Golda فيلم عن السقوط وصورة سينمائية لخلق تعاطف مع رئيسة وزراء إسرائيل السابقة جولدا مائير
آخر تحديث: الجمعة 22 سبتمبر 2023 - 7:24 م بتوقيت القاهرة
الشيماء أحمد فاروق
في عام 2023 نحتفل بمرور نصف قرن على ذكرى انتصار حرب أكتوبر عام 1973، والتي كانت نقطة تحول فارقة في الصراع العربي الإسرائيلي، وعلى الجانب الآخر، تعرض السينمات الإسرائيلية منذ نهاية شهر أغسطس فيلم "Golda"، الذي يحكي قصة رئيسة الوزراء جولدا مائير في أيام حرب يوم الغفران –كما يطلق عليها الجانب الإسرائيلي- من خلال تجسيد هذه اللحظة الزمنة الفارقة عبر مشاعر وعيون إمرأة مما يحاول اكساب الأمور تعاطفاً أكبر.
يتصدر الفيلم الحديث على منصات التواصل الاجتماعي في مصر مع تزامن عرضه على منصات إلكترونية، بالتزامن مع اقتراب ذكرى مرور 50 عاماً على الحرب.
كيف تُروى القصة؟
تجري أحداث "جولدا" في إطار زمني واضح وضيق، الأسابيع الثلاثة بين اندلاع حرب أكتوبر (يوم الغفران) والاقتراح الأمريكي بوقف إطلاق النار، والموقع محدد وواضح أيضًا، بين الخندق الذي يجتمع فيه رئيس الأركان في إقليم كاريا، وغرفتا النوم والمستشفى الذي تعيش فيهما جولدا أسوأ لحظاتها، والمطبخ الذي تعد فيه الطعام وحيث تستضيف كبار رجال دولتها ورئيس وزراء الولايات المتحدة الأمريكية.
ويتشابه الفيلم في طريقة السرد هذه مع فيلم "Dark Hour" الذي يتجول فيه غاري أوديلمان بدور ونستون تشرشل في أوكار غرف الحرب تحت الأرض في لندن وغرفة نومه أثناء شربه للكحول، كذلك تتبع الكاميرا "جولدا" رئيس الوزراء في الأوكار الواقعة أسفل تل أبيب، وداخل زنزانات عقلها وهواجسها وهي لا تترك السجائر من يدها.
يبدأ الفيلم في 5 أكتوبر 1973، عشية بداية الحرب، حيث تتلقى جولدا معلومات تفيد بأن السوريين والمصريين يستعدون للهجوم، والفيلم من تأليف نيكولاس مارتن وإخراج جاي ناتيف، وتجسد الشخصية رئيسة وزراء اسرائيل الممثلة البريطانية هيلين ميرين.
لا يقدم الفيلم سيرة ذاتية من الميلاد وحتى الموت لجولدا ولكنه يقدم أحداث درامية مكثفة لحالتها على هامش الحرب، بالإضافة إلى جزء شخصي واحد فقط، وهو المرض ولحظات الكشف السرير بالتزامن مع الأحداث، وركز الفيلم على توضيح الجانب الإنساني لها ومدى تأثرها بالضحايا من أبناء شعبها وشعورها بالذنب تجاه كل مفقود أو أسير أو قتيل، بهدف خلق حالة من التعاطف معها.
ماذا كتب عن الفيلم عالميا وفي إسرائيل؟
كتب يائيل روي في مراجعته عن الفيلم على منصة "calcalist" الإسرائيلية: "على الرغم من أن اتجاه ناتيف في بعض الأحيان إلى وجهة نظر ذاتية مجازية، مما يضعف القصة ويقدمها في ضوء سطحي إلى حد ما، فإن جولدا فيلم فعال بشكل غير عادي، لأنه يعرض حرب يوم الغفران باعتبارها حالة من الكارثة التي كادت أن تدفع هذا البلد إلى حافة الهلاك والهزيمة، لأنها اختارت عدم إظهار الحرب نفسها، ولكنها تجعل أبطال هذه القصة، وزراء الحكومة ورجال الجيش، يشاهدون ويستمعون من بعيد ويسترجعون عواقب قراراتهم وأخطائهم، عندما هم بالفعل عاجزون عن إنقاذ الوضع، إن الصراخات التي تُسمع في هذا السياق هي أكثر رعباً مما لو تم تصويرها في ساحة المعركة".
أما على موقع تقييم الأفلام الإسرائيل "seret"، حصد الفيلم تقييم جيد جداً، ولكن حاز انتقادات على مستوى المشاهد البصرية للحرب، حيث كتب يائير هوشنر: "هو دراما بدون ميزانية، تم تصويرها في الاستوديو وتعتمد بشكل أساسي على ممثلين جيدين وسيناريو فعال، لذلك هو فيلم متواضع نسبيا من حيث الميزانية، لا يقدم معارك، حيث تجري معظم الأحداث في مخبأ المكاتب الحكومية عندما يتخذ الجنرالات والمسؤولون الحكوميون قرارات مصيرية، والمثير للدهشة أن هذه هي بالضبط أقوى اللحظات في الفيلم".
وأضاف هوشنر: "أما أضعف المشاهد في الفيلم هي تلك التي تم إخراجها بالاستعانة بالخدع البصرية، خارج المكاتب،على سبيل المثال، رحلة موشيه ديان بالمروحية، لمشاهدة القتال العنيف في الجولان، تفتقر إلى المصداقية".
يشيد هوشنر بأداء هيلين ميرين، ويرى أنها تستحق جائزة عن هذا الفيلم، ولكنه يشكك في ذلك، حيث قال: "هل سيؤدي أدائها إلى ترشيحها لجائزة الأوسكار؟ مشكوك في ذلك جدا، إن مآثر جولدا وحرب يوم الغفران ودولة إسرائيل أصبحت أقل إثارة للاهتمام أو تعاطفاً بين الجمهور الدولي".
بينما نشرت صحيفة الجارديان البريطانية مراجعة بيتر برادشو عن الفيلم والذي ورد فيها "كفيلم حربي، فهو ممل إلى حد محير، وباعتبارها دراما سياسية، فهي دراما راكدة، وباعتبارها صورة شخصية لمائير، فهي صورة سطحية، لماذا لم يتمكن الفيلم من تصوير المشاهد الأهم في حياة جولدا مع الرئيس السادات، وتم اللجوء إلى اللقطات الأرشيفية، لماذا لم تعطى ميرين فرصة للتألق بدلاً من الصورة الخاملة التي قدمت بها".
وعلقت صحيفة لوس أنجلوس تايمز على الخط الدرامي الذي يربط بين إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية من خلال مكالمات ومقابلات مائير بهنري كيسنجر، "يعترف نص مارتن بالطبيعة الهشة والمشروطة لتحالف إسرائيل مع الولايات المتحدة، خاصة في ضوء اعتماد الأخيرة على واردات النفط من السعودية، وتركيزها على علاقة سوريا ومصر بروسيا، ويؤدي ذلك إلى ظهور بعض المشاهد الممتعة التي يشارك فيها وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر، الذي يظهر باعتباره أهم حليف لمائير وشريكه في السجال، وكان أفضل مشاهدهما سوياً عندما مر كيسنجر لفترة وجيزة عبر تل أبيب، حيث أجبرته جولدا على تناول وعاء الحساء وتقديم بعض التعزيزات لإسرائيل".
كيف حاول الفيلم خلق التعاطف مع جولدا؟
يحاول الفيلم التركيز على شخصية جولدا بشكل أساسي وتأثير كافة القرارات التي تأخذها هي بنفسها أو رجال دولتها على حالتها النفسية والصحية، حيث يقدم شخصيتها كسيدة مضحية وعاطفية، تخرج من جلسات العلاج الكيميائي، إلى الخندق لتلقي صدمات الحرب، وفي نفس الوقت تعاني بسبب الضحايا من الجنود وذويهم.
وللوصول إلى هذه النتيجة وخلق هذا التعاطف وظف المخرج أدوات اللغة السينمائية بشكل جيد، ولغة الصورة هي تشكيل تفاصيل لها معنى من خلال الأدوات/ العناصر المرتبطة بصناعة العمل، واللغة تعتمد على عناصر متعددة يجب أن تتضافر لكي يكون لها معنى، وهي الوسيلة التي يستخدمها صانع العمل لتوصيل فكرته/ المضمون إلى المتلقي/ المتفرج، وفق ما ورد في كتاب "قواعد اللغة السينمائية" دانييل أريخون، وتتضمن الإضاءة والديكور والملابس وطريقة التعبير بالكادرات.
تعتمد الصورة السينمائية في الفيلم بنسبة كبيرة على نوعين من اللقطات وهما: Extreme Close-Up و Close-up، وتستخدم للتعبير عن أدق التفاصيل المراد الإشارة إلى دلالتها، مثل اليدين والعينين والفم، والوجه بشكل عام، مثل التركيز على عيون جولدا لحظة اخبار السكرتيرة الخاصة في مكتبها بموت ابنها، ولقطة أخرى ليدي جولدا وهي تجرح إصبعها بأظافرها من شدة الضغط عليها نتيجة للتوتر الشديد أثناء أثناء سماعها أصوات الجنود وهم يستغيثون من هجوم القوات المصرية، ولقطة أخرى لوجه جولد وهو يتلاشى ويحل محله دخان السجائر في لحظات الهزيمة.
كما يوظف الفيلم مفهوم "تصوير نوار"، أي التلاعب بالظلال والنور لخلق حالة من الكابوسية والتوتر، والتي رافقت جولدا في منزلها وغرفة نومها في منتصف الفيلم عندما اشتدت الأزمة عليها، والنوار مصطلح يشير إلى "إظهار رؤية كابوسية لوضع مع نرى فيها الشخصيات تعيش في الظل وخاصة من هم على حافة الإنهيار، ويشتمل فيها الفيلم على الحوارات السريعة اللاذعة، وتروى القصة بشكل متشابك كالمتاهة حيث يتم الرجوع بالسرد إلى الماضي فلاش باك والتنقل عبر الأزمنة"وفق بحث للدكتور عمرو صلاح الدين –مدرس بقسم التصوير في المعهد العالي للسينما- وذلك بالفعل ما نفذ في الفيلم، حيث يُروى من خلال التحقيق مع جولدا عام 1974 عن إخفاقات الحرب.
لم يتطرق الفيلم لمشاهد القتال وصور الجنود وهم يسحقون تحت هجوم القوات المصرية، وإنما اكتفى بالتجسيد الصوتي للمعركة من خلال صرخات الجنود وأصوات الرصاص، وصوت الجندي المصري الذي يعلن السيطرة على الوضع، بالتوازي لهذه الأصوات تركز الكاميرا بشكل دقيق على جولدا ودخان سجائرها وتعبيرات وجهها المتأثر بموت جنودها.