على رأي المثل (9).. كأنك يا أبو زيد ما غزيت

آخر تحديث: الثلاثاء 19 مارس 2024 - 2:55 م بتوقيت القاهرة

منال الوراقي

بينما تعد الأمثال الشعبية ترمومتر الثقافة فى كل دولة، يشتهر الشعب المصري بأمثال شعبية وأقوال قد تبدو غير مفهومة للوهلة الأولى، ولكن إذا تعمقت في الكلام فستجد أن مضمونها يحمل دلالات ومعاني عميقة.

فالمثل الشعبي هو قصة حياة ترويها الأجيال، وحكاية حكمة الأجداد الصالحة لكل زمان ومكان وإن اختلفت اللهجات، إلا أن المعنى والمغزى من المثل الشعبي يبقى واحداً تردده الألسن، إذ لا يخلو هذا المثل من بلاغة التشبيه والإيجاز والاستعارات والكلام المسجع، للوصول إلى المقصود من دون قصور.

في سلسلة "على رأي المثل" وعلى مدار شهر رمضان الكريم، تقدم لكم "الشروق" قصصا وحكايات للأمثال الشعبية المصرية والعربية استنادا لكتاب " قصص الأمثال" للكاتب المصري سيد خالد.

كأنك يا أبو زيد ما غزيت

كان بنو هلال من العرب الرحالة، الذين يسكنون في شبه الجزيرة العربية، ومروا خلال سنين عيشهم هناك بفترة زمنية صعبة، استغرقت 8 سنوات، عانوا فيها من الجفاف وانعدام سقوط الأمطار، فأنهكت حالهم وهلكت إبلهم، التي أصبحت بلا مرعى وهذا هو السبب الأول والرئيسي للتغريبة الهلالية.

وقد قرروا الاجتماع، وبقيادة الأمير حسن بن سرحان، بعد اشتداد الجفاف الذي أصبح لا يطاق، وخرجوا بقرار إرسال مجموعة استكشافية تعود إليهم بالأخبار الطيبة، ثم يذهبوا إلى المكان، التي عثرت عليه تلك المجموعة.

وقد اختير الفارس أبو زيد الهلالى بالإجماع لهذه المهمة، ووافق أبو زيد، ولكنه اشترط أن يأخذ ابع الأمير يحيى ويونس معه، وانطلقت هذه المجموعة، حتى اهتدت إلى تونس بعد عناء شهر كامل، وقد أعجبتهم خضرتها، وتعرف عليهم اهلها، واستغربوهم فذهبوا بهم إلى ملكهم المعروف بالزناتي.

وقد كان ملك تونس قد حلم سابقا بان هنالك مجموعة سوف تأتي إلى البلاد فتكون مقدمة لأفواج تتبعها، وتسلب الملك والأرض منهم، فأيقن انهم هؤلاء، وتحاور معهم ليتاكد من هويتهم ومقصدهم فكذبوا عليه وادعوا أنهم مجموعة حجاج، وقد ضلوا الطريق، ويطلبون العون الآن، لكن عبث فلم يشفع لهم ذلك فأسرهم جميعا.

استطاع أبو زيد الهلالى الخروج من السجن، حيث ساعدته ابنة الملك وتدعى بالصفيرا، اتفقت معه على أن تخبر أباها أنه عبد، وأن ليس من شيمنا أن نأسر الا الفرسان، وفعلا تركه وأمر أن يعمل طباخا، لكنه أمر أشجع فرسانه، الذي يسمي "العلام" بمراقبته، والتاكد من ذلك.

وقد قام بحيلة استطاع أن يكشف فروسيته فيها، حيث قام بعرض للفرسان والخيل من أمامه، فإذا به يترك كل ما بيده من أعمال ويراقب بتلهف هذه العروض، ويتحمس لها فتيقن العلام من فروسيته واستجوبه فاعترف أبو زيد لكنه اشترط على العلام أن يخلي سبيله وتعاهدا على ان لا يقتل بعضهما الآخر، إذا قام بني هلال بغزو تونس.

وعاد أبو زید وأخبر قومه، وفعلا جمعوا جموعهم، وزحفوا إلى تونس ولم يتركوا خلفهم شيء ليعودوا من أجله، و لكن علياء إمرأة أبو زيد لم ترافقهم فقد كانت على خلاف معه.

وفعلا انتصر بني هلال، بعد ما يقارب 3 أشهر من المعارك الطاحنة، التي قادها أبو زيد الهلالى والفارس المغوار ذياب بن غانم، وأرسل أبو زيد لامرأته، لتأتي إلى مستقرهم الجديد، و لكنها أجابت أنه لا حاجه لذلك الآن، فالأمطار والخيرات قد عمت بلادنا من جديد وكأنك يا أبو زيد ما غزيت، فصارت مثلا.
أقرأ أيضاً:

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved