ميشيل المصرى:يدى لم تعد تطاوعنى على العزف وأبكى كلما لمست الكمان
آخر تحديث: الثلاثاء 18 أكتوبر 2011 - 10:15 ص بتوقيت القاهرة
أمجد مصطفى
ملامح الموسيقار الكبير ميشيل المصرى تشبه إلى حد كبير موسيقاه. كلاهما مصرية للنخاع. تشم فيها رائحة مصر، حواريها شوارعها ضواحيها سواحلها وصحاريها مسلميها وأقباطها. موسيقاه كما شخصيته من نسيج هذا الوطن. وتشعر أنك تسمع لشىء منك يعبر عنك فيها من طيبة وطين هذا الشعب.
لذلك لم يكن غريبا ان يكون عملا مثل «ليالى الحلمية» الذى كتب موسيقاه التصويرية ووضع ألحان المقدمة والنهاية التى غناها المطرب الكبير محمد الحلو هو الأهم فى تاريخ الدراما المصرية لانه قدم صورة مصر عبر أجيال وحقب زمنية مختلفة. حيث عبرت موسيقاه بشكل كبير ومؤثر عن الشخصية المصرية. ميشيل المصرى من الفنانين القلائل الذين يعملون فى صمت دون ضجيج أو بحث عن شهرة تأتى عن طريق الإعلام. لذلك كانت نجاحاته هى التى عرفته بالجمهور وعرفت الجمهور به. نجاحات كبيرة حققها عبر مشواره بدأت بصداقة منذ الصغر مع رفيق المشوار جارة بحى شبرا الموسيقار الكبير بليغ حمدى حيث تقاسما كل شىء الماء والهواء وحب الموسيقى وكان يرى كل منهما انه امتداد للآخر. وكان ثالثهما المطرب الراحل محرم فؤاد. بعد ذلك انتقل ميشيل إلى تونس ثم الكويت ومن هناك ذهب إلى لبنان مصاحبا لزوجته اللبنانية حيث عمل مع الرحبانية فى محطة مهمة لمشواره الموسيقى. عمل تحت قيادة منصور وعاصى الرحبانى وبالقطع صوت الرحبانية إلى الأبد فيروز. ثم عاد إلى مصر عام 70 ليبدأ مرحلة جديدة مع الموسيقار محمد عبدالوهاب الذى ظل ملازما له طوال الـ 20 عاما الاخيرة من عمر موسيقار الأجيال حيث نفذ ووزع أعماله موسيقاه عدا العمل الأخير «من غير ليه». كما عمل مع السيدة أم كلثوم وعبدالحليم حافظ. ميشيل المصرى مثل أسماء مهمة كثيرة أهملت عن قصد أو دون قصد لكنه لم يحظ بحجم انتشار وشهرة على المستوى الشعبى يتناسب مع حجم ما قدمه من أعمال. والجميل انه راض تماما ان تغنى الناس أعماله دون أن يعرف أحد من هو ميشيل المصرى صاحب موسيقى «الحلمية» و«مين اللى ما يحبش فاطمة» و«عائلة الحاج متولى» و«حارة القرود» و«محمد رسول الله» الجزء الثانى. بدأت الحوار مع الموسيقار ميشيل المصرى من حيث انتهى قبل عامين أو أكثر قليلا بعمل درامى وضع موسيقاه وهو مداح القمر الذى يتناول سيرة بليغ حمدى. أين ذهب هذا العمل وكيف تناول موسيقاه خاصة أنه أحد الشخصيات التى يتم تجسيدها على الشاشة باعتباره أحد أصدقاء بليغ.
فى البداية قال.. تحدثوا معى عام 2007 لوضع الموسيقى لهذا العمل وبمجرد أن تحدثوا معى بدأت العمل رغم أنهم تعاقدوا معى فى 2008. لكن لان العمل يتناول بليغ وشلتنا وصحبتنا وتحمسى للفكرة التى وضعها المؤلف محمد الرفاعى حيث تحمل كل حلقة اسم أغنية شهيرة من أغانى بليغ. وهذا جعلنى ابنى شخصية كل حلقة على موسيقى الأغنية التى تحملها كأنها حواديت منفصلة والجميل أن المخرج مجدى أحمد على تحمس أيضا لفكرتى خاصة أننى كنت آخذ من الأغنية تيمة الحزن أو الفرح لتعكس المشاهد المصورة.. إلى جانب ذلك. وكما قلت حسيت أننى أكتب لنفسى وبليغ فى نفس الوقت. ومن كتر حبى للموضوع عملت أغنيتين للمقدمة ومثلهما للنهاية. وعملت ما يقرب من 25 تيمة موسيقية أى أننى كما لو صنعت موسيقى تصويرية لـ30 مسلسلا. وانفقت من جيبى على الموسيقى قبل ان أحصل على أى فلوس. ثم صرفت مثل باقى العاملين بالعمل 10% من الأجر .كدفعة أولى لكن الغريب ان العمل توقف. طيب يا اخونا انتوا دفعتوا فلوس طيب كملوا المسلسل. لأنكم دفعتم أموالا. أتمنى ان يستكمل التصوير.
● على ذكر بليغ حمدى وباعتبارك من أصدقائه هل ظلم هذا الفنان؟
ــ بليغ طوال عمره لم يكن يبحث عن شىء لا مال ولا شهرة كان يقضى يومه منذ الاستيقاظ وحتى النوم فى التلحين. لدرجة اننى كنت أقول له انت ممل. لذلك هو كان مهمل فى حق نفسه. الشىء الوحيد الذى عاش من أجله هو الموسيقى وفنه فقط.
● نعود إلى مشوارك عشت بالكويت سنوات طويلة ماذا كنت تعمل؟
ــ أسست هناك الاوركسترا الإذاعى. عندما كانت الكويت إمارة ولم تكن دولة وكنا نحصل على الراتب بالعملة الهندية الروبية وهى عملة الكويت فى تلك الفترة.
وهذه الفترة استفدت منها أيضا موسيقيا لأننى التقيت مع جنسيات مختلفة اطلعت من خلالهم على موسيقى تلك الشعوب مثل الإيرانية والخليجية وغيرها.
● انتقلت بعد ذلك إلى محطة مهمة فى مشوارك وهى الرحبانية منذ عام 1968 وحتى 1970 كيف انتقلت إلى هذه المدرسة؟
ــ زوجتى رحمها الله كانت لبنانية وصديقة لفيروز كانت جارتها ومن شلتها. وبعد انتهائى من العمل بالكويت ذهبت إلى بيروت بنية استكمال مشوارى هناك. وهناك التقيت بصديقى عازف كمان وكان نقيب الموسيقيين هناك هو عبود عبدالعال. وعندما علم باننى قد استقر هناك أراد تكريمى. والجميل ان هذا التكريم كان عبارة عن طلب تقدم به للرحبانية لكى أعمل معهم. وبالفعل التحقت بالعمل معهم.
● ما أهم ما يميز الرحبانية؟
ــ الانضباط. والنظام فى كل شىء. فرقة كانت تتمتع بالمواصفات والمقاييس العالمية فى كل شىء. فى الموسيقى المقدمة ذات مواصفات عالمية مع الاحتفاظ بشرقيتنا. وعلى مستوى التنظيم أيضا ذات مواصفات عالمية. العمل بالساعة وهذا لا يحدث إلا فى الاوركسترات فقط. من مظاهر الانضباط لديهم قبل أى رحلة خارجية لهم يوزع على أعضاء الاوركسترا كتيب مكتوب به مواعيد كل شىء بداية من التجمع فى مطار بيروت وحتى العودة إليه. مرورا بمواعيد التجمع فى اللوبى بالفندق. والراحات والبروفات كل شىء حتى على المسرح دخول وخروج السيدة فيروز لدرجة أننا عندما حضرنا لمصر قمنا بعمل ثلاث حفلات الثلاثة انتهوا فى توقيت واحد وهو ما جعلهم حديث الناس الموسيقيين فى مصر.
● الرحبانية كانوا فى أحيان كثيرة يعتمدون على أعمال عالمية؟
ــ هذا صحيح لكنها لم تكن سرقة لو شاهدت البرنامج الخاص بهم سوف تجد اسم العمل الأصلى ومؤلفه مكتوب.
● فيروز كيف كانت تتعامل معكم؟
ــ لم يكن هناك أى تعامل. انضباط غريب بمجرد ان تنتهى من بروفتها تتوجه مباشرة إلى مكتبها لا تخرج منه. وكذلك عاصى ومنصور.
● شخصيتها على المسرح كانت دائما مصدر تساؤل للناس فهى لا تضحك أبدا هل هذا أيضا من تقاليد الرحبانية؟
ــ كل شىء عند الرحبانية كان طبقا لمقاييس موضوعة. وبالتالى فالعمل كان يقدم على المسرح كأنه فيلم سينما محدد المدة ومحسوب الخطوات لذلك لو استغرقت فترة ولو قصيرة فى تبادل التحية مع الجمهور فركن مهم من أركان العمل سوف يقع.
● عندما عدت لمصر هل حاولت تطبيق هذا النظام فى مصر؟
ــ حاولت هذا مع عبدالحليم حافظ ولكن لم ينجح النظام.
● عملت أيضا مع السيدة أم كلثوم ما الفارق بينها وبين فيروز؟
ــ كل منهما له شخصية. أم كلثوم كان لها شخصية قوية قادرة على السيطرة على من حولها. ليست متسلطة لكن حضورها كان قويا. وقلبها كان مثل الحديد. وعلى مستوى الموسيقى أم كلثوم تميل لمدرسة السلطنة لدرجة أن الفرقة كانت تعتمد على الحوار الموسيقى غير المكتوب وتفاجأ به على المسرح، الارتجال الجماعى الناجم عن التفاهم وكثرة البروفات.
● اقتربت من عبدالوهاب 20 عاما؟
ــ عبدالوهاب زكى ولماح ومرتب جدا. ومنضبط إلى أقصى درجة. وكان رجل علاقات عامة من طراز فريد تربيه قصور بالفعل. يجيد فن البرتوكول ولا أعظم دبلوماسى. وعلى المستوى الموسيقى دائما لديه الجديد تعلمت من موسيقاه كيف تحترم عروبتك وشرقيتك. كان فريدًا لدرجة انه كان يسجل الأغنية الواحدة 25 ساعة وبعد شهر من التسجيل يبدأ سماعها مرة أخرى إلى أن يختار منها 20 دقيقة فقط أو أكثر حسب زمن الأغنية. وكان يضع فى حساباته كل شىء.
● الآن وبعد مشوار حافل ماذا تفعل؟
ــ لا يوجد شىء أفعله إلا المزيكا. استيقظ فى السادسة والنصف صباحا لا أفعل شىء سوى الاستماع لأن نظرى الآن لا يساعدنى على القراءة. وحاسة السمع هى التى تربطنى بالعالم الخارجى.
● وعلاقتك بالكمان رفيق مشوارك؟
ــ تعلم ان الكمان يحتاج مذاكرة يومية. ولأننى امتلك أكثر من كمان أحدها كان يملكه الملك فاروق والأخرى صنعت خصيصا لى. فى فترة الخمسينيات أى أنهم قيمة كبيرة لذلك أخاف أن ألمسها حتى لا يصبها مكروه نتيجة ضعف بصرى.
● لكنك بالتأكيد تحاول أحيانا؟
ــ نعم أحاول العزف أحيانا وعندما أفعل ذلك أبكى لأن اليد لم تعد تستطيع أن تنفذ أوامر المخ.
● هذا الأمر هل يؤثر على التأليف الموسيقى أو التلحين؟
ــ أنا منذ صغرى وكل ما أكتبه موسيقيا اسمعه فى أذنى. وكنت أترجمه بالكمان الآن استخدم الكمبيوتر فى الكتابة. لأننى استطيع أن أكبر الحروف إلى أقصى درجه ومع العلم أن عينى الشمال أرى بها بشكل ضئيل.
● كنت تعد لنفسك للسفر إلى إسبانيا للعلاج؟
ــ هذا صحيح لكن العملية تحتاج 25 ألف يورو. إلى جانب المصروفات الأخرى .لذلك أجلت.
● هل هناك من يسأل عنك؟
ــ الذين يعيشون فى الخارج هم الأكثر سؤالًا عنى. لكن أغلب من كانوا يسألون عنى وبشكل يومى ماتوا. وحاليا ممن يسألون عنى أتذكر محمد الحلو ومحمد ثروت.
● ما الذى يحزنك أكثر هل تجاهل أصدقائك أم تجاهل المسئولين عن الإنتاج؟
ــ عمرى ما فكرت بهذا الشكل ولم أسع طوال عمرى لعمل لاننى مؤمن بأن الرزق بيد الله. بدليل ان لدى شيكات مستحقة وعقود لابد ان تنفذ ورغم ذلك لا أجرى وراء أصحابها. وهذا الأمر يجعلنى مرتاحًا دائما.
● هل أنت راض عن ما يقدم الآن من تترات؟
ــ التتر مثل الكتاب لابد ان تكون صورته الخارجية تعبر عما بداخله. أتصور ان كثيرا مما يقدم الآن. لا يصلح.
● والأغانى؟
ــ مازلنا متأثرين بالغرب.
● جيل الوسط فى رأيك ظلم؟
ــ الوحيد الذى ظلم محمد الحلو لانه فنان وليس تاجرا والفن أحيانا يجب ان تتعامل معه على انه سلعة يجب ان تروج لها بشكل جيد. والحلو لا يجيد ذلك.
● لحنت العديد من الأعمال الدينية ألا ترى أن هذا يبدو شيئًا غريبًا؟
ــ لماذا تعتبر ذلك غريبا وأنا حريص على سماع القرآن الكريم بكل التلاوات وبكل الأصوات المصرية والإيرانية والعراقية والخليجية. وكان لدى أصدقاء من المقرئين. وأنا بحمد الله تخصصت فيهم. إلى جانب إطلاعى على التاريخ الإسلامى من خلال المراجع. لذلك أنا أكثر الذين وضعوا موسيقى تصويرية للأعمال الدينية. وهذا الاندهاش من كونى الحن هذه الأعمال الدينية صاحبنى منذ البدايات حتى ان المنتج رياض العريان كان شريك فى إنتاج عمل دينى سعودى وكان متخوفا من وجود اسمى على التتر وأرسل للشركة السعودية أكثر من مرة خشية ان يتم ايقاف المسلسل. وكان دائما الرد يأتيه بالإيجاب ورغم ذلك كتب فى هذا العمل اسم مختصر، «ن المصرى». ولكن بعد ذلك. وجد الشركات حريصة على كتابة اسمى بالكامل ميشيل المصرى. وأنا فى أحد شهور رمضان كان لى برنامج يتناول أهم مشايخ التلاوة فى مصر. مثل محمد رفعت ومحمد صديق المنشاوى. وهذا يؤكد ان دائما مصر بخير.