كم مرة سنبيع القمر؟.. شاعرية أسئلة أسامة علام تصنع من المواقف العادية قمة الإنسانية

آخر تحديث: الجمعة 23 فبراير 2024 - 6:58 م بتوقيت القاهرة

محمود عماد

المواقف العادية مصطلح نستخدمه للتعبير عن تلك الأحداث التى تحدث فى أيامنا الكثيرة العادية فى أشغالنا، بيوتنا، وحياتنا بشكل عام تلك الأحداث لا يعير لها الكثيرون اهتماما بوصفها لا تحتوى على أى شىء يدعو لذلك، ولكن ماذا لو أن تلك الأحداث أو المواقف العادية بها الكثير من الحياة بها الكثير من الرسائل حتى ترتقى لأن تستحق أن تروى، أن تكتب، أن يقرأها الناس، ويشعروا بأنها ليست عادية، بل هى أكثر مواقف الحياة إنسانية.
هذا ما يستخدمه الكاتب أسامة علام آخذا المواقف العادية ليضعها حجر أساس يؤسس به لمجموعته القصصية الأحدث «كم مرة سنبيع القمر؟» الصادرة حديثا عن دار الشروق التى تتكون من ثلاثين قصة مكثفة إلى حد ما مزينة كل قصة برسمة للفنان محمود عبده تعبر عنها مستقاة من روح القصص.
القصص مستوحاة من أحداث حقيقية من المواقف الحياتية للكاتب أسامة علام نفسه الذى يعمل طبيبا بيطريا معالجا للحيوانات الأليفة يتنقل ويسافر بين الولايات المتحدة الأمريكية مقر عمله وكندا حيث تستقر عائلته، ومصر موطنه الأم يمزج الكاتب حياته بالإبداع فنذهب معه فى الرحلة التى قرر أن يأخذنا فيها دون أن نعى ما هو الخيالى وما هو الحقيقى فيمتزجان ببعضهما البعض بذلك السرد الشاعرى بكلمات تفيض عذوبة.
هنا فى القصص نشعر بالصدق، الصدق الذى يفيضه ذلك القلم الذى خط تلك القصص هو صدق نلتمسه منذ الحروف الأولى حتى تصبح القصص أشبه بشىء شاعرى ربما قصيدة ما نثرية، أو حكم تأتى من الخبرة بالحياة أو من الاشتباك معها بكل تفاصيلها ربما تكون خلاصة أو عصارة إنسان غارقا فى الحياة بكل جوارحه رغم شعوره أن حيوية حياته مسروقة منه.
إذا تفحصنا بعض القصص بعين تريد البحث وراء القصص فسنجد تشابها بين بعضها البعض فلدينا بطل واحد، وأماكن مع مرور القصص ندرك أننا عرفناها وألفناها، ونتقاطع مع شخصيات مختلفة فى كل قصة شخصية ربما نشعر بهامشيتها، ولكنها شخصيات بطولية بالنسبة للبطل الذى يصبح هو عاديا فى بعض الأوقات، وربما هامشيا فى وجود تلك الشخصيات، فيبدو أننا هنا أمام كتاب قصصى، وهو نوع لا يوجد منه الكثير على الساحة الأدبية. المعانى الإنسانية التى نوهنا عنها قبلا هى لب القصيد، وربما هى سر الترابط الأكبر الذى يحكم بنيانها فى افتتاحية النص قصة بعنوان «فئران المدينة الكبيرة» هنا نرى تلك الذاتية الطاغية على كل النصوص اللاحقة، ونرى ذلك الإيهام المكسور فالكاتب يتحدث عن نفسه التى لم تعد تريد الكتابة، لم تعد تطيق طقوسها، ولا توترها قرار بترك ذلك الفعل الذى يتعب صاحبه، رغم شعوره بأنه لن يقدر على ذلك، نشاهد هنا أيضا فى العنوان أن هنالك سؤالا ماذا هو الكبير؟ هل هى الفئران، أم مدينة نيويورك الكبيرة؟ هنا أيضا نشاهد تلك المدينة الكبيرة الحاضنة الموحشة، ونشاهد الحب الذى يستمر بين الأحبة، بين الرجل الراحل وزوجته، وتلك الإنسانية الكامنة فى الوردة.
فى القصة التى تأخذ عنوان المجموعة، وهى «كم مرة سنبيع القمر؟» نرى تلك الخيبة التى تصاحب كل واحد منا خيبة من كثير من الأمور المختلفة ربما تعب لا نعلم مصدره، وربما لأننا اشترينا أحد الأقمار.
هنالك الكثير من القصص التى نرى فيها ذلك الربط بين أصدقاء عرفهم الكاتب أحبهم وأحبوه، أثر فيهم وأثروا فيه، وهى «على المقهى فى مراكش»، «صانع المصابيح»، هدية للشيخوخة والنوم»، «عربة الأيس كريم»، و«الرجل فى وحدته» هنا نرى الكثير من معانى الحب والصداقة من معانى الإنسانية البسيطة فى شكلها الخارجى، والعظيمة فى داخلها، والتى تذخر بها النصوص نرى أناسا من جنسيات مختلفة لا يربطهم بالبطل إلا الصدق، يصدرون لنا الكثير فى مواقفهم وحيواتهم التى لو توقفنا عندها سنعرف الكثير من خبايا النصوص.
هنالك قصتان وهما «كالزيت للنار... كالنور للقنديل»، و«على اسم مصر» متشابهتان بعض الشىء فى الطريقة السردية لهما ففى الأولى نجد التفكير القابع فى رأس الكاتب هو المحرك حالة من الفوضى واللا معرفة تنتابنا مع بعض الروحانيات الصوفية فنشعر بالإحساس المكتوب ونحس بحضور الأب وأمانه من وراء النص، أما على «اسم مصر» فالعنوان يعبر عن كل شىء تلك القصيدة الشهيرة للشاعر الوطنى صلاح جاهين فمصر هى محور القصة هو ذلك الشوق للوطن الأم الذى يعبر عن كل شىء، ومع هذا نجد أيضا تلك الفوضى بعض الشىء خاصة فى النهاية.
فى القصة الأخيرة التى تحمل عنوان «بريجيت وعصافير حرة» هى أكبر القصص المكتوبة، وربما اختارها الكاتب القصة الأخيرة لتلك الخصوصية التى تحملها بين علاقته ببريجيت وعصافيرها التى يظنها فى البداية شخص مجنون، لكنها مع الوقت تثبت له عكس ذلك تماما تذكره بماضٍ ضائع بشباب كان هنا وذهب، ترينا حكم المجتمع الظالم على الاختلاف الذى لا يرضى به ولا يعرفه تثبت له ولنا أننا لا يمكننا أن ندع أنفسنا فى ذلك القفص ونغلق على أرواحنا، فكما الطيور يجب أن نحلق فى السماء، ونتمتع بحرية الاختيار بين البقاء فى قفص نحبه بإرادتنا، وبين التحليق فى السماء الواسعة، بريجيت هى تلك المرشدة، الرسول الذى أتى لينير شيئا فى النفس، ويرحل كما جاء بالغرابة نفسها رغم أنها لم تأتِ لذلك من الأساس.
كانت تلك رحلة بين بعض القصص الرئيسية فى المجموعة التى تمتاز بصدقها الشديد، وبشاعريتها العالية، وبشجنها الكبير ربما لأنها تذكرنا بمواقفنا الحياتية العادية التى ظنناها دون قيمة كبيرة، لكن ذلك الكتاب القصصى أثبت لنا أن وراء ما نقلل منه الكثير من الجمال والحكمة، وسيظل سؤالا يراودنا، هل كل ما قرأناه حقيقى؟

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved