وسط عجز حكومي.. استفحال النزاعات العشائرية بجنوب العراق في دوامة لا تنتهي

آخر تحديث: الثلاثاء 17 أكتوبر 2023 - 5:32 م بتوقيت القاهرة

وكالة أنباء العالم العربي

بسبب خلاف بسيط، كثيرا ما يتحول الليل في محافظات العراق الجنوبية إلى نهار جراء وميض ودوي الأسلحة الخفيفة والمتوسطة المستخدمة في المواجهات بين هذه العشيرة أو تلك في نزاعات يبدو أن الحكومة عاجزة عن وضع حد لها.

وحين ينكشف الصباح، يحمل طرفا المعركة قتلاهما، متوعدين بالثأر في معركة جديدة. وهكذا تبدأ دورة جديدة من النزاعات العشائرية في العراق، ولا تنتهي أحيانا.

وفي ذي قار، التي تبعد حوالي 360 كيلومترا جنوبي بغداد، باتت النزاعات العشائرية مصدر تهديد للحياة الاجتماعية.

ويصف سداد إبراهيم (45 عاما) وابل الرصاص الذي يتم إطلاقه خلال تلك المعارك بأنه "كاف لاحتلال مدينة كاملة، خاصة وأن بعض النزاعات تستمر لأيام طويلة وتُستخدم فيها الأسلحة الثقيلة والمتوسطة".

ويضيف إبراهيم في حديثه إلى وكالة أنباء العالم العربي (AWP) "مشكلة النزاعات العشائرية قديمة وليست وليدة اليوم، فهي عرف سائد، لكن ما سلط الضوء عليها حاليا هو بث هذه المعارك على مواقع التواصل الاجتماعي".

ويشير إبراهيم إلى أن معظم تلك النزاعات تبدأ بمشكلة بسيطة مثل "تجاوز بقرة على أرض زراعية أو حصة من مياه الري وتستمر وتتفاعل"، لكنه استدرك قائلا "هذا لا يعني أن جميع العشائر تنهج هذا النهج، بل على العكس هناك عشائر معروفة لا تدخل في مثل هكذا نزاعات وتلتزم بالقانون والسلم الأهلي".

وتضم وزارة الداخلية العراقية مديرية خاصة بشؤون العشائر، وقال مديرها ناصر علي النوري لوسائل إعلام محلية في وقت سابق إن المديرية نجحت في فض أكثر من 2400 نزاع عشائري في 2022 من خلال لجان هيئة الرأي، مما حال دون قيام ما يعرف باسم "الدكة العشائرية".

والدكة العشائرية تقليد معروف لدى عشائر الجنوب العراقي، تتمثل في إطلاق النار من قبل أفراد عشيرة معينة على منزل في دلالة على أنها تطالبه باستحقاق يمتنع عن سداده وعليه أن يستجيب لجلسة الفصل العشائري خلال ثلاثة أيام، وغالبا ما يكون إطلاق النار على المنزل مساء وخلال وجود العائلة بالكامل داخله، ما يسبب حالة هلع.

وكان مجلس القضاء الأعلى العراقي قد أمر في العام 2018 بالتعامل مع قضايا الدكة العشائرية وفق قانون مكافحة الإٍرهاب، وجرى منذ ذلك الحين اعتقال العشرات من الضالعين في هذه الممارسة ومحاكمتهم.

من جانبه، عبر عباس جابر، معاون محافظ ذي قار، عن أسفه لأن "الفترة الماضية شهدت إهمالا من الحكومة المركزية لهذه النزاعات، إذ لم تأخذ الحكومة دورها الحقيقي تجاهها، ما أدى إلى أن تتطور وأن يتجرأ البعض على القانون من خلال تطوير هذه الصراعات التي تسببت بإزهاق العديد من الأرواح".

وأعرب جابر، في مقابلة مع وكالة أنباء العالم العربي، عن أمله في أن "يأخذ القانون والقوات الأمنية دورهم في حصر وتحجيم مثل هذه الاعتداءات والنزاعات من خلال تطبيق القانون بالتساوي على الجميع وعدم مجاملة الآخرين فضلا عن معاقبة المقصرين وعدم السماح لهم بالإفلات من العقاب لأنه الرادع الوحيد لمثل هذه الصراعات".

وشهدت ذي قار في أواخر سبتمبر أيلول تجدد النزاع بين عشيرتي آل عمر والرميض، ما استدعى تدخل المرجع الديني الأعلى للشيعة آية الله علي السيستاني، حيث أوفد مبعوثا عنه للتوسط في حل النزاع كما أصدر مكتبه بيانا دعا فيه العشيرتين إلى حل الأزمة بالطرق المتعارفة في هذه الحالات.

وكان النزاع بين العشيرتين اندلع لأول مرة في أبريل نيسان الماضي في قضاء الإصلاح بمحافظة ذي قار، وأسفر عن سقوط خمسة قتلى، فيما ألقت الشرطة القبض على ثمانية أشخاص وبحوزتهم كميات كبيرة من الأسلحة.

ومنذ ذلك الحين لم تهدأ الأوضاع في قضاء الإصلاح، على الرغم من تدخل أطراف عشائرية وسياسية للتوسط ونزع فتيل التوتر، واستمرت النزاعات المسلحة في التجدد بين العشيرتين بين الحين والآخر إلى أن تدخل السيستاني وأعلن زعيما العشيرتين قبولهما بوساطته.

وغالبا ما ترسل كافة الحكومات الاتحادية في العراق ضباطا ومسؤولين أمنيين بغية السيطرة على النزاعات المسلحة بين العشائر في محافظات ذي قار أو البصرة أو ميسان في جنوب البلاد.

* النسيج المجتمعي

يرى الباحث الاجتماعي محمد فخري المولى أن "من الصعوبة بمكان السيطرة على النزاعات العشائرية لأنها صناعة وولادة النسيج المجتمعي حتى في وجود قوة القانون".

وأضاف "هناك مناطق ومساحات لا يحكمها القانون، بل إن القيم والعادات العشائرية هي الحاكم، خصوصا عندما تكون الأحداث خارج مراكز المدن الحضرية في المناطق البعيدة".

وتابع قائلا "العراق بات بحاجة ماسة وضرورية إلى توعية مجتمعية كبيرة تبدأ بدور المرجعية الدينية والقانون والشخصيات المؤثرة للتدخل في الحد من هذه النزاعات"، غير أنه استبعد إيجاد حل جذري للمسألة على المدى القريب، وقال إن الوعي القانوني يمكن أن يسهم تدريجيا في التخفيف من حدتها.

ودعا وزير الداخلية العراقي عبد الأمير الشمري في أبريل نيسان الماضي إلى استعادة ثقة المواطنين في مراكز الشرطة وألا تكون العشيرة بديلا عنها، مضيفا أنه أبلغ شيوخ العشائر بأن "تهديد عناصر الأمن هو تهديد مباشر لي... بدأنا المرحلة الأولى بخطة حصر السلاح بيد الدولة".

ولم تستطع أي حكومة عراقية السيطرة على سلاح العشائر أو ما بات يعرف باسم "السلاح المنفلت". ويتعاون العراق مع البرنامج العالمي بشأن الأسلحة النارية التابع لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة في هذا الصدد.

ودعا الخبير الأمني عدنان الكناني، في مقابلة مع وكالة أنباء العالم العربي، إلى "إنهاء ظاهرة النزاعات العشائرية والقضاء عليها من قبل الحكومة وذلك بمعالجة الأسباب التي تقود أبناء الشعب الواحد إلى الاقتتال وحمل السلاح وحيازته بشكل غير مرخص".

وأضاف الكناني "ليس من المعقول أن تحتوي منازل مدنية قاذفة صواريخ أو هاون أو طائرات مسيرة، بعض العشائر تحتفظ بهذه الأدوات، وهذه الأسلحة تدفع الإنسان إلى الخروج من غريزة التفكير السليم وتجبره على ارتكاب الممنوع".

وألقى الخبير الأمني باللوم على قيادات أمنية في أزمة النزاعات العشائرية "بسبب ما يربطهم من علاقات متينة مع شيوخ العشائر... وهذا يضع المواطن في حالة من عدم الثقة لا بالحكومة ولا حتى بالعشيرة، ما يؤدي إلى تنامي مجاميع صغيرة يمكن تسميتها بالعصابات... تدير وتشعل هذه المعارك".

وتابع قائلا "المواطن حينما يشعر بأن حقوقه مصانة والنظام يحميه، لا يلجأ إلى النزاع العشائري".

* الديوانية وواسط

على الرغم من أن الديوانية، التي تبعد 180 كيلومترا جنوبي بغداد، كانت تنعم بالهدوء والاستقرار حتى وقت قريب، فإن المحافظة بدأت تشهد في الآونة الأخيرة نزاعات عشائرية هي الأخرى.

ويؤكد عبد الله الركابي، الذي يعيش في الديوانية، أن النزاعات العشائرية "استفحلت إلى حد كبير في مناطقنا، خاصة المناطق الجنوبية من المحافظة".

ويعزو الركابي (52 عاما) أسباب ذلك إلى "ضعف المستوى الثقافي والتعليمي لدى غالبية الأشخاص ما يدفع إلى عدم احترام القوانين النافذة والتوصيات على الرغم من أن القوانين تعتبر مرتكبي هذه النزاعات إرهابيين يحاسبون وفقا لقانون مكافحة الإرهاب".

من جانبه، انتقد كاظم الزركاني، أحد شيوخ عشائر محافظة واسط، تنامي ظاهرة النزاعات العشائرية، قائلا إنها باتت تعكس صورة مسيئة عن تاريخ العشائر العراقية الأصيلة.

وأبلغ الزركاني وكالة أنباء العالم العربي "بعض العشائر أصبحت تمارس النزاعات وفق مفهوم التجارة، إذ أن بعض الشخصيات تستخدم اسم العشيرة لضرب عشيرة أخرى مقابل مبالغ مالية تدفع لها من شخصيات نافذة أو تجار".

وأضاف "العشائر كانت سابقا لا تختلف ولا تجلس لحل خلاف إلا على قضايا ذات اهتمام مجتمعي أو فيها ضرر كبير على إحدى العشائر، وليس بسبب مشاجرة على حصة ماء أو شيء آخر غير ذي قيمة".

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved