نافذة مستديرة لضوء القمر.. لغة شاعرية وشخصيات جذابة تطرح تساؤلات عميقة

آخر تحديث: الجمعة 21 يونيو 2024 - 6:00 م بتوقيت القاهرة

أسماء سعد

- محمود عبده يروي حكاية البحث عن الذات مستعينا برسومات بديعة

تفاصيل مرسومة بعناية، تدفق سريع للأفكار والمشاعر، من خلالها تُبحر بنا رواية «نافذة مستديرة لضوء القمر» بقلم الكاتب محمود عبده، فى رحلة فنان تشكيلى غارق فى أتون الأزمات الشخصية والمهنية، باحثًا عن ملاذٍ من براثن الضياع والوحدة. تداعبه هواجسٌ حول معنى الحياة، وتدفعه رغبةٌ عارمةٌ فى استكشاف آفاقٍ جديدةٍ لم تطأها قدمه من قبل.
تُلامس الرواية الصادرة عن دار الشروق بأسلوبها الشاعرى أوتار القلوب، وتُجسّد شخصياتها الفريدة غرائب الأطوار، لتُثير تساؤلاتٍ عميقة حول ضرورة خوض التجارب الجديدة، وكسر قيود الروتين، والانطلاق نحو المجهول. تُحاكى رحلة هذا الفنان رحلة كل إنسانٍ يسعى جاهدًا لتحقيق أحلامه، باحثًا عن ذاته فى خضمّ متاهات الحياة.
هل ستُثمر رحلته عن تحقيق مبتغاه؟ أم ستُواجهه عقباتٌ أكبر مما كان يتوقع؟ تُجيبنا «نافذة مستديرة لضوء القمر» على هذه الأسئلة بلغةٍ آسرةٍ وصورٍ مُبهرة، تاركةً للقارئ مساحةً للتأمل والتساؤل حول مسار حياته ورحلته الشخصية نحو السعادة والاكتفاء؛ حيث يأتى ذلك كله مسبوقا بافتتاحية شديدة التميز، يقول فيها: «غير بعيد من قلب البراح، فى مستهل الصباحات الرطبة أمضى، منتشيًا، وحيدًا بلا رفيق».
استعان الكاتب والفنان التشكيلى محمود عبده بلغة شاعرية وشخصيات جذابة وفريدة بغرابة أطوارها، تحكى رواية «نافذة مستديرة لضوء القمر» عن فنان تشكيلى يتعرض لأزمات فى حياته الشخصية والمهنية. يشعر بالضياع والوحدة والإحباط، ويقرر الهروب من كل شىء والسفر إلى أماكن لم يسمع عنها من قبل، كما أن الرواية تمضى لتطرح تساؤلات حول ضرورة خوض التجارب الجديدة وعدم الركون إلى الثبات والجمود بخلاف ما يمكن أن نكتشفه فى رحلتنا الحياتية وهل سوف نصل إلى مبتغانا خلال تلك الرحلة أم نصطدم بعقبات أكبر مما ظننا أننا سنلاقيها.
== تجارب إنسانية مألوفة تُلامس تفاصيل دقيقة نمرّ بها جميعًا
استخدم الكاتب والفنان محمود عبده، حسه المرهف وخبراته الممتدة طويلا فى عالم الفن، من أجل إجادة التعبير من خلال النص الروائى، فى «نافذة مستديرة لضوء القمر»؛ حيث يظهر ذلك عبر تفاعلات النص التى تخبرنا عما خاضه الفنان التشكيلى ففى إحدى رحلاته، يشعر بالارتياح لواحدة من المدن التى زارها فيقرر أن يطيل بقاءه فيها؛ ليلتقى بأشخاص جدد ويخوض تجارب غريبة ومثيرة، تغير نظرته للحياة ولنفسه. لكن هل سيجد مساحة الأمان التى يبحث عنها، أم سيواجه مخاطر أكبر ممَّا ترك خلفه.
ويشعر القارئ فى رواية نافذة مستديرة لضوء القمر بأن الكاتب قد تمكن من الاطلاع على أعماق مشاعره واخترق أفكاره واستطاع التعبير عن تفاصيل دقيقة نمر بها جميعا فى حياتنا اليومية وأن هذا التعبير جاء بشكل استثنائى حيث نجح فى خلق حالة ارتباط سريع مع القارئ من خلال اللغة المتميزة والمعانى المتدفقة.
يُبحّر قلم الفنان محمود عبده فى رحلة إبداعية ساحرة عبر روايته «نافذة مستديرة لضوء القمر»؛ حيث يمزج بين حسه المرهف وخبرته الفنية العميقة ليرسم لوحة روائية غنية بالألوان والمشاعر. تنبض الرواية بحكايات فنان تشكيلى يخوض غمار رحلة تبعث فى نفسه مشاعر الارتياح، ليقرر التوقف فى إحدى محطاتها، مُفسحًا المجال لتجارب جديدة وأشخاص استثنائيين يُشكلون منعطفًا هامًا فى حياته.
يُجسّد عبده ببراعة صراعات الفنان الداخلية، تلك التى تُمزّقه بين رغبة فى الأمان والاستقرار وبين شغف بالاستكشاف والمغامرة. تتدفق الكلمات من قلم عبده بِحُرية لتُلامس شغافات القارئ، وتُلامس أعماق مشاعره وأفكاره، وكأنّهُ يُشاركنا رحلة ذاتية مليئة بالتساؤلات والبحث عن الذات.
تُحاكى «نافذة مستديرة لضوء القمر» تجارب إنسانية مألوفة، وتُلامس تفاصيل دقيقة نمرّ بها جميعًا فى حياتنا اليومية. ببراعة الكاتب، تُصبح هذه التفاصيل لوحة فنية ساحرة تُلامس القارئ بعمق، وتُخلّق حالة من التماهى والتواصل بينه وبين الشخصية الروائية.
يُجسّد عبده قدرة الفن على اختراق الحواجز والتعبير عن المشاعر الإنسانية بصدق وعُمق. تُصبح «نافذة مستديرة لضوء القمر» رحلة إبداعية تُثرى القارئ وتُحفّزه على التأمل والتساؤل، وتُشعل فى داخله شغفًا بالفن والحياة.
== إبداع فائض يُثرى رحاب الرواية: مسيرة محمود عبده الأدبية والفنية
يُجسّد الكاتب والفنان محمود عبده إبداعًا يُثرى رحاب الرواية من خلال مسيرته الأدبية والفنية المُثمرة، فقبل إبداعه لرواية «نافذة مستديرة لضوء القمر»، سبق له أن غنى الساحة الأدبية بأعمالٍ مُميزة، تاركًا بصمةً مميزة فى ذاكرة القراء، حيث نشر عبده العديد من القصص القصيرة فى الدوريات الأدبية المعروفة، ناهيك عن إصداره لديوان شعر بعنوان «طعم التمرة» عام 2014، ليُثبت قدرته على التعبير عن مشاعره وأفكاره من خلال مختلف الأجناس الأدبية.
ولم يقتصر عطاء عبده على مجال الشعر فحسب، بل أثبت براعته فى كتابة الرواية من خلال روايته «رقص طفيف» التى صدرت عام 2017، تلتها مجموعة قصصية بعنوان «فرميليون» عام 2018، والتى حصدت جائزة أفضل مجموعة قصصية فى معرض الكتاب 2019 من الهيئة المصرية العامة للكتاب، وقد وصلت روايته «نافذة مستديرة لضوء القمر» إلى القائمة القصيرة لجائزة كتارا للرواية العربية فى دورتها التاسعة، فيما أبدع الرسوم الداخلية لعدد من المجموعات القصصية والروايات، من أبرزها مجموعة «كم مرة سنبيع القمر» للكاتب أسامة علام. كما أنه كتب ورسم العديد من القصص المرسومة للأطفال، مُثبتًا قدرته على التواصل مع مختلف الفئات العمرية من خلال الفن، كما يُعدّ عبده عضوًا فى نقابة الفنانين التشكيليين، مما يُؤكد على تعدد مواهبه وإبداعه فى مختلف المجالات.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved