حكايات فلسطينية (10).. عزت طنوس.. سفير القضية الفلسطينية في الخارج

آخر تحديث: الأربعاء 20 مارس 2024 - 9:37 ص بتوقيت القاهرة

محمد حسين

واصل الاحتلال الإسرائيلي، انتهاكاته ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، طيلة ما يزيد على 5 أشهر، وتورط الاحتلال في ارتكاب عشرات المجازر وجرائم الإبادة المكتملة، ما خلّف آلاف من الشهداء والجرحى.

وشهدت غزة معاناة الآلاف من مجاعة، وسط نقص كبير في المواد الغذائية، والمعدات الطبية والأدوية والوقود، إضافة إلى الدمار الذي لحق بالمستشفيات.

ويعتبر الكثيرون أن العدوان الأخير على غزة يشكّل مأساة إنسانية غير مسبوقة تعد الأكثر قسوة ودموية في تاريخ القضية الفلسطينية.

وتستعرض "الشروق"، في حلقات مسلسلة محطات من تاريخ القضية الفلسطينية وصمود ومقاومة الشعب الفلسطيني من أجل حقوقه، وملامح من ثقافته وعاداته وتراثه، تحت عنوان "حكايات فلسطينية"، على امتداد النصف الأول من شهر رمضان المبارك:

الحلقة العاشرة:

تحدثنا في الحلقة السابقة عن السيدة سميرة عزام التي كانت نموذجا لدور وحضور المرأة الفلسطينية في تاريخها السياسي؛ فقد كان لها دور فعّال في بناء نواة "جبهة التحرير الفلسطينية" التي كانت بوادرها السريّة في سنة 1961، وكانت سميرة عزّام هي المرأة الوحيدة بين مجموعة الرجال المناضلين الذين كانوا يجتمعون للتحضير لقيام هذه الجبهة، التي صارت تحمل اسم "جبهة تحرير فلسطين" (طريق العودة) منذ صدور منشورها السري الأول في سنة 1963.

وقد استمرت سميرة عزام في نضالها السري تعمل بلا كلل، وسرعان ما أصبحت هي المسؤولة عن الفرع النسائي في الجبهة حتى سنة وفاتها.

ونكمل في حلقة اليوم مع ملامح من سيرة وتجربة وجه آخر من تاريخ نضال القضية الفلسطينية وهو السياسي عزت طنوس.

* معاناة بالطفولة وتفوق دراسي

ولد عزت طنوس في مدينة نابلس سنة 1894 لعائلة مسيحية، وفقد والده وهو في الخامسة من عمره، فتولت والدته رعايته وبعثت به سنة 1906 إلى القدس على ظهر بهيم لانعدام المواصلات الحديثة، واستمرت الرحلة يوماً ونصف اليوم، ودخل مدرس" السان جورج" وتخرج فيها بتفوق سنة1911، وساقر من بعدها إلى بيروت ويلتحق بكلية الطب التابعة لـ"الكلية السورية الإنجيلية" في بيروت (الجامعة الأميركية لاحقاً).

وكان خلال دراسته رياضياً، فنال الميدالية الذهبية للرياضة من مدرسته في القدس، وتفوق في لعبة كرة القدم حتى توصل إلى أن يترأس فرقة كلية الطب بالجامعة الأمريكية وفرقة الجامعة نفسها، وفقاً للموسوعة التفاعلية للقضية الفلسطينية.

* عيادته الأحب للأطفال في فلسطين

عاد الدكتور عزت طنوس في سنة 1919 إلى القدس وعمل في مركز تابع للصليب الأحمر الأمريكي، ثم افتتح عيادة طبية خاصة، وكان يحب الأطفال كثيراً الأمر الذي جعله يرغب في معالجتهم، فقصد لندن سنة 1928 ليتخصص في طب الأطفال ودخل كلية الطب في جامعة لندن، وبعد أن تخرج فيها عاد إلى القدس في صيف سنة 1929 ليمارس اختصاصه فنجح نجاحاً باهراً، وكانت عيادته وجهة محببة للأطفال المرضى من جميع أنحاء فلسطين.

* ثورة البراق

وخلال إقامته في فلسطين، اندلعت ثورة البراق في 1929،وتبعتها اتهامات متبادلة بين القيادات الفلسطينية والحركة الصهيونية بشأن المسؤولية عن الأحداث الدامية، فعمدت اللجنة التنفيذية العربية المنبثقة من المؤتمر الوطني الفلسطيني السابع إلى تنظيم حملة إعلامية في مقر "المجلس الإسلامي الأعلى" تضمنت إعداد بيانات ولقاءات مع صحافيين أجانب؛حينئذ قرر عزت طنوس إغلاق عيادته مدة شهر للتفرغ والمساهمة في هذا العمل.

وفي خريف سنة 1933، شارك في التظاهرات الحاشدة التي شهدتها المدن الفلسطينية، وخصوصاً يافا والقدس، احتجاجاً على الهجرة اليهودية المتعاظمة. وشارك في وفد لمقابلة المندوب السامي البريطاني والاحتجاج على تصرفات سلطات الانتداب القمعية القاسية إزاء المتظاهرين، وفقا لكتاب "من أعلام الفكر والأدب في فلسطين".

* شرح قضية فلسطين أمام الرأي العام البريطاني

أصبح الدكتور طنوس مقرباً من الحزب العربي الفلسطيني بعد تأسيسه في مارس 1935، ودُعي في يونيو 1936، بعد شهرين على إعلان الإضراب العام، ليصحب جمال الحسيني وشبلي الجمل وإميل الغوري إلى لندن لمقابلة وزير المستعمرات البريطاني والبحث معه في إيقاف الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وكذلك لمقابلة أعضاء مجلس النواب ورجال الصحافة وشخصيات أُخرى لشرح مدى الظلم الذي صبته بريطانيا على الشعب الفلسطيني.

وخلال وجوده في لندن نشر كتيباً بعنوان: "The Palestine Case (القضية الفلسطينية)"، واضطلع بدور بارز في التشجيع على تأليف لجنة برلمانية لدعم القضية الفلسطينية. كما أشرف على تأسيس مكتب عربي ("المركز العربي") في العاصمة البريطانية تكون مهمته شرح قضية فلسطين أمام الرأي العام البريطاني، وفقل للموسوعة التفاعلية الفلسطينية.

* جنيف ومطالبة بالحق الفلسطيني في عصبة الأمم

وتابعت الموسوعة الفلسطينة: "وكلفته اللجنة العربية العليا، في خريف سنة 1937، السفر إلى جنيف ليكون سكرتيراً للوفد العربي الفلسطيني الذي قصد عصبة الأمم في أثناء مناقشة القضية الفلسطينية، ومقابلة لجنة الانتدابات، وكان الوفد مؤلفاً من جمال الحسيني، ألفرد روك، عوني عبد الهادي، موسى العلمي، الأمير عادل أرسلان.

وعقب مقابلات عديدة أجراها الوفد الفلسطيني مع لجنة الانتدابات، ليستوضح منها عما إذا كانت فلسطين في طريقها إلى الحكم الذاتي بحسب صك الانتداب، صارحته هذه اللجنة بأنها لا تستطيع أن تؤدي خدمة للشعب العربي الفلسطيني لأن بريطانيا تمانع في ذلك".

* الدفاع عن القدس

وبعد صدور قرار تقسيم فلسطين في 29 نوفمبر 1947، ونشوب القتال بين العرب واليهود، كان الدكتور طنوس وأحمد حلمي (باشا) عبد الباقي وروحي الخطيب من القلائل الذين بقوا في القدس، فعملوا على تعزيز الدفاع عن أحياء البلدة القديمة، وبصفته أميناً عاماً لبيت المال، صار الدكتور طنوس يشرف على تمويل اللجان القومية وفرق المقاتلين، ومن ضمنها فرقة القائد عبد القادر الحسيني، الذي سقط في معركة القسطل في 8 أبريل 1948، وفرقة القائد إبراهيم أبو دية الذي أُصيب في معركة رامات راحيل جنوب القدس في 20 مايو.

* إدوارد سعيد: من أكثر الناس الذين احترمهم في العالم

وتواصل نشاط الدكتور طنوس الوطني بعد وقوع النكبة، إذ أنشأ مكتباً عربياً فلسطينياً في بيروت، وسافر في سنة 1951 إلى باريس للمشاركة في دورة الجمعية العامة الأمم المتحدة، واستطاع أن يتكلم في اللجنة السياسية الخاصة بالنيابة عن الشعب الفلسطيني. ثم توجّه في سنة 1952 إلى نيويورك ليتكلم ثانية باسم الشعب الفلسطيني.

وكان من المشاركين البارزين في تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية؛ قال عنه إدوارد سعيد: "إنه من أكثر الناس الذين احترمهم في العالم".
أقرأ أيضاً:

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved