ستيلا تعكس الزيف.. الفتاة المُحجبة التي نسفت التسليم بحقيقة حكايات الهولوكوست اليهودية

آخر تحديث: الأحد 18 فبراير 2024 - 12:38 م بتوقيت القاهرة

الشيماء أحمد فاروق

هناك كلمات كثيفة الاستخدامات في الخطابات ولغة المسئولين الإسرائليين، مثل المحرقة والهولوكوست وتشبيه أي فعل يتم القيام به ضد دولة الاحتلال أو انتقادها أنه فكر نازي ضد اليهود، وكل هذه العبارات جزء من الخطابات المستخدمة لادعاء المظلومية التي يسعى الإسرائيليون للترويج لها دائما لكسب تعاطف العالم، ويبرز ذلك بشكل واضح في تصريحات المسئولين التي تنهال على العالم يوميا منذ 7 أكتوبر 2023، وبداية العدوان على قطاع غزة.

ويقول الكاتب البريطاني، جورج أورويل، في أحد مقولاته الشهيرة: "لقد صممت اللغة السياسية لكي تجعل الأكاذيب تلبس ثوب الحقائق"، وهذه الجملة هي تعبير دقيق للسردية الإسرائيلية التي تستخدم لغة السياسة لكي تخلق مجموعة من الحكايات غير الحقيقية وتبنيها والمتاجرة بها عالميا.

قد روجت إسرائيل والأفكار الصهيونية لقصة الهولوكست، وتم حصر جميع أشكال الاضهاد أو العنف التي وقعت خلال أربعينيات القرن الماضي خلال فترة حكم أدولف هتلر، في أنها حدثت ضد اليهود فقط، ولكن هناك أشخاص حاولوا كشف الحقيقة حول ادعاء واحد فقط من الادعاءات التي روج لها على مدار عقود، وهو حقيقة الفتاة المحجبة "ستيلا"، حيث كانت قد ظهرت في إحدى القطارات التي قيل أنها تحمل يهودا إلى معسكرات القتل في الفترة النازية.

ستيلا هي آنا ماريا شتاينباخ، كُتب نص يحمل اسمها من قبل الصحفي الهولندي آد فاجنار، "وهو يحكي عن رحلة بحثه عن فتاة يهودية مجهولة الاسم تظهر في لقطة في فيلم وثائقي عن ترحيل الجماعات اليهودية إلى المعسكرات إبان الحقبة النازية، ويكتشف فاجنار في نهاية المطاف أن الفتاة المجهولة ليست يهودية كما ساد الاعتقاد على مدار عقود من الزمان، وقد سجل فاغنار رحلته في قالب أدبي يقوم على التشويق عبر إثارة أسئلة استقصائية"، بحسب ما ورد في مقال بحثي للدكتور حجاج أبو جبر، أستاذ النظرية النقدية بأكاديمية الفنون.

صدر كتاب فاجنار عام 2007، وقاد في بحثه إلى تكوين صورة كاملة حول آنا ماريا شتاينباخ، وتاريخ عائلتها وانتمائها إلى الغجر، بعد أن كان السائد "أن الفتاة المجهولة يهودية الأصل، وأن الهولوكوست إنما تشير إلى الإبادة النازية لليهود وحدهم، ويكشف ذلك عن الوضع المهمش الذي يشغله الغجر وغيرهم في الذاكرة الثقافية الأوروبية"، وهذه السردية السائدة تصب في مصلحة الحكايات التي تخلقها إسرائيل حول اضطهاد اليهود.

وقال أبو جبر في مقاله بعنوان "الحقيقة والخيال في أدب الهولوكوست مقارنة بين آن فرانك وستيلا شتاينباخ" والمنشور في "تبين للدراسات الفلسفية والنظريات النقدية": "تكمن المشكلة في أن الذاكرة الجمعية تحددها الحاجات الاجتماعية والسياسية والثقافية الراهنة، في حين أن الذاكرة الفردية تشكلها وتتأثر بالمصالح والآراء الشخصية، وكانت صورة الفتاة المجهولة منتشرة على أنها فتاة يهودية، مع أنه لا أحد يعلم هويتها، مع استبعاد تام أن تكون غير يهودية"، هذا الادعاء يفيد الروايات الإسرائيلية والصورة التي يتم الترويج لها دائما على أنهم تعرضوا وحدهم للقهر والقتل وتعتبر آن فرانك الأيقونة الأبرز لهذه الصورة.

بقيت إبادة الغجر غائبة عن ذكرى الهولوكوست زمنا طويلا "فلم تصبح صورتها أيقونة إلا عندما ساد الاعتقاد أنها فتاة يهودية، ويعود ما حدث وفق أبو جبر إلى ما يسمى سياسة الذاكرة أو الوظيفة المزدوجة للذاكرة، "فربما تكون الذاكرة أداة للإسكات والتهميش والتمييز والإقصاء وربما تكون أداة لتمكين المهمشين والمستضعفين".

تسبب ما وصل له فاجنار في حالة من التشكيك حول قصص الهولوكوست، "عندما أكد فاجنار أن الفتاة اليهودية ليست يهودية، بل فتاة من فتيات الغجر، وأن اسمها ستيلا شتاينباخ، اهتزت وظيفة أيقنة الهولوكوست اليهودي، إن لم تكن قد انهارت تماماً، حيث تسبب توظيف صورة هذه الفتاة في طمس إبادة أخرى لأناس آخرى، وما زاد الطين بلة، الكشف عن تواطؤ أفراد من الجماعات اليهودية وتعاونهم ومشاركتهم في مراقبة المعسكرات وإدارتها، حيث لعبوا دور وسطاء في الأنشطة والاختصصات جميعها، وخاصة بشأن تحديد قوائم بأسماء الضحايا الذين سيجري ترحيلهم إلى معسكرات الموت"، بحسب ما ورد في مقال أبو جبر.

وقد فضح فاجنار زيف الخصوصية اليهودية -التي اكتسبتها المرحلة النازية- في رحلة بحثه عن الفتاة المجهولة، حيث تشير كلمة هولوكوست "إلى عمليات الاضطهاد والإقصاء والتدمير التي تعرضت له الجماعات اليهودية في أوروبا إبان الحقبة النازية في الفترة من 1933 وحتى 1945"، وهذا الوصف الذي تورده موسوعة أدب الهولوكوست يقصر تعريف الهولوكوست على الجماعات اليهودية دون غيرها، ويتجلى هذا المفهوم واضحا من خلال الضجة والانتشار الكبير الذي حققته يوميات فتاة صغيرة لآن فرانك.

كشف كتاب فاجنار عن أن ستيلا كانت السابعة من بين 10 أطفال في عائلة كبيرة ليس لديها إقامة دائمة، كان والدها يكسب لقمة العيش كتاجر وعازف كمان في المعارض والمهرجانات القروية في منطقة سيتارد، تم تعميد ستيلا في 23 ديسمبر 1934 وأعطيت الأسماء المسيحية الأولى آنا ماريا، بالإضافة إلى ذلك، باعتبارها طفلة لأبوين من طائفة السنتي الروما، كانت تحمل أيضًا لقب ستيلا.

وأصبح جزء "الفتاة المحجبة" التي تطل من القطار من فيلم Westerbork للمخرج رودولف بريسلاور، صورة مستخدمة على نطاق واسع للطفل اليهودي العاجز بعد الحرب العالمية الثانية، وقد وصفها بريسر في كتابه "السقوط اضطهاد وإبادة اليهود الهولنديين" عام 1985 بأنها "اتهام رهيب" ضد النظام النازي، أصبح التسجيل أيقونة لاضطهاد اليهود، وفي عام 1994، اكتشف الصحفي آد فاجنار الهوية الحقيقية للفتاة المحجبة كما أطلق عليها.

بالإضافة إلى قصة ستيلا، هناك مؤرخون ومفكرون نكروا الهولوكوست وكتبت كثير من الكتب حول هذه النظرية التي ترى أن هناك حالة من التهويل والتضخيم المبالغ فيها حول الهولوكوست، ونذكر منها: "في عام 1976 نشر المؤرخ البريطاني ديفيد إيرفينغ كتابه حرب هتلر وفيه أنكر ما تسمى المحرقة وحكمت عليه محكمة نمساوية بالسجن لمدة 3 سنوات بسبب هذا الكتاب، أما الكاتب النمساوي غيرو هونسيك قد دخل السجن لمدة 18 شهرا لكتابته عدة مقالات في مجلة hult نفى فيها وجود غرف الغاز السام في معسكرات الاعتقال النازية.

و"في عام 1974 نشر الصحفي الكندي ريتشارد فيرال كتابه أحقا مات 6 ملايين وعلى إثر ذلك جرت محاولات لطرده من كندا، أما هنري روكيه فقد نفى في رسالته لنيل الدكتوراه من جامعة نانت عام 1977 وجود المحرقة" ، بحسب كتاب "الهولوكوست حقيقتها والاستغلال الصهيوني لها".

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved