عائد إلى حيفا.. غسان كنفاني يطرح فكرة الهوية من منظور القضية الفلسطينية

آخر تحديث: الجمعة 22 مارس 2024 - 7:04 م بتوقيت القاهرة

محمود عماد

لا صوت يعلو في العالم أجمع الآن فوق صوت القضية الفلسطينية فأحداث غزة الحالية، والتي بدأت منذ السابع من أكتوبر الماضي، والمستمرة حتي وقتنا هذا هي الشغل الشاغل للعالم أجمع باختلاف الجنسيات والقوميات والقارات والديانات سواء كان اهتماما من السلطة الحاكمة أو من الشعب في الشوارع فالمجازر التي ترتكبها إسرائيل على مدار أكثر من خمسة أشهر، والتي تؤثر على المنطقة كلها تجعل كل الأنظار لمنطقة الشرق الأوسط.

وبما إن الأدب لا يبتعد مطلقا عن أي أحداث في الحياة، وخاصة القضية الفلسطينية التي تناولها الكتاب والشعراء والباحثين كونها قضية إنسانية قبل كل شئ، ومن أفضل من الكاتب والروائي الفلسطيني غسان كنفاني والذي عاش عمره يناضل بقلمه دفاعا عن قضية بلاده حتى استشهاده على أيدي الموساد الإسرائيلي، ومن ضمن كتاباته الكثيرة حول القضية رواية عائد إلى حيفا، والتي نحن بصدد تقديمها.

عائد إلى حيفا الرواية التي طبعت للمرة الأولى عام 1969 قبل اغتيال كنفاني بثلاث سنوات، وهي واحدة من أبرز الكتابات في الأدب الفلسطيني المعاصر، ومن أبرز أعمال كنفاني الرواية رغم قصرها فهي تطرح سؤلا مهما للغاية وجوديا وهو سؤال الهوية تأخذ من القضية الفلسطينية أساسا تقوم عليه عن طريق أسرة فلسطينية مهجرة في أثناء النكبة عام 1948 من مدينة حيفا الفلسطينية.

سعيد وصفية الزوجان الفلسطينيان اللذان يعيشان في وطنهما مع طفلهما الرضيع خلدون صاحب الخمسة أشهر، ويحدث التهجير على أيدي الصهاينة بمساعدة بريطانية فتقود الأقدار لأن يهجر الزوجين دون رضيعهما ليضيع الوطن والولد وسط أفكار في رأسهما بتقصيرهما، ورغم استقرارهما في رام الله أي في فلسطين نفسها كونهما من مهجري الداخل، لكنهما يشعران بضياع رمز الوطن أي ذلك الولد الرضيع خلدون رغم إنجابهما أولاد آخرين مثل خالد اللذان رفضا تسميته بخلدون لأنهما كان لديهما الأمل دائما في استعادة خلدون أو ربما استعادة الوطن.

نرى بعد عشرين عام يسمح للمهجرين بزيارة بيوتهم ومدنهم التي هجروا منها حيفا ويافا وغيرها يعودون ليروا بيوتهم التي سكنها غيرهم شوارعهم التي تغيرت مدنهم التي لم تعد كذلك كل الذكريات التي أول ما رأوها أصبحت سموم في أرواحهم حتي خلدون أحتل هو الآخر ربته أسرة يهودية أخذت البيت والولد وأغتصبت الأرض.

أصبح جنديا في جيش الاحتلال ضد أبناء بلده، وهنا يدور حوارا شديد الفلسفة أولا بين سعيد والسيدة اليهودية، ثم بين سعيد وخلدون أو دوف حول حقيقة الوطن وماهية العيش وما هو الإنسان حول تركهما له منذ عشرين عاما دون مقاومة حقيقية، فنصل إلى أن الإنسان ما هو إلا قضية يعيش من أجل قضية ويموت من أجل قضية، وأنهم أخطأوا عندما دون مقاومة تذكر على أمل غير حقيقي بالعودة عودة لم تتحقق.

ويتيقن سعيد أن خلدون قد ضاع مع البيت والأرض والوطن وأنه لم يعد ولده، وأن الوطن ليس ذلك البيت ولا تلك الذكريات، بل الوطن أكبر من ذلك ذلك ما يجعل خالد ابنه وغيره يريدون الموت من أجل استرداد الأرض رغم أنهم لا يملكون ذكريات في تلك الأرض ربما هذا ما يؤكد عليه كنفاني بأن تلك القضية لن تموت أبدا طالما وجد هذا الشعب الفلسطيني الذي يعيش من أجل القضية لا يهمه شئ ربما تلك الأجيال الشابة هي من تستطيع تحقيق المعجزة، وأن المقاومة ستظل هي الحل لاسترداد الحق المسلوب، ويختتم كنفاني الرواية بأن مفهوم الوطن هو أن لا يحدث هذا كله.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved