ماذا يحدث عندما يلتقي الشعراء على جسر الترجمة؟

آخر تحديث: الأربعاء 20 يونيو 2012 - 1:55 م بتوقيت القاهرة
القاهرة - لندن / عواصم دولية - أ ش أ

ماذا يحدث عندما يلتقي الشعراء على جسر الترجمة؟! ماذا يحدث عندما ينهض شاعر بترجمة أعمال شاعر آخر من لغة للغة ومن سياق حضاري لسياق حضاري آخر؟!..كيف يكون اللقاء على جسر الترجمة بين المبدعين..وكيف ينظر المترجم الذى هو فى الأصل مبدع لمن يترجم له وعنه؟!..

 

تساؤلات كثيرة تهم الشرق كما تهم الغرب ولعل الفضل فيها يرجع للشاعر الإنجليزي دافيد هارسنت الذى انتهى لتوه من ترجمة بعض مختارات للشاعر اليوناني الكبير يانيس ريتسوس.

 

وتحت عنوان :"بطلي"، قال الشاعر دافيد هارسنت فى صحيفة الجارديان البريطانية إن القول بأن يانيس ريتسوس كان خصب القريحة وغزير الإنتاج قد يكون مجرد تسطيح لحقيقة هذا الشاعر بقدر ما يبخسه قيمته .

 

وأوضح هارسنت أن حياة ريتسوس التي أنتجت ما يربو على الخمسة آلاف ورقة جديرة بنظرة أكثر عمقا منوها بأن الشاعر الراحل نشر فى أعوام 1972 و1974 و1975 سبع مجموعات شعرية فيما شهدت أعوام تالية المزيد من العطاء المدهش لهذا المبدع الفذ.

 

ويوصف هارسنت الذى ولد عام 1942 بأنه من أهم شعراء انجلترا واصدر تسع مجموعات شعرية من بينها "أحلام الموتى" و"أخبار من الجبهة" و"زواج" و"الفيلق" وتراوح قصائده مابين الحب والحرب كقضيتين إنسانيتين ونال العديد من الجوائز الأدبية من بينها جائزة "فورورد" كما يمارس الكتابة الدرامية وله بعض القصص البوليسية.

 

ويقول هارسنت انه يتوجب القول بأن إنتاجية ريتسوس لم تكن فحسب غير عادية وإنما أيضا كانت "بطولية" من منظور مأساته الشخصية وظروفه الصحية المتردية وتعرضه للاضطهاد بصورة ممنهجة.

 

و أعاد للأذهان أن "نظام ميتاكساس" الفاشي فى اليونان استهدف بالحرق بعض أعمال الشاعر يانيس ريتسوس فيما تعرضت إبداعاته لمزيد من الملاحقة والتضييق إبان الحرب الأهلية اليونانية عندما انحاز هذا الشاعر الكبير لمعسكر اليسار بحكم انتماءه الفكري ليتعرض هو ذاته للاعتقال.

 

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد- ففي ظل نظام "بابادوبلوس" الديكتاتوري العسكري- سجن ريتسوس مجددا وتعرض لتعذيب غير أن صاحب قصيدة "عرفت النور" لم يكف عن الكتابة والإبداع سرا فى ظل هذه الظروف الوحشية التي شملت فرض حظر على حقه فى الكتابة والتعبير.

 

ويعد الشاعر والمترجم رفعت سلام من أبرز من نهضوا بمهمة ترجمة إبداعات "سيد البساطة الماكرة" يانيس ريتسوس للعربية وله مختارات من أشعار ريتسوس صدرت ضمن سلسلة "الألف كتاب الثاني" كما ألقى أضواء كاشفة على مسيرة ذلك المبدع الاغريقى الحديث فى الفن والحياة منذ أعماله الأولى فى ثلاثينيات القرن العشرين.

 

وكما هو الحال مع الشاعر الإنجليزي دافيد هارسنت- جاءت ترجمة رفعت سلام لأشعار يانيس ريتسوس إبداعا يوازى الإبداع وفيا للروح الشعرية للنصوص وليقدم باسم الثقافة المصرية- العربيةالمكافئ الابداعى الأمين لقصائد الشاعر ريتسوس الذى قال عنه سلفه الأديب اليوناني العظيم كوستيز بالماس :"إننا نتنحى جانبا لتمر أنت أيها الشاعر".

 

 

وفى كتاب صدر فى بيروت بعنوان "شعرية التفاصيل"، تناول الناقد فخري صالح تأثير ريتسوس فى الشعر العربي المعاصر معتبرا أن "هذا التأثير قد أصبح كبيرا إلى الحد الذى يمكن أن نتحدث فيه بيقين تام عن ولادة نسل لريتسوس فى الشعر العربي المعاصر".

 

 

وعلى المستوى الفني، يقول هارسنت إن القصائد العاطفية الغنائية القصيرة لريتسوس كانتقائمة على التكثيف والتركيز بقدر ماتعكس أحواله النفسية وتقلبات مزاجه غير أن شحنتها الانفعالية ساحرة وقوتها الوجدانية لاتقاوم .

 

وقصائد الشاعر الإنجليزي هارسنت بدورها تتميزبالغنائية العالية واستغلال كل المقومات الإيقاعية فى القصيدة الانجليزية مع براعة فى تطويع البحور الشعرية والاستفادة من كيمياء اللغة بأحرفها الصوتية والمقطعية حتى أن نقادا يعتبرون قصائده بمثابة مقطوعات موسيقية لاتشير إلا إلى ذاتها.

 

وفى ملاحظة طريفة وثاقبة عن ترجمته لبعض أشعار يانيس ريتسوس للإنجليزية، يقر دافيد هارسنت بأن عمله لم يكن أبدا بالمهمة السهلة غير أن هذا العمل قاده بالضرورة للتفكير فى حياة هذا الشاعر الكبير والمقارنة بين الصعوبات التي واجهها أثناء عكوفه على الترجمة وبين الظروف المأساوية التي لم تحل دون أن يبدع ريتسوس هذه القصائد مابين السجون والمعتقلات والمعازل الصحية البائسة للمصدورين.

 

 

وفى ختام طرحه بصحيفة "الجارديان" البريطانية، خلص هارسنت إلى أن الأبطال الحقيقيين لم يقصدوا أن يكونوا أبطالا ولكن الحياة كما صنعوها وتحملوا شدائدها هي التي جعلتهم جديرين بهذه الصفة التي تنطبق بامتياز على الشاعر اليوناني يانيس ريتسوس.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved