«أنا وعمي والإيموبيليا».. رحلة روائية عابرة للأزمان تجسد أبعاد فنية وثقافية وفكرية متنوعة

آخر تحديث: السبت 20 أبريل 2024 - 11:12 ص بتوقيت القاهرة

أسماء سعد

نص فريد يأخذ القارئ في رحلة عبر الزمن إلى حقبة فنية عريقة، داخل رواية مميزة للكاتب الكبير ناصر عراق، صادرة عن دار الشروق

تحت عنوان "أنا وعمي والإيموبيليا"، حيث يتعرف القارئ على عدد من رموز وأيقونات الفن المصري من أمثال نجيب الريحاني ونجيب محفوظ وصلاح أبو سيف، مع إيقاع متسارع ينقلنا إلى أربعينيات القرن الماضي بشكل تشويقي يصور أجواء العمل السينمائي في مصر.
تدور أحداث الرواية حول "فكري" الشاب الطموح الذي يسعى لولوج عالم السينما، ونرافقه في رحلته المثيرة داخل كواليس الإبداع السينمائي، لنشهد صناعة الأفلام من منظورٍ فريدٍ من نوعه، حيث يُبحر بنا النص في عالمٍ غنيٍّ بشخصياتٍ متنوعةٍ، على رأسهم "فكري" وعمه، اللذان يشكلان محور الرواية، كما نلتقي أيضًا بشخصية "زوزو" الغامضة التي تُخفي أسرارًا عميقة، ونُشاهد تفاعل "فكري" مع نساءٍ أخرياتٍ مثل "إلزا" و"راجية" و"سنابل".

يمتاز النص بثراءه من حيث وجود مجموعة من الخطوط المتشابكة، حيث تتداخل في الرواية ثلاثة خطوطٍ رئيسية، إحداها متعلق برحلة "فكري" الإبداعية، حيث نرافقه في سعيه لكتابة أول سيناريو له، ونُشاهد صراعاته وتحدياته في عالم الفن، بالإضافة إلى علاقات "فكري" النسائية، حيث نتابع رحلة بحثه عن الحبّ والزواج من بين ثلاث نساءٍ، ونرى تفاعله معهنّ وتأثيرهنّ على حياته، وخط آخر متعلق بشخصية "زوزو" الغامضة، حيث تُثير هذه الشخصية فضول القارئ، وننتظر بفارغ الصبر كشف أسرارها ومصيرها.

يُعدّ النصّ عملًا أدبيًا فريدا يمزج بين السينما والرواية بشكلٍ مُتقن،يُتيح لنا فرصةً للتعرف على كواليس السينما المصرية في حقبةٍ فنيةٍ ذهبية، ونُشاهد رحلة "فكري" الشاب في عالم الفنّ والحبّ. ليتأكد القارئ أنه أمام عمل يظل النصّ بداخله مُمتعًا يستحقّ القراءة والتأمّل.

الاختيار الأنسب للألفاظ والنسيج اللغوي في "أنا وعمّي .. والإيموبيليا" جاء متناسبا مع مايخبرنا به النص عن لجوء الألماني روبرت "شار فنبرج" إلى مصر هربًا من رجال الجستابو في ألمانيا النازية، وما كاد يستقرّ ويبدأ عمله في السينما بمساعدة صديقه المصري، حتى توفي ذلك الصديق تاركا ابنه الوحيد "فكري" في رعاية "شار فنبرج"، وعندما تأتي "إلزا" ابنة شقيقة "شار فنبرج" لتقيم معه في عمارة الإيموبيليا، يبدأ "فكري" في التقرُّب إليها ومحاولة إثارة اهتمامها، في الوقت الذي يقع فيه "شار فنبرج" في غرام "زوزو" التي يشك "فكري" في كونها عميلة مخابراتية؛ فيقرر التفرُّغ لكشف حقيقة تلك المرأة الغامضة.

وجاءت التوصيفات في الرواية متسقة مع أجواء العمل السينمائي في مصر خلال أربعينيات القرن الماضي، وهو ما يُعَبّر عنه الروائي ناصر عراق في أجواء من الطرافة، ليُظهر بعض الشخصيات المعروفة مثل أم كلثوم ومصطفى النحاس وصلاح أبو سيف ونجيب محفوظ بوصفها شخصيات فاعلة داخل النصّ، تتبادل مع أبطاله الكثير من الهموم والتساؤلات حول نشاط أجهزة المخابرات في عالم ما قبل الحرب العالمية الثانية وتسلّط الضوء على التطورات السياسية خلال تلك الفترة وتُظهر ما فيها من ثراء وتنوع، وتنتصر للتعددية الثقافية والفكرية لتُقدِّم تحية حارة لزمن أفلام الأبيض والأسود المؤطّر بالحنين.

يصارح الكاتب ناصر عراق القارئ منذ البداية بأن أحداث روايته هي عبارة عن كثير من الخيال قليل من الواقع، وهي الجملة المعبرة التي استهل بها الرواية ليتاكد القارئ أنه بصدد لوحة فنية حية، تُجسّد حقبةً تاريخيةً غنيةً في مصر، قبل ثورة 1952، تُلامس الرواية أوتار الوجدان المصري من خلال شخصياتٍ عميقةٍ تُلامس الواقع وتُجسّد أحوال الشعب في تلك الحقبة.

بأسلوبٍ سلسٍ وجذاب، يأخذنا الكاتب ناصر عراق في رحلةٍ عبر الزمن، حيث نشعر وكأننا نشاهد فيلمًا مصريًا قديمًا بالأبيض والأسود. تُعيد الرواية إلى الذاكرة شخصياتٍ وفنانين من مبدعي أربعينيات القرن الماضي، وتُحاكي أحوال الشارع المصري في تلك الفترة.

تُعدّ رواية ناصر عراق رحلةً شيقة عبر الزمن تغني تجربة القارئ وتثري ثقافته. حيث ترصد الرواية بدقة ذكريات القارئ وتُثير تساؤلاته حول التاريخ والحياة والمجتمع، حيث تُقدم الرواية مزيجًا فريدًا من المواضيع، فتناقش السينما المصرية في بداياتها، وتُسلّط الضوء على أحداث الحرب العالمية الثانية وتأثيرها على مصر. كما تُصوّر الرواية بأسلوبٍ ظريفٍ قصة بطل الرواية "فكري" وعمه "الخواجة شارفنبرج"، وتُقدم لنا لمحةً عن الحياة الاجتماعية في تلك الحقبة.

يذكر أن ناصر عراق؛ كاتب وروائي مصري، صدرت له ۱۳ رواية، منها رواية "الأزبكية"، الفائزة بجائزة كتارا الكبرى للرواية العربية عام ۲۰۱٦، ورواية "العاطل" التي وصلت إلى القائمة القصيرة للبوكر العربية ۲۰۱۲، "الأنتكخانة" التي وصلت إلى القائمة الطويلة للبوكر العربية ۲۰۲۳، "نساء القاهرة دبي" التي وصلت إلى القائمة القصيرة في جائزة أرى روايتي في أبو ظبي عام ۲۰۱۸ "اللوكاندة"، و"أيام هستيرية" كما صدرت له عدة كتب؛ منها: "السينما المصرية ..٥٠ عاماً من الفرجة".

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved