تمويل الحملات .. ليس كل الدعم (بريئًا)
آخر تحديث: الأحد 22 أبريل 2012 - 10:42 ص بتوقيت القاهرة
محمود نجم
تعد المساواة فى الفرص أحد أهم معايير نزاهة وعدالة الانتخابات، إلا أن القدرات التمويلية المتفاوتة للحملات الدعائية تقضى على معيار تساوى الفرص ليس فى مصر وحدها ولكن فى أعرق الدول الديمقراطية، وهذا راجع لضعف قدرة الدولة على مراقبة التمويل، والزيادة الرهيبة فى الإنفاق على الحملات الدعائية، ففى عام 1860، استطاع إبراهام لنكولن الفوز بانتخابات الرئاسة الأمريكية بتكلفة تقل عن 100 ألف دولار، وبعد مائة سنة، استطاع جون كنيدى بحملة تكلفت 9.7 مليون دولار التغلب على ريتشارد نيكسون، أما الانتخابات الرئاسية عام 2008 فبلغت تكلفتها مليار دولار.
ونتيجة لهذه التكاليف المتزايدة للانتخابات يتجه المرشحون للرئاسة إلى الشركات الكبرى لدعمهم، وهذا ما يسمح لهم بالتدخل فى السياسة العامة للدولة بالإضافة إلى بعض تجارب رجال الأعمال الذين حاولوا الاعتماد على أنفسهم فى الانتخابات، وأشهرهم تجربة بيرلسكونى الملياردير الإيطالى، الذى استطاع عن طريق امتلاكه لثلاث قنوات تليفزيونية واستثمارات فى قطاع الاتصالات الفوز فى انتخابات عام 1994، واعتلاء منصب رئيس الوزراء ثلاث مرات، ورغم اقتران فترات ولايته بقضايا الفساد وغسيل الأموال والفضائح الجنسية فإن امتلاكه لشركات الإعلام والاتصالات وأهم ناد رياضى إيطالى، وشركات لإنتاج الأفلام، جعله قادرا على التحكم فى المزاج الإيطالى.
وفى فرنسا كشفت وثيقة حكومية أن ساركوزى تلقى مليون يورو من العقيد الليبى الراحل معمر القذافى لتمويل حملته الانتخابية بالكامل لرئاسة فرنسا العام 2007، وتم تبييض هذه الملايين من خلال حسابات مصرفية فى بنما وسويسرا.
فى حين تظهر فى الولايات المتحدة شركات وجمعيات مصالح خاصة جديدة تقوم بجمع اموال بشكل غير محدود من رجال الأعمال والمؤسسات والأفراد وإعادة توزيعها على المرشح الذى تختاره، وكان لهذه الجمعيات دور مهم فى انتخابات الكونجرس الماضية.
ومن المنتظر أن يزداد نفوذ رجال الأعمال فى الانتخابات الأمريكية القادمة مع القواعد الجديدة المخففة التى ألغت سقف تبرعات الأفراد والمؤسسات بعد أن كان 2500 دولار، بالإضافة إلى أن التعديل الجديد سمح لمقدمى الأموال بعدم اعلان اسمائهم، وهذا التعديل يعتبر قصمة ظهر لأوباما الذى اعتمد فى انتخابات 2008 على مساهمات ضئيلة من أفراد لم تكن تتجاوز فى غالب الأحيان خمسة دولارات.
ويرجع التساهل الرقابى فى الولايات المتحدة إلى الثقة فى النظام الحزبى القوى الذى يشكل حائط صد قوى أمام سيطرة الأفراد مهما بلغت ثروتهم، وأكبر مثال على ذلك هو الملياردير الأمريكى هنرى روس بروت الذى أنفق 60 مليون دولار على حملته الانتخابية فى عام 1992، وحصل على نحو 20 مليون صوت بنسبة 19% من إجمالى الناخبين وهى أكبر نسبة يحصل عليها مستقل فى تاريخ الولايات المتحدة، مقابل 43% لبيل كلينتون الذى أنفق حزبه ومؤيديه من أفراد ورجال أعمال 130 مليار دولار على حملته.
إلا أن النموذج الأمريكى المتساهل لا يعتد به فى العديد من الدول الديمقراطية، فالدستور الألمانى ينص على إلزام الأحزاب بالإعلان عن مصادر تمويلها وأوجه إنفاقها وهوية المتبرعين، ويرجع التشديد الرقابى الألمانى إلى الاعتقاد بأن سبب صعود أدولف هتلر والحزب النازى هو دعم كبار رجال الصناعة الألمان، وهو ما لن يسمح الدستور الألمانى بوجود فرصة لتكراره.