والثانية".

وكانت لمصر دوراً إنسانيا هاماً بعد " النكبة الفلسطينية" حيث احتضنت عداً من الأسر الفلسطينية على أرضها، وكان من بينها أسرة "شعث"، وعن ذلك يقول شعث: "أتوا جميعا إلى الإسكندرية على أساس الخروج المؤقت من فلسطين إلى أن تهدأ الأمور، ثم أصبحت العودة مستحيلة، واكتشفوا أنهم أصبحوا لاجئين، نازحين دائمين عن بلادهم فلسطين، وأن عليهم أن يتدبروا أمور حياتهم الجديدة وحياة أولادهم بعيدا عن وطنهم المحتل".

ويكمل شعث: "كان معنى النكبة يتجدد يوميًّا، وكنت أذكر يافا كثيرًا، ومدرستي العامرية، وأبناء صفي ابن خالتي نزار هو وحده الذي كان بين الأصدقاء الأعزاء الذين قدموا إلى الإسكندرية من يافا الحبيبة الجريحة كان أبي يتمزق من الداخل ووطنه يضيع ويتلاشى كان يعمل ليل نهار لكي يساعد ويسلح، ويواسي وينقذ، ولكنه كان يحس بالنكبة ونتائجها على جيلنا والأجيال القادمة لم يفقد إيمانه وتمسكه بوطنه لحظة واحدة، وكان يحدثنا دائمًا عن مرارة النكبة وعن الصمود والاستمرار والحق الذي لا يضيع ما بقي وراءه مطالب".

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved